مطاعم بكادر نسائي في اليمن

بعد اندلاع الحرب في 2015، وبسبب الواقع اليمني الجديد المنهك بصعوبات المعيشة، انتقلت النساء بصناعاتهن المنزلية إلى الفضاء العام، فانتشرت محلات نسائية خاصة بتلك الاعمال، ومنها صناعة المنتجات الغذائية. فمن النساء من أسست مشروعها في صناعة حلويات المناسبات، والبيتزا، والكيك، وأنواع المعجنات، وقامت بتوزيعها على البقالات ومحلات المواد الغذائية. ومنهن من استخدمت بعض أصناف الحبوب المحلية في إعداد بعض المخبُوزات، وبيعها لجيرانها.
2025-05-15

عبده منصور المحمودي

استاذ جامعي وشاعر وناقد، اليمن


شارك
حميدة حسن التي قدمت في الصحافة اليمنية حين وفاتها ك"سيدة اعمال"

لم يكن من المألوف في اليمن أن ترى مطعماً بكادرٍ نسائيٍّ متكامل، إذ كان الرجال يحتكرون العمل في هذه المهنة، قبل أن تقتحمها المرأة في السنوات الأخيرة، بفعل عددٍ من العوامل.

كانت دائرة عمل المرأة ضيقة، وحُرمتْ من ممارسة كثيرٍ من الأعمال والأنشطة، ومنها العمل في المطاعم أو انشائها، التي لم تتيسر لها إلا بعد الحرب المندلعة في آذار/مارس 2015.

العادات وتداعيات الحرب

الواقع اليمني الجديد منهكٌ بصعوبات المعيشة، بعد توقّف كثير من مصادر الدخل، وانقطاع مرتبات الموظفين، واستشراء الفقر متعدد الأبعاد، فبلغت نسبة الأفراد الذين يعانون منه 82.7 في المئة، وفقاً لتقرير "قياس الفقر متعدد الأبعاد في اليمن"، الصادر عن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، في شباط/ فبراير 2024.

كان إذاً على أفراد الأسرة اليمنية البحث عن بدائل، بمن فيهم النساء، لا سيما أولئك اللواتي فقدن المعيل، وآلت إليهن مسؤولية توفير نفقات أسرهن. وعلى ما في الظرف المعيشي البائس من دور محوري فاعل في هذا التحوّل، إلّا أن عمل المرأة في المطاعم قد استند إلى بذرته التأسيسية، المتمثّلة في الخبرة المحدودة التي كانت قد اكتسبتْها المرأة اليمنية، من خلال اشتغالها على بعض الأعمال المنزلية ذات الجدوى الربحية، التي كانت تقوم بتسويق منتجاتها في المحيط السكاني الذي تقيم فيه، من مثل، صناعة التحف والهدايا، وصناعة العطور والبخور، وأعمال الخياطة، وصناعة بعض المنتجات الغذائية.

وقد انتقلت النساء بصناعاتهن المنزلية تلك، إلى الفضاء العام، فانتشرت محلات نسائية خاصة بهذه الأعمال، ومنها صناعة المنتجات الغذائية. فمن النساء من أسست مشروعها في صناعة حلويات المناسبات، والبيتزا، والكيك، وأنواع المعجنات، وقامت بتوزيعها على البقالات ومحلات المواد الغذائية. ومنهن من استخدمت بعض أصناف الحبوب المحلية في إعداد بعض المخبُوزات، وبيعها لجيرانها.

وتأتي بعد ذلك خطوة أخرى تمثلت بداية بتزايد عدد النساء العاملات في الأقسام العائلية من مطاعم يديرها الرجال، وانتهت بإقدامهن على إنشاء مشاريعهن الخاصة، المتمثلة في المطاعم ذات الكوادر النسائية، التي يقوم العمل فيها على المرأة وحدها: مالكةً، ومديرةً، وطاهيةً، ونادلة.

تجارب ناجحة

منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل سنوات عشر، توالى ظهور تجارب نسائية ناجحة، من مثل انتشار المخابز النسائية في صنعاء منذ 2016، التي تنتج أشكالاً وأنواعاً متعددة من الكيك، كما تنتج الخُبز المحليّ بأنواعه المختلفة. ولعل من أبرز التجارب النسائية في هذا السياق، تجربة فاطمة الصلوي[1]، التي توقف راتبها، فباعت ما تملكه من حُليّ ومجوهرات، وأنشأت مخبزها الخاص في منطقة "سعوان" في صنعاء.

كذلك هي تجربة "أم عبد الله"[2]، في مدينة الحديدة، التي أنشأتْ مطعمها الخاص في العام 2019، لإعداد الوجبات السريعة، والعصائر، والآيسكريم، وبعض المشروبات الأخرى. ومثلها تجربة الشابتين الجامعيتين "نسرين"، و"فايزة"، في مدينة "تعز"، اللتين تمكنتا من تأسيس مطعمٍ نسائيٍّ[3]، وصل بهما عائدُه المادي إلى استقلالهما المالي، فأضفى عليهما شعوراً بالإنجاز، كما وفّرتا من خلاله فرصَ عملٍ لعددٍ من النساء.

والأمر نفسه، في تجربة "مريم نديم"، السيدة الجامعية الحاصلة على درجة الليسانس في اللغة الفرنسية من كلية الآداب في جامعة تعز. فبعد أن سُدّت أبواب الوظيفة الرسمية في وجهها، واصلت تأهيل نفسها بدراسة تخصص الموارد البشرية، وإدارة الأعمال، واشتركت في عددٍ من الأعمال المجتمعية التطوعية، كما عملت في بعض الأعمال اليدوية، والتجارة الشخصية. ونمت في ذهنها فكرة تأسيس مشروعها الخاص، حتى تمكنت من الظفر به عام 2024، معلنةً عن افتتاح مطعمها العامل بكادر نسائي، في مدينة "المخا"[4].

امتداد تاريخي

في تفاصيل المحكي الشعبي في اليمن ما يحيل على امتدادٍ تاريخي لهذا النوع من المطاعم في اليمن. لا سيما في ما تحتفظ به ذاكرة المعمِّرين من حكاياتٍ عن "المقهويات" وبيوتهن، ذاك النوع الخاص من المنازل، التي كان يتوقف عندها المسافرون بجانب الطريق العام، وفيها تُقدّم لهم الخدمات. ويعمل فيها كادرٌ نسائي، كما يغلب عليها أن تقوم على إدارتها امرأة، تُسمى باسمها.

من أبرز التجارب النسائية التي شاع صيتها، تجربة فاطمة الصلوي. فبعد توقف راتبها، باعت ما تملكه من حُليّ ومجوهرات، وأنشأت مخبزها الخاص في منطقة "سعوان" في صنعاء. كذلك هي تجربة "أم عبد الله"، في مدينة الحديدة، التي أنشأتْ مطعمها الخاص في العام 2019، لإعداد الوجبات السريعة، والعصائر، والآيسكريم، وبعض المشروبات الأخرى. ومثلها تجربة الشابتين الجامعيتين "نسرين"، و"فايزة"، في مدينة "تعز"، اللتين تمكنتا من تأسيس مطعمٍ نسائيٍّ بالكامل. 

استمرت، ولو بعدد محدود، بيوت "المقهويات"، اللواتي حرصن على مواكبة متغيرات التحديث، فعملن على تطوير بيوتهن، والارتقاء بها من منازل عادية إلى مطاعم، مع إنشاء طوابق إضافية بمواصفات غرف فندقية. وتجدر الإشارة إلى أشهر مطعم تاريخي شعبي في اليمن، يُعرف باسم "مطعم وفندق حميدة"، يقع في "شبام كوكبان"، ضمن منطقةٍ مشهورةٍ بعددٍ من المواقع التاريخية والسياحية. وتعود ملكيته إلى "حميدة حسن"، وقد حال اليوم الى بناتها. 

ولم يبدأ هذا النوع من أماكن تقديم خدمات الغذاء في الانحسار، إلّا بعد قيام ثورة 26 أيلول / سبتمبر 1962. وعلى ذلك، ظل حضور المرأة في مهنة تقديم الخدمات الغذائية، مستمرّاً بنماذج متعددة. منها نموذج "بائعات الملوج"، وهو نوع من الخبز يقمن بصناعته في منازلهنّ، ثم يخرجن لبيعه أمام المطاعم الشعبية، وخاصة مطاعم "السلتة"، التي يغلب عليها أن تلاحظ أمام كل مطعمٍ منها امرأة على مصطبة محاذية لمدخله، فاتحة كيس "الملوج" القماشي الكبير أمامها، بائعةً منه بشكل مباشر لمن يرغب في ذلك من زبائن المطعم، قبل دخولهم إليه.

كذلك هي حال بائعات "الفطائر" المصنوعة من حبوب المحاصيل المحلية، كفطائر "الذرة"، و"الدخن"، التي يقمن بصناعتها في منازلهن أيضاً، ثم يقمن ببيعها في بعض الشوارع الداخلية في بعض المدن. من ذلك، ما يظهر في بعض الشوارع الداخلية من مدينة "تعز"، التي تفد إليها هؤلاء النساء من المناطق الريفية، وبوجه خاص من قرى "جبل صبر" جنوب المدينة.

كما استمرت، ولو بعدد محدود، بيوت "المقهويات"، اللواتي حرصن على مواكبة متغيرات التحديث، فعملن على تطوير بيوتهن، والارتقاء بها من منازل عادية إلى مطاعم، مع إنشاء طوابق إضافية بمواصفات غرف فندقية. وتجدر الإشارة إلى أشهر مطعم تاريخي شعبي في اليمن، يُعرف باسم "مطعم وفندق حميدة"، يقع في "شبام كوكبان" من محافظة "المحويت"، ضمن منطقةٍ مشهورةٍ بعددٍ من المواقع التاريخية والسياحية. تعود ملكيته إلى "حميدة حسن"، التي قامت بتأسيسه في مقتبل عمرها، قبل ما يزيد على نصف قرن من الزمن. بدأته مشروعاً صغيراً في منزلها، ثم سعت إلى تطويره، فبنت منزلاً مكوّناً من عدّة طوابق، ليكتمل به مشروعها فندقاً ومطعماً، بطابعهما المحلي المحافظ على تفاصيل الثقافة الشعبية، التي أضفت على المشروع شهرةً واسعة، حتى صار وجهةَ كثيرٍ من الزوار الذين يصلون إلى المدينة، بينهم مثقفون وكُتّاب وإعلاميون. كما كانت تحرص شركات السياحة (حينما كان البلد مقصداً للسواح الأجانب) على أن يكون ضمن أجندة الإقامة لأفواجها.

في تفاصيل المحكي الشعبي في اليمن ما يحيل على امتدادٍ تاريخي لهذا النوع من المطاعم في اليمن. لا سيما في ما تحتفظ به ذاكرة المعمِّرين من حكاياتٍ عن "المقهويات" وبيوتهن، ذاك النوع الخاص من المنازل، التي كان يتوقف عندها المسافرون بجانب الطريق العام، وفيها تُقدّم لهم الخدمات. ويعمل فيها كادرٌ نسائي، كما يغلب عليها أن تقوم على إدارتها امرأة، تُسمى باسمها.

لقد عملت "حميدة حسن" في هذا المشروع، منذ بدايته، بمعية كادرٍ نسائي، التحقت به بناتها حينما كبرن، منهن ابنتها "أروى مسعد حميشان"، التي لم تفرط، هي وأخواتها، في هذا المشروع، وحافظن على استمراريته بعد وفاة أمهن في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، ولا يزال العمل قائماً فيه حتى اللحظة الراهنة.

أُلفةٌ ومذاق مختلف

من أهم السمات التي يتميز بها هذا النوع من المطاعم في اليمن، أن كثيراً منها يهتم بإعداد وتقديم الوجبات اليمنية الشعبية، التي تحظى بإقبال الناس، من مثل "السبايا"، و"السلتة"، و"الفحسة"، و"بنت الصحن"، و"العصيدة"، واللحوم التي تُطهى بطرقٍ تقليدية.

وتضفي طرق الطهي الشعبية على الأطعمة في هذه المطاعم مذاقاً لذيذاً مميزاً. كما يضفي تناول الأطعمة في هذه الأماكن على صاحبه مشاعرَ أُلفةٍ، تعود إلى سياق المكان وتفاصيله، بما في هذه التفاصيل المرأة وحضورها الحيوي والمحوري، سواءٌ العاملات في الطهي، أو النادلات اللواتي يقدمن أصناف المائدة، بطريقةٍ ذات طابعٍ وانطباعٍ منزليّ، اعتاد عليه الناس في بيوتهم. ذلك هو ما احتفظت به ذاكرتي، في موقف مررت به قبل سنوات، حظيت فيه مع مجموعة من الزملاء بتناول وجبة غداء في واحد من هذه المطاعم. لقد أحسسنا بمشاعر ألفةٍ غمرتْنا بها تفاصيل المكان، إذ كانت إحداهُنّ تُعِدّ وجبتنا بإخلاص وإتقان، بينما الأخرى تهرس ما نحتاج إليه من الفلفل الأخضر وتوابعه، وثالثة تقدم المشروبات الغازية إلى الطاولة، وجميعهن بأزياء تقليدية متجذرة في ثقافتنا الشعبية وسائدة في حياتنا اليومية.

***

يتوقّع تقرير "تقييم أثر النزاع في اليمن: مسارات التعافي"، أنه من الممكن، من خلال تشجيع النساء ودعمهنّ حتى يصبحن جزءاً من سوقِ العمل في اليمن، تحقيق نجاحٍ كبيرٍ في إجمالي الناتِج المحلي، قد يصل إلى 12.5 مليار دولار أمريكي تراكمي، بحلول عام 2030، و270 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050.

______________________

  1. - شرف الصوفي، "المخابز النسائية تعيد تنشيط المحاصيل في اليمن"، موقع "المشاهدنت"، 3 نيسان/ أبريل 2022https://almushahid.net/93976/
  2. - مجيبة الشميري، "النساء غرباً"، منصة "هودج"https://www.hodaj.net/posts/lns-grban
  3. - "بيتوتي .. أول مطعم في تعز بإدارة نسائية"، موقع "الرأي الثالث"، 17 ايار/ مايوhttps://alrai3.com/News/11/15769.htm/ar
  4. - "قصة أول مطعم يمني بكادر نسائي"، موقع "كاف بوست"، 20 آب/ أغسطس 2024https://kafpost.com/archives/39527

مقالات من اليمن

الطفولة وثقافة الحرب في اليمن

لعلّ الأثر الأكثر فاعلية في إحلال ثقافة الحرب محل ثقافة الطفولة، هو إسقاطها على واقع الطفولة، من خلال انحسار اهتمام الأطفال بالالعاب الإلكترونية، التي كانوا معتادين عليها، كألعاب للتسلية: "الأنمي"،...

للكاتب نفسه

الطفولة وثقافة الحرب في اليمن

لعلّ الأثر الأكثر فاعلية في إحلال ثقافة الحرب محل ثقافة الطفولة، هو إسقاطها على واقع الطفولة، من خلال انحسار اهتمام الأطفال بالالعاب الإلكترونية، التي كانوا معتادين عليها، كألعاب للتسلية: "الأنمي"،...