"رَحَّلُونَا بعيداً": هل غَدَت الأحياء الشعبية المغربية ضحيةً لمشاريعِ المونديال؟

في الوقت الذي تؤكد الجهات الرسمية أن هدف إخلاء وترحيل بعض سكان الأحياء العتيقة أو العشوائية في مدينتي الرباط والدار البيضاء، هو "تطوير المدينة"، يرى السكان المتضررون أن هذه العمليات تمت على نحو سريع و"تعسفي"، من دون مراعاة لحقوقهم الكاملة، من قبيل منح تعويضٍ مالي مناسب أو بدائل سكنية لائقة. فهل فعلاً صارت هذه الأحياء ضحية لمشاريع المونديال؟
2025-05-15

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
هدم مساكن في أحياء شعبية بالمغرب

"حتى لو هدموا منزلي، فأنا لستُ ضدّ الدولة ولا ضدّ الحكومة ولا ضدّ المسؤولين. إنّما نستنكرُ هذا الظلم فحسب، وما نعانيه هذا العام هو حقّاً ظلمٌ بمعنى الكلمة. فلماذا يُفرض علينا هذا القرار؟ من أجل عام 2030؟ ونحن؟ أين سنكون حينئذٍ؟".

يُعبّر هذا القول الذي أفاد به أحد سكان حي "العكاري" في مدينة الرباط، عن حنق وقلق، وشعور بالغبن، مَسّ سكّان عدد من الأحياء الشعبية، في مدينتي الرباط والدار البيضاء، منها ما هو عشوائي، ومنها ما هو عتيق، بسبب عمليات هدم وترحيل جماعي نفّذتها السلطات ضمن ما تصفه بخطط "تهيئة حضرية" و"مشاريع تنموية"، استعداداً لاستضافة المغرب (مع إسبانيا والبرتغال) لكأس العالم لكرة القدم عام 2030.

وفي الوقت الذي تؤكد الجهات الرسمية أن الهدف هو "تطوير المدينة"، يرى السكان المتضررون أن هذه العمليات تمت على نحو سريع و"تعسفي"، من دون مراعاة لحقوقهم الكاملة، من قبيل منح تعويضٍ مالي مناسب أو بدائل سكنية لائقة. فهل فعلاً غدت هذه الأحياء ضحية لمشاريع المونديال؟

"كُنَا نعيش في قلب المدينة فرَحَّلُونا بعيداً"

انطلقت عمليات الهدم والإفراغ في الرباط في آذار/مارس الماضي، كجزء من مشروع يسمى "تصميم تهيئة المدينة"، الذي شمل أحياء عتيقة بغية توسعة الشوارع، وبناء بنى تحتية جديدة في إطار استعداد العاصمة لاحتضان تظاهرات قارّية (كأس أفريقيا نهاية هذا العام) وعالمية. وتمّ استهداف أحياء عديدة أهمها: "دوار العسكر" في حي "المحيط" وأجزاء من حي "غرب العتيق"، حيث أخطرت السلطات عشرات الأسر بإخلاء مساكنها بصورة إجبارية، وفرضت السلطات على سكان حي "العسكر" خيارين: إما الحصول على شقة في ضواحي بعيدة عن المدينة، كمنطقة "تامسنا" (ضواحي الرباط)، وإمّا القبول بقطعة أرض مخصصة للبناء في "عين عودة" أو "عين عتيق".

____________
من دفاتر السفير العربي
كرة القدم: لماذا تهمّنا؟
____________

تُلَخَص وضعية متضرري هذا الهدم والترحيل بهذه العبارات: "كنا نعيش في قلب المدينة فرَحَّلُونا بعيداً". تتبنى هذا الكلام إحدى المعنيات بهذا القرار الحكومي، إذ تقول: "كنا في البداية نرفض الترحيل إلى ضواحي بعيدة عن مركز المدينة، لكننا قبلنا الشقة في تامسنا وتدبرنا الوضع"، مضيفة: "لقد صرنا أكثر بعداً عن مركز المدينة، رغم ارتباطنا بمصالح حيوية بالعاصمة الرباط".

تمّت هذه العمليات – أحياناً - قبل أن يصدر أي قرار إداري مُوثّق (مكتوب). وقد اشتكى سكّان متضرّرون من إخطارات شفوية ومفاجئة، تسبقها مباشرة حملة هدم، من دون جدولة زمنية تتيح لهم التكيّف أو البحث عن سكَن بديل. ويُحتمل أن سلطات الرباط تجنبت تنفيذ مسطرة نزع الملكية العامة في ظل صعوبة إثبات وجود منفعة عامة جلية، وفي الأساس تحاشياً لدفع تعويضات كبيرة لعقارات تبلغ قيمتها السوقية الحقيقية 30 ألف درهم للمتر الواحد (حوالي 3 آلاف دولار)، إذ يلزم هذا الإجراء السلطات، بضرورة تحديد القيمة السوقية لتلك العقارات، عبر اعتماد خبرة قضائية.

بالموازاة، لم يختلف وضع الرباط كثيراً عن مدينة الدار البيضاء، إحدى كبريات المدن المغربية المستضيفة للمونديال، إذ قامت السلطات المحلية في خريف 2024 بتنفيذ مشروع "المحج الملكي"، من خلال هدم منازل قديمة في درب "المعزي" ومنطقتي "البحيرة" و"المدينة القديمة"، ففي نيسان/أبريل الفائت بلغت الأزمة ذروتها بإشعار آلاف السكان في المدينة القديمة بإخلاء مبانيهم لتبدأ عمليتا الهدم والترحيل بالقوة مباشرة.

حتى وإن بدت مسوغات إعادة تأهيل هذه الأحياء الشعبية المتمركزة في وسط مدينتي الدار البيضاء والرباط، مُقْنعة لكثير من المغاربة، كونها ستغير وجه هذه الأماكن نحو الأفضل، إلا أن ذلك سيكون على حساب المتضررين، إما بالإكراه وإما بالامتثال للأمر الواقع. فهذه العملية جاءت لتمهد الطريق أمام أصحاب رؤوس الأموال ومجموعات عقارية ضخمة، لاقتناء أراضٍ في هذه الأحياء المتواجدة ضمن مواقع حيوية واستراتيجية في المدينتين.

ثارت شكوك حول صفقات سرية تمّ عقدها خلال زيارات، قام بها مقرّبون من دوائر القرار السياسي مع شركات استثمارية من دولة خليجية، في منتصف العام الماضي، إذ بيعت هذه العقارات بأسعار مرتفعة تصل إلى 60 ألف درهم (حوالي 6 آلاف دولار) للمتر المربع، في وقت يتم فيه تعويض السكان الأصليين، بمبالغ ضئيلة، لا تزيد على 10 آلاف دولار لمجمل المنزل. 

لا يعترض عبد الكريم المانوزي، أحد السكان المتضررين على مشروع المحج الملكي، لكنه يرى هو وسواه، ممن قضوا عقوداً في هذا المكان، أنهم يستحقون "تعويضاً محترماً ووقتاً كافياً للانتقال"، وهو أمر لم تتم الاستجابة إليه من قبل السلطات المحلية على نحو توافقي، ما أثار احتجاجات المعنيين، التي تبنتها جمعيات محلية، مثل "جمعية أولاد المدينة" التي شددت على أنه "لا يمكن ترحيل السكان بسرعة دون تمكينهم من التعويض". في حين رفض ساكنو حي "البحيرة" عرضاً حكومياً اعتبروه "هزيلاً لا يحفظ كرامتهم"، إذ يشمل منح شيك بقيمة 100 ألف درهم (حوالي 10 آلاف دولار) للبحث عن سكن بديل ضمن برامج الدعم، وطالبوا بدراسات ومساكن بديلة فعليّة.

المدينة سيراها العالم

مدينة الرباط وسواها من المدن المستضيفة لهذه التظاهرة الرياضية العالمية، ستراها عيون العالم، لذا كان لزاماً على سلطات العاصمة أن تلجأ إلى جرافات المونديال لِدَكِّ تلك الأحياء "غير اللائقة" على الأرض، بغية تنفيذ ما تسميه بـ"برنامج تهيئة مدينة الرباط" الرامي إلى "تعزيز جمالية المدينة بما يتماشى مع المعايير الدولية". 

ويسعى هذا المخطط إلى توسعة كبيرة لشبكات النقل (مشاريع ترامواي وتوسعة الطرق والأزقة وتهيئتها)، وتعزيز السياحة والتجارة من خلال إنشاء فنادق، ومساحات خضراء، وإقامات، وبنايات عالية، ومراكز تجارية عصرية. بالموازاة، أعلن مسؤولو مدينة الدار البيضاء مؤخراً عن خطوات عملية للقضاء النهائي على دور الصفيح في المدينة، تشمل إيواء 60 ألف أسرة قاطنة في "العشوائيات" الصفيحية في مساكن جديدة، ليس - على ما يبدو - من أجل سواد عيونهم، بل من أجل تحسين صورة الدار البيضاء التي ستكون محط أنظار العالم.

انطلقت عمليات الهدم والإفراغ في الرباط في آذار/ مارس الماضي، كجزء من مشروع "تصميم تهيئة المدينة"، الذي شمل أحياء عتيقة بغية توسعة الشوارع، وبناء بنى تحتية جديدة في إطار استعداد العاصمة لاحتضان تظاهرات قارّية (كأس أفريقيا نهاية هذا العام) وعالمية. وفرضت السلطات على السكان أحد خيارين: إما الحصول على شقة في ضواحي بعيدة عن المدينة، وإما القبول بقطعة أرض خارجها مخصصة للبناء.

تجنبت سلطات الرباط تنفيذ قواعد نزع الملكية العامة، لصعوبة إثبات وجود منفعة عامة جليّة، وفي الأساس تحاشياً لدفع تعويضات كبيرة للعقارات، إذ يلزم هذا الإجراء السلطات بضرورة تحديد القيمة السوقية لتلك العقارات عبر اعتماد خبرة قضائية. 

حتى وإن بدت مسوغات تأهيل وإعادة تأهيل هذه الأحياء الشعبية المتمركزة في وسط المدينتين مقنعة لقطاع مهم من المغاربة، كونها ستغير وجه هذه الأماكن نحو الأفضل، لكن ذلك لن يكون إلا على حساب تنازلات يُجبر عليها أغلب المتضررين، إما بالإكراه وإمّا بالامتثال للأمر الواقع. فهذه العملية جاءت - وفق منتقدين - لتمهد الطريق أمام أصحاب رؤوس الأموال ومجموعات عقارية ضخمة، يسيل لعابها لاقتناء أراضٍ في هذه الأحياء المتواجدة ضمن مواقع حيوية واستراتيجية في المدينة. وهذا المعطى ذكرته مصادر صحافية، أفادت بوجود شكوك حول صفقات سرية تمّ عقدها خلال زيارات قام بها مقربون من دوائر القرار السياسي، مع شركات استثمارية من دولة خليجية في منتصف العام الماضي، إذ بيعت هذه العقارات بأسعار مرتفعة تصل إلى 60 ألف درهم (حوالي 6 آلاف دولار) للمتر المربع، في وقت يتم فيه تعويض السكان الأصليين بمبالغ ضئيلة، لا تزيد عن 10 آلاف دولار لمجمل المنزل.

ترحيل "قسري" مقنع؟

يصف بعض الحقوقيين والسياسيين هذه القرارات الحكومية بأنها "ترحيل قسري مقنّع"، إذ يُمارَس الضغط على السكان بإجراءات مفاجئة، وبآليات قانونية مشكوك في مشروعيّتها، ومخالِفةً لنصوص الدستور التي "تكرّس حق السكن وكرامة المواطن". وقد اعتبروا أن الإخلاء المفاجئ "ينتهك حقوق الإنسان الأساسية"، ويستهدف أفقر الفئات من دون أن يضمن لهم سكناً لائقاً.

تبنت احتجاجات السكان المعنيين، جمعيات محلية، مثل "جمعية أولاد المدينة" التي شددت على أنه "لا يمكن ترحيل السكان بسرعة دون تمكينهم من التعويض". في حين رفض ساكنو حي "البحيرة" عرضاً حكومياً اعتبروه "هزيلاً لا يحفظ كرامتهم"، إذ يشمل منح شيك بقيمة 100 ألف درهم (حوالي 10 آلاف دولار)، للبحث عن سكن بديل ضمن برامج الدعم، وطالبوا بدراسات ومساكن بديلة فعليّة.

أعلن مسؤولو مدينة الدار البيضاء مؤخراً عن خطوات عملية للقضاء النهائي على دور الصفيح في المدينة– التي كانت قد أزيلت منها مدن صفيحية هائلة منذ حوالي عشر سنوات - تشمل إيواء 60 ألف أسرة قاطنة في "العشوائيات" الصفيحية التي لا تزال قائمة، وتسكينهم في مساكن جديدة، من أجل تحسين صورة الدار البيضاء، التي ستكون محط أنظار العالم. 

سياسياً، لم يقف الساسة على قلب رجل واحد، إذ انقسم الموقف بين مؤيد للمشروع بشروط، ومندّد بالتعسف. فقد أكد البرلماني إدريس الرازي (التجمع الوطني للأحرار) أن مشروعي تهيئة الرباط والدار البيضاء حظيا بقرارات مسبقة من المجلس الجماعي، وبالتالي يتطلب الأمر تطبيقاً حذراً وبحسب الأصول.

في المقابل، طالب برلمانيون من اليسار (مثل "فيدرالية اليسار الديمقراطي") بوقف الهدم إلى حين إيجاد سكن لائق، وإجراءات تعويض شفافة. كما لاحظوا أن مراحل إعداد "تصميم تهيئة الرباط" تمت في زمن قياسي وسريع (ثلاثة أشهر فقط بدلاً من المدة القانونية وهي 12 شهراً)، ومن دون نشر كامل الوثائق بلغة مفهومة للسكان. كما أنه لم يتم اتباع قواعد نزع الملكية المقررة، إذ "لم يتم سلوك (تطبيق) قاعدة نزع الملكية، لأنه لا توجد منفعة عامة" واضحة لمبررات الإخلاء.

هل هي حقّاً ضحية لمشاريع المونديال؟

تبدو عمليات الهدم والإخلاء مشوبة بالتسرع والضبابية، وعدم إشراك المعنيين للتوصل إلى حلول مرضية لطرفي هذه المسألة (السلطة والمتضررين). وهذا بحد ذاته يجعل هذه الأحياء وساكنيها ضحية بشكل أو بآخر لجرافات مشاريع المونديال، التي وعلى الرغم من أهميتها في تطوير البنى التحتية للبلد وتنميتها، إلا أنها لا تكترث بالجانب الحقوقي والإنساني للمستهدَفين، الذين لم يتركوا وراءهم أنقاض بيوتهم فحسب، بل خسروا انتماءهم إلى فضاء ظل ينتمي إليهم ويَسكنهم...

مقالات من المغرب

للكاتب نفسه