كيف بحث زياد عيتاني عن العدالة في ظلمة اللاعدالة

صدر أخيراً قرار قضائي عن مجلس شورى الدولة يثبّت مسؤولية الدولة اللبنانية عن المظلمة التي تعرّض لها الممثل المسرحي زياد عيتاني في العام 2018. هذه القضية انطبعت في وجدان العديد من اللبنانيين الذين شعروا أنّه من الممكن أن يكون أيّ منهم زياد عيتاني. فهي شكّلت أبرز مثال على الخلل الجسيم في النظام اللبناني، وبخاصّة في العمل القضائي والأمني والإعلامي.
2025-03-13

شارك

عن موقع المفكرة القانونية، غيدة فرنجية. نشر بتاريخ  12-03-2025

كلمة المفكرة القانونية في المؤتمر الصحافي المنعقد في 12 آذار 2025 حول قرار مجلس شورى الدولة الذي يثبّت مسؤولية الدولة عن المظلمة التي تعرّض لها الممثل المسرحي زياد عيتاني في العام 2018، بعد تلفيق تهمة العمالة مع العدو الإسرائيلي له. 

نلتقي اليوم للإعلان عن صدور قرار قضائي عن مجلس شورى الدولة يثبّت مسؤولية الدولة اللبنانية عن المظلمة التي تعرّض لها الممثل المسرحي زياد عيتاني في العام 2018. هذه القضية انطبعت في وجدان العديد من اللبنانيين الذين شعروا أنّه من الممكن أن يكون أيّ منهم زياد عيتاني. فهي شكّلت أبرز مثال على الخلل الجسيم في النظام اللبناني وبخاصّة في العمل القضائي والأمني والإعلامي.

القرار هو نتيجة مسار طويل خاضه زياد على مدى سبع سنوات بهدف التمسّك بحقّه في العدالة ومحاسبة المسؤولين، وإعادة بناء حياته بعد كلّ ما تعرّض له من أضرار، وأيضًا بهدف ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات مع أي شخص آخر. 

تخلّلت هذا المسار العديد من العقبات التي أصرّ زياد على تجاوزها عند كلّ محطة. فأصبحت قضيّته رمزًا عن الظلم الذي يمكن أن ينتج عن منظومة العدالة، وأيضًا عن العوائق الهائلة التي يضطرّ الضحايا لمواجهتها لرد اعتبارهم والحصول على تعويض.

صحيح أنّ المظلمة توقفت حين استعاد زياد حرّيته بعد احتجازه لأكثر من 100 يوم تعرّض خلالها للتعذيب والمسّ بحقوقه بالدفاع، ولكن الدولة لم تعترف لغاية اليوم بشكل رسمي بالخلل الحاصل في سير المرافق العامة المؤتمنة على حياتنا وحريتنا. فبالرغم من منع المحاكمة عن زياد وإدانة محكمة التمييز العسكرية المسؤولين عن جريمة تلفيق تهمة التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي له، وبالرغم من الاعتذار العلني الذي صدر عن رئيس الحكومة حينها، إلّا أنّ مؤسسات الدولة لم تعترف رسميًا لغاية اليوم بأنّ زياد عيتاني كان ضحية مجموعة من الأخطاء المرفقية، ولم تأخذ أي إجراء بهدف معالجة هذه الأخطاء، إنْ على المستوى الفردي تجاه زياد أو على المستوى العام تجاه جميع المواطنين. 

ومن أبرز أخطاء الدولة التي اضطرّ زياد أن يواجهها لضمان حقوقه، يهمنا أن نذكر اثنين:

  1. على صعيد حظر التعذيب

لم تتخذ الدولة الإجراءات الكافية لحماية زياد من التعذيب ولمحاسبة مرتكبي التعذيب بعد اكتشافه: 

  • بالرغم من إبلاغ زياد السلطات القضائية بتعرّضه للتعذيب الجسدي والمعنوي خلال التحقيق معه، لم يدّع القضاء العسكري على أيّ من عناصر أمن الدولة المشتبه في ارتكابهم أعمال التعذيب.
  • واجه زياد هذه العقبة، وأصرّ على تقديم شكوى رسمية بالتعذيب، ولكن أحيلت هذه الشكوى إلى القضاء العسكري مجددًا.
  • واجه زياد هذه العقبة، وأصرّ على صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق في شكوى التعذيب على اعتبار أنّ القضاء العسكري لا يشكّل مرجعًا قضائيًّا مستقلًّا وحياديًّا، ويحرم الضحايا من المشاركة في مسار التحقيق والمحاكمة. 
  • وبالفعل، نجح زياد بتسجيل سابقة قانونية مهمّة يمكن لأيّ ضحية تعذيب أن تستند إليها للمطالبة بإخراج قضايا التعذيب من صلاحية القضاء العسكري.
  • في المقابل، تمّت المماطلة في متابعة هذه الشكوى وصولًا إلى حفظها من قبل القضاء العدلي من دون أي ادّعاء أو تفسير. 
  • واجه زياد وطلب التوّسع في التحقيق، ولكن رُفض طلبه.
  • بالتالي، لم يتم التحقيق بشكل جدّي في التعذيب الذي تعرّض له زياد، ولم يتم مباشرة التحقيق بالسرعة المطلوبة أو المحافظة على الأدلة كما يفرضه قانون معاقبة التعذيب رقم 65/2017.
  • ولم تكتف الدولة بحماية العناصر من المحاسبة والعقاب، بل على العكس قامت بمكافأة بعضهم من خلال إصدار مرسوم بترقيتهم.
  • واجه زياد هذه العقبة، وطعن بمرسوم ترقية أحد الضباط. مجلس شورى الدولة رفض الطعن لاعتباره أنّ المواطن ليس لديه صفة أن يتدخل في علاقة الدولة وموظفيها، إلّا أنّه حفظ حق زياد بالمطالبة بالتعويض عن مسؤولية الدولة عن أخطاء هؤلاء العناصر.
  • وهو تمامًا ما قام به زياد من خلال رفع دعوى في العام 2020 للمطالبة بإقرار مسؤولية الدولة عن الضرر يلي تعرّض له وبمنحه تعويض مالي، وهذه الدعوى التي أدّت إلى صدور القرار الذي نعلن عنه اليوم.
  1. على صعيد احترام قرينة البراءة

لم تتخذ الدولة أي إجراءات لمنع أو محاسبة المسّ بقرينة البراءة في قضية زياد، بالرغم من أنهّا حق دستوري لكل من يشتبه في ارتكابه جريمة

  • انتهاك قرينة براءة بدأ من نشر مديرية أمن الدولة بيانات تحسم فيها ثبوت تهمة التعامل، مرورًا بتسريب مضمون التحقيق وقراءة المحاضر علنًا على المحطات التلفزيونية في وقت كان لا يزال التحقيق مع زياد مستمرًا، وصولًا إلى تسريب فيديو مصوّر للتحقيقات.
  • وهذا الانتهاك أدّى إلى محاكمة زياد وإدانته في الإعلام وفي الشارع من دون أن يكون لديه القدرة أن يدافع عن نفسه أو يتواصل مع أحد بما أنّه كان معزولًا وفي الحبس الانفرادي.
  • واجه زياد هذه العقبات، قدّم شكوى وطلب التحقيق في هذه التسريبات ولكن لم يتمّ الادّعاء على أحد.

هذا المسار الطويل والصعب الذي خاضه زياد ترافق مع حملات مستمرة ضدّه للتشكيك في مصداقيته والتضييق عليه بسبب كشفه عن التعذيب والانتهاكات، وحتّى الادعاء عليه في أكثر من قضية. 

والدولة تركته لوحده في مواجهة كل هذه العقبات، واليوم أقرّت بمسؤوليتها عن معظم هذه الأخطاء من خلال القرار الأخير الصادر عن مجلس شورى الدولة.

مقالات من لبنان

لبنان: من هو الوطني اليوم؟

الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...