إعداد وتحرير: صباح جلّول
خلال الاحتفال بالذكرى الخمسين بتأسيس شركة "مايكروسوفت"، قامت إحدى مهندسات البرمجة في الشركة، الشابة المغربية ابتهال أبو السعد، بمقاطعة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في الشركة، مصطفى سليمان، أثناء إلقائه لكلمة يستعرض فيها إنجازات الشركة في هذا المجال.
"عارٌ عليك"، صرخت ابتهال، متّهِمة سليمان وشركة "مايكروسوفت" بالمشاركة بشكل مباشر في صنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة. طالبت المدير التنفيذي للقسم: "توقف عن دعم الإبادة يا مصطفى"، ووجهت الاتهام له أمام الحضور: "يداكَ ملطختان بالدم! يد مايكروسوفت ملطخة بالدم"، "أنتم تجّار حروب"، قبل أن يتدخل الأمن ليخرجها من قاعة الحفل، فيما تُردِّد "كيف بوسعكم الاحتفال بينما يُقتَل الناس؟"...
في مقابلات لاحقة، تكلمت ابتهال عن سبب مهاجمتها للشركة التي تعمل بها، فاتهمت إدارة "مايكروسوفت" بدعم الجرائم الإسرائيلية عبر تزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بأحدث تقنيات وخدمات الذكاء الاصطناعي (ومنها Azure)، التي تستخدم بكثافة في تنفيذ جرائم الإبادة. تتهم ابتهال الشركة ببيع "أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي لقتل ما يزيد عن 50 ألف إنسان".
في مقابلة قصيرة مع الوكالة الإسبانية Agencia EFE، سُئلت أبو السعد عن مخاوفها من التضييق عليها والملاحقة بسبب موقفها، وكان جوابها: "قد يلاحقونني بسبب ما قلته، لكن خوفي من انتقامهم لا يُقارَن حتى برُعبي مِن المساهمة في تقنيات تُستخدم لقصف الأبرياء"! تقول أن ما يقلقها حقاً هو تواطؤ مايكروسوفت في هذه الإبادة الجماعية، وخوفها الأكبر من فكرة أن تُستخدم أي شيفرة تقوم بكتابتها في القصف والمراقبة واستهداف الأبرياء وقتل الأطفال في اليوم التالي...
انتشر فيديو أبو السعد على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط سيل من عبارات الافتخار والدعم لموقفها، فيما تظاهر آلاف المغربيين في شوارع الرباط تضامناً مع غزّة ودعماً لابنتهم ابتهال، التي فُصلت بالفعل من عملها في الشركة.
في الفيديو أعلاه تشارك ابتهال طلبها من الراغبين بدعمها، بعد طردها من عملها، المساهمة في ذلك عبر طريقتين: أولاً، مقاطعة شراء جميع منتجات "مايكروسوفت" لتكبيدها خسائر مقابل مشاركتها في الإبادة ولا-إنسانية تقنياتها. وثانياً، عبر المشاركة في محاسبة شركاتهم والمؤسسات التي يتعاونون معها إذا سلكت طرقاً داعمة للاحتلال، وفضح ممارسات هذه الشركات المتربّحة من دماء الفلسطينيين.
***
في هذه الأثناء، وعلى محورٍ آخر، كانت سلطات ميناء طنجة في المغرب تفتح مجالها لتمرير شحنات عسكرية إلى الاحتلال الإسرائيلي، عبر شركة "ميرسك" الدنماركية، فتشحن معدات طائرات إف-35 التي تُغذِّي مجازر إسرائيل المُكثَّفة وحصارها لغزة.
كشفت صفحة المجموعة الناشطة "أسقِطوا القناع عن ميرسك"[1] على انستغرام الأسبوع الماضي أن الشركة تنقل قطع الطائرات المقاتلة من مصنعٍ تابع لسلاح الجو الأميركي، تديره شركة "لوكهيد مارتن" في تكساس، وتوصله إلى ميناء حيفا، إلى قاعدة "نيفاتيم" الجوية، التي تنطلق منها الطائرات لقصف غزة. تمرّ الشحنة على الطريق بعدة موانئ أميركية، قبل أن تقطع الأطلسي وصولاً إلى طنجة في المغرب في 20 نيسان/أبريل الحالي، ثم إلى مرسين في تركيا، فحيفا... بكل سلاسة!

علّق المناضل الفلسطيني محمد الكرد على هذه الخطوة قائلاً إن ذلك "خيار سياسي خطير يحوّل البنية التحتية الوطنية في المغرب إلى جسر لإبادة الشعب الفلسطيني"، وناشد "الشعب المغربي الشريف أن يرفض هذه الشراكة في سفك الدم".
تذكر مجموعة الناشطين ضد الشركة الشريكة في الإبادة، أن مقاتلات إف-35 تستخدم قنابل الألفي رطل أمريكية الصنع في غزة. هذه الصواريخ "قادرة على إحداث دائرة قاتلة تعادل 58 ملعب كرة قدم، وهي ما استخدمه الاحتلال في خان يونس حيث أسقط ثلاث قنابل على ما أسماه "المنطقة الآمنة"، فقتل 90 فلسطينياً، منهم الكثير من الأطفال"، تقول الصفحة. وهي ما استُخدِم أيضاً لتدمير الضفة الغربية المحتلة وارتكاب المجازر الوحشية في مخيم جنين.
وتدعو المجموعة بالتالي للتجمع أمام الموانئ الأميركية التي تنطلق منها الشحنات في 10 و12 نيسان/أبريل الجاري، ومحاولة منعها من متابعة طريقها: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما تُنتَج هذه الآلات وتُشحن لتطهير فلسطين عرقياً".
***
يعيدنا هذان الحدثان من جديد إلى السؤال الذي لا يغيب أبداً حول مسؤولياتنا، فرادى وجماعات، أمام حدث الإبادة الرهيب والمستمر، والصمت المدوّي الذي يحيط به على الرغم من آلالف المظاهرات والإضرابات والدعوات والصور والرموز على وسائل التواصل، التي لم تفلح - بحسن نيتها وقلة حيلتها وحدّة لهجاتها وتنوع أنشطتها و"أضعف إيمانها" – في تحقيق الهدف الوحيد والأهم منها: إيقاف الإبادة وتدفيع الاحتلال ثمن جرائمه.
غرنيكا غزة
27-03-2025
"عبئكم ثقيل، سأحمله معكم"..
16-01-2025
واقع الحال هذا الذي استمر لأكثر من عام ونصف كاد يتحوّل عُذراً لعدم فعل أيّ شيء، وهو ما لا ينبغي أن يحدث أبداً. بل إن موقف ابتهال أبو السعد - وهو فعلاً أضعف الإيمان من العاملين في شركة ضخمة بأجور مرتفعة في عالم التكنولوجيا المسانِدة للاحتلال - يجب أن يكون مشجِّعاً للمزيد من إعلاء الصوت بلا تردد، وإن بشكل فردي. كما تسلط التحركات الجماعية المحدودة، والمتروكة وحيدة أمام كبرى شركات النقل والتزويد، الضوء على مساراتٍ مقاوِمة قد تتحقق جدواها بتكرارها وتكثيفها، بحيث تقطع الطريق (أو على الأقل تؤخر وتعرقل) على تزويد الاحتلال بالمعدات والتقنيات، التي هي أدواته التي لا غنى له عنها لارتكاب إجرامه.
هذه مسؤوليتنا. أن نسأل أنفسنا كلّ يوم من مواقعنا المختلفة: من نُقاطع، أين نحتجّ، مع من نعمل، أين نُعلي الصوت، متى نعرقل، من ندعم، وكيف نقاوم... حتى لا نكون شركاء أو متفرجين!
لنتذكّر: هذه مسؤولية كل واحد وواحدة منّا!
- Mask Off Maersk Campaign: https://www.instagram.com/maskoff_maersk/ ↑