إعداد وتحرير: صباح جلّول
أثناء محاولة الاحتلال الحثيثة لطرد سكان حيّ الشيخ جراح عام 2021، وما تلاه من حراك فلسطيني شمل كل المناطق الفلسطينية باختلاف أوضاعها، وقاومت فيه غزّة نصرةً للقدس وسائر البلاد، قرر الفلسطينيون خوض إضراب شاملٍ عام، من القدس المحتلة وأراضي الـ48 وصولاً إلى مخيمات الشتات في لبنان، رفضاً للعدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولة التطهير العرقي في حي الشيخ جراح، والانتهاكات المتكررة في المسجد الأقصى، وبدعوة من مختلف القوى الفلسطينية والمناضلة.
كان الإضراب يوم الثامن عشر من أيار/ مايو 2021، والذي سُمّي "إضراب الكرامة"، محطةً أساسية في الحراك الفلسطيني الموحَّد ضدّ الاحتلال، وناجحاً إلى حد بعيد، شارك فيه حتى موظفو القطاع العام، فأقفلت المدارس والجامعات والمحاكم والمصارف والنقابات، وشُلّت وسائل النقل العام.

في أراضي الداخل الفلسطيني المحتلة، حضر 110 عمال فلسطينيين عبر المعابر الإسرائيلية للعمل في ورش البناء، من أصل 65 ألف عامل فلسطيني، حسب اعتراف الإسرائيليين. 99 في المئة من العمال أضربوا عن "إسرائيل" بما فيها... وبدا كأنه، ليومٍ واحدٍ فقط، أوقِفتْ المستعمَرة عن عمرانها وتوسّعها.
تلك هي قدرة وقوة الطبقة العاملة الفلسطينية، وهي فكرة ما إن تُدرَك لا ينبغي أن تُترَك. أمّا اليوم، فبتنا في مكانٍ آخر، في قلب المقتلة...
الأكيد أن مطالب العمال العرب والفلسطينيين لم تكن يوماً بعيدة عن نضال التحرير التاريخي. لم يكن "إضراب الكرامة" أول تلك التحركات ولن يكون آخرها. ومن الواجب في يوم العمال العالمي استعادة أثر هذا النضال، تأكيداً على محوريته في سياق المشروع التحرري الوطني الفلسطيني. وقد كان أول غيثه إضراب العام 1936، رفضاً للمشروع الاستيطاني الصهيوني والحكم الاستعماري البريطاني في فلسطين، وهو ما يوصف بأطول إضرابٍ في التاريخ الحديث.
ذكرى الانتفاضة الأولى: الحجارة والجسد في وجه الآلة العسكرية
11-12-2020
أرشيف الانتفاضة حيّ على إنستاغرام
08-10-2020
الوثيقة التالية عبارة عن قصاصة من ملاحظات أحد الفلسطينيين من نابلس، يدعى عادل الزواتي، وكان يعمل سكرتيراً للمفوض السامي البريطاني، وكان دائماً ما يكتب ملاحظاته عن الاضراب والاحداث المتسارعة في فلسطين في تلك الحقبة المهمة. يُوثِّق في ملاحظاته عن إضراب الفلاحين أنهم أضربوا "حتى عن جني ثمارهم.. تصوّر!" وعن المخاتير يقول: "سلّموا أختامهم" و"اعتبروا أنهم مستقيلون احتجاجاً على تعسف السلطات".

فبعد إضراب عام سوري أفضى إلى حصول السوريين على وعود من فرنسا الانتدابية بالتفاوض على استقلال البلاد، حذا الفلسطينيون حذو إخوتهم السوريين، وأعلنوا إضراباً امتد من 19 نيسان/ ابريل حتى 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1936.
فلسطين: خذلان قديم.. جديد
01-02-2024
شكّل ذلك الإضراب تمهيداً للثورة العربية في فلسطين، التي عُرفت بـ"الثورة الكبرى"، وطالبت بإيقاف الهجرة الصهيونية، وبيع الأراضي، ونقل ملكيتها إلى أشخاص وجمعيات يهودية صهيونية (وقد كانت "جمعية الاستيطان اليهودية" قد أنشئت وصارت أهدافها جليّة في تلك الفترة)، بالإضافة إلى مطلبهم بإقامة حكومة وطنية ديمقراطية مستقلة.
كان عادل الزواتي يعمل سكرتيراً للمفوض السامي البريطاني، وكان دائماً ما يكتب ملاحظاته عن الاضراب، والاحداث المتسارعة في فلسطين في تلك الحقبة المهمة. يُوثِّق في ملاحظاته عن إضراب الفلاحين أنهم أضربوا "حتى عن جني ثمارهم.. تصوّر!" وعن المخاتير يقول: "سلّموا أختامهم" و"اعتبروا أنهم مستقيلون احتجاجاً على تعسف السلطات".
سارعت اللجان الوطنية العربية المحلية، في كل من نابلس ويافا، بالدعوة إلى الإضراب، مدعومين من عمال موانئ يافا وحيفا والتجار وغيرهم. في الشهر التالي، أي في أيار/مايو 1936، أعلن الفلسطينيون العصيان المدني، عبر الامتناع عن دفع الضرائب للحكومة الانتدابية، ثم انطلقت مقاومة مسلحة في الأرياف، استشرس إثرها البريطانيون في قمعهم، فجندوا الصهاينة المسلحين والشرطة الاستعمارية محاوِلين سحق التمرد، بالتوازي مع إعلان بريطانيا الأحكام العرفية.

قتل البريطانيون والصهاينة في المحصلة ما يزيد عن 5000 فلسطيني، وجُرح عشرات الالاف، بينما اعتقلت السلطات الآلاف وشردت مئات العائلات. كانت تلك المرحلة مقدمة لإيقاف الإضراب وكبح جماح الثورة الكبرى. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1936، توقف الإضراب بالفعل، بعد تدخلات عدة ومفاوضات سياسية (بين الحاج أمين الحسيني ودول عربية والبريطانيين)، أفضت إلى وعود بريطانية كاذبة، قَدَّمت للفلسطينيين أوهاماً بخصوص إيقاف حركة الاستيطان الصهيونية ومناقشة موضوع إقامة دولة فلسطينية.
تمّ "تنفيس" إضراب العمال الفلسطينيين، لكنّ مقاومة الفلاحين، وأهالي القرى بشكل خاص، استمرت حتى عام 1939، وكانت مقدمة لمقاومات لاحقة - مقاومات لن تنتهي...