مع اقتراب العد التنازلي للانتخابات التشريعية، تتسارع “حرب التسريبات الصوتية” بين القوى السياسية، في مشهد يكشف عن تنامي الصراع، ومحاولات مبكرة لإعادة ترتيب موازين القوى داخل الساحة السياسية، وسط أجواء من الشك والاتهامات المتبادلة، وإعادة إنتاج للأزمات القديمة بلون جديد.
ووجد زعيم تحالف “السيادة” خميس الخنجر، نفسه في قلب أزمة سياسية، بعد تسريب تسجيل صوتي منسوب إليه يتضمن انتقادات لاذعة للقوى السياسية الشيعية ومؤسسات الدولة تتضمن عبارات طائفية، وبالرغم من نفيه القاطع لصحة التسجيل واعتباره “مفبركا”، إلا أن الجدل تزايد مع إعلان عدد من النواب رفع دعاوى قضائية ضده بتهم تتعلق بـ”التحريض على الكراهية والإساءة لمؤسسات الدولة”.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي، رمضان البدران، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التسريب الصوتي الأخير للسياسي خميس الخنجر، كشف عن بعدين مهمين في المشهد السياسي العراقي، أولهما أن التصريحات التي وردت في التسريب تعكس شعورا سائدا لدى بعض الكتل السنة بأن النظام السياسي الحالي يعاني من هيمنة واضحة للقوى السياسية الشيعية، وهو أمر متفق عليه إلى حد بعيد حتى من أطراف شيعية، وهذا البعد لا يحتاج إلى كثير من التوضيح، إذ أصبح من الحقائق الراسخة في المشهد العراقي”.
ويضيف البدران، أن “البعد الثاني، هو أن التصريح، لو استبعدت منه المفردات الانفعالية وغير الدبلوماسية، يستحق التوقف عنده لفهم طبيعة شعور المكون السني والأقليات العراقية تجاه الوضع السياسي القائم، الذي تهيمن عليه قوى سياسية تدعي تمثيل المكون الشيعي، دون أن تكون بالضرورة معبرة عن تطلعاته الحقيقية”.
يذكر أن التسريب الصوتي المنسوب للخنجر، أثار جدلا وسط دعوات لإحالته إلى القضاء ومحاسبته على ما ورد فيه، رغم نفيه القاطع للتسجيل، إلا أن بعض الجهات المختصة بالتقنية أكدت أن صحيح وغير مولد بالذكاء الاصطناعي.
يشار إلى أن أواخر العام الماضي، تناقلت وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تسريبا صوتيا نسب لكبير مستشاري رئيس الوزراء عبد الكريم فيصل، وهو يتحدث عن تسلمه رشوة، وجاء في التسجيل المنسوب للفيصل حديث عن فرصة استثمارية يقوم الأخير بعرضها على السوداني، إلا أن هذا التسجيل لم يتم التأكد من صحته.
الهيئات والأحزاب الإسلامية تسرق العراق
23-06-2020
ونشرت وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي سابقا مقاطع صوتية نسبت إلى مسؤولين كبار، بعضها كانت ملفقة وأخرى ثبتت صحتها، منها للمدير العام لهيئة الضرائب علي علاوي، وفيما وجه رئيس الوزراء بفتح تحقيق بالتسجيل والتأكد من صحته، أصدرت وزيرة المالية قرارا بإقالة علاوي من إدارة الهيئة العامة للضرائب.
وفي السياق ذاته، يؤكد المحلل السياسي حسن العامري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تصاعد نشر الفضائح السياسية وتعالي الخطابات الطائفية والفئوية أصبح وسيلة لضمان الفوز بالانتخابات في العراق”.
ويردف العامري، أن “هذه الظاهرة تندرج ضمن محاولات إفشال التجربة الديمقراطية”، مبينا أن “إفشال التجربة الديمقراطية تتأتى من أصحاب المصالح من الراغبين بالتسلق نحو المناصب والباحثين عن الجاه والمال، وهؤلاء غالبا ما يستطيعون حل طلاسم الفوز، فيما يتراجع العالم العارف والذي يتقدم بدوافع وطنية وخدمة المجتمع والبلد”.
ويلفت إلى أن “هناك من يستخدم الأموال الخارجية والدعم الخارجي من خلال الوعود بتحقيق مصالح خارجية على حساب البلد، في مائه وأرضه وسمائه، ووحدة أراضيه واستقراره”، موضحا أن “هذا ما يفسر تصاعد الاحتقان الطائفي، ونشر الفضائح، واعتماد الخطابات الفئوية والعنصرية والمناطقية”.
كما تم تداول تسريبات منسوبة لرئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، على نطاق واسع، في قصة مدوية خلال العام 2022، تحدث فيها عن مسائل حساسة، وشن خلالها هجوما لاذعا على زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، كما هدد بتسليح فصائل لحماية النجف من أي “هجوم” للصدر، ناهيك عن انتقاده فصائل من الحشد.
وأطاحت تسريبات خاصة برئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، به من منصبه، بعد انتشار مقطع صوتي، كان عبارة عن اتصال هاتفي يتحدث فيه عن رشى وعن قطعة أرض بنى عليها بيته، وقد أعلن الادعاء العام طلب التحقيق بخصوص التسجيلات، ثم قرر القضاء اتخاذ الإجراءات القانونية بحق حنون بتهم عدة، بينها الإساءة إلى القضاء.
إلى ذلك، يبين رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، مناف الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التسريبات الصوتية الأخيرة، سواء المنسوبة لخميس الخنجر أو السابقة المتعلقة بنوري المالكي، تدخل ضمن إطار الحرب الانتخابية المبكرة، ومحاولات استمالة الناخب العراقي عبر الخطاب الطائفي، على الرغم من تغير وعي الشارع، مقارنة بالسنوات الماضية”.
دولة اللصوص
04-12-2022
ويوضح الموسوي، أن “التوقيت يلعب دورا محوريا في قراءة هذه التسريبات، إذ لا يعرف ما إذا كان التسجيل المسرب جديدا أم قديما وأعيد ضخه عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على الناخبين”، مشيرا إلى أن “هذه الأساليب لم تعد تحقق نفس التأثير الذي كانت تتركه في سنوات سابقة، وتحديدا في 2005- 2008، حين كانت البلاد تعيش أجواء من الحروب الطائفية والقتل على الهوية”.
وينوه إلى أن “الوضع السياسي الحالي، وبعد قرار الصدر بعدم المشاركة في الانتخابات وارتفاع نسبة العازفين، يضع الكتل السياسية تحت ضغط كبير، مما يدفع بعض الأطراف لصناعة أزمات طائفية أو سياسية سعيا لتأجيل الانتخابات أو جذب الناخبين”.
وشهد العام الماضي، الكشف عن فضيحة شبكة تجسس وابتزاز في مكتب رئيس الوزراء، وأُلقي القبض على عدد من أفرادها وهم موظفون كبار في مكتب رئيس الوزراء على رأسهم، محمد جوحي، الذي صدر بحقه حكم قضائي مؤخرا.