"بأمّ عيني": صوَر "جوس دراي" في المتحف الفلسطيني

تقول "جوس دراي": "أول ما أقوله هو أنني مقاوِمة. ليس فقط مع الشعب الفلسطيني، لكن في كلّ عمل أقوم به خارج فلسطين كذلك. هو عمل يُوثِّق مقاومة الناس، والأشخاص المنبوذين، والذين يناضلون لاستعادة كرامتهم. بالنسبة لي، رمز هذا النضال هو الشعب الفلسطيني، لذلك ذهبتُ لتصوير مقاومتهم هم. أنا مناضِلة، وقد ذهبت إليهم لتصوير مقاومتهم هُم". "لستُ مصوِّرة حربية، لأنها حرب استعمار. الإسرائيليون أقاموا حرباً على الفلسطينيين، والفلسطينيون يقاوِمون... لذلك فأنا لا أطيق عبارة "الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
2025-03-13

شارك
مظاهرة للأطفال في شوارع قرية المزرعة الشرقية في رام الله، عام 1988. (الأرشيف الرقمي للمتحف الفلسطيني، مجموعة المصوِّرة "جوس دراي").
إعداد وتحرير: صباح جلّول
صورة تُقدِّم المعرض، من صفحة "المتحف الفلسطيني" تَظهر فيها عائلات مهجرَّة. الصورة التي التقطتها المصوِّرة "جوس دراي" في سياق آخر، تبدو للوهلة الأولى كأنها التُقطت في غزّة مؤخراً.

تصف المصوّرة الفوتوغرافية الفرنسية "جوس دراي" (72 عاماً) نفسها بـ"المصوِّرة المقاوِمة". كرّست مسيرتها المهنية والفنية منذ عام 1987 لرواية "القصص اليومية عن مقاومة الشعب الفلسطيني"، كما جاء في وصفها على موقع المتحف الفلسطيني. غطّت الانتفاضة الأولى والثانية، ومجزرة صبرا وشاتيلا، والفترة اللاحقة ل"اتفاق أوسلو"، كما رصدت الحياة اليومية ومقاومات مخيمات اللجوء في فلسطين، من جباليا إلى قلنديا والدهيشة وجنين، وفي مخيمات لبنان.

من أرشيفها التوثيقي الغنيّ، يعرض "المتحف الفلسطيني" في بيرزيت مجموعةُ مختارة من صورها الفوتوغرافية، ابتداء من 11 آذار/مارس 2025، واصفاً إياها بـ"الأرشيف الحيّ لعلاقة متداخلة ما بين الماضي والحاضر، نعيد به فهم الماضي وتصوّر المستقبل". يأتي هذا المعرض في وقتٍ يزيد الاحتلال الإسرائيلي فيه من تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض، وبالتوازي مع اجتياحات يومية للقرى والمدن والمخيمات، وإغلاقات طرقات وعرقلة الحركة بشكل متعمد، ما دفع المتحف إلى الامتناع عن تنظيم افتتاح رسمي، والاستعاضة عن ذلك بدعوة مفتوحة للقادرين على حضوره في أي وقت من الأوقات.

أمهات أسرى فلسطينيين يعتصمن خارج مكتب ل"مفوضية الصليب الأحمر" في القدس عام 1987.

في تقديم المتحف الفلسطيني لهذا المعرض، يستعرض معنى الصورة وتوثيقها في الواقع الفلسطيني. فالصورة التي لم تكن دائماً متاحة في أكثر لحظات الفلسطيني قسوة، خلال، نزوحه، أو نكبته، أو مجابهته للاقتحام وخطر الموت والأسر، بقيت من الأدوات المهمة جداً في حفظ واقعه وتاريخه. والصورة، عندما تتاح للفلسطينيين، فإنها تبقى عرضةً للسلب والتحوير والنهب والحرق. ما لم يُوثَّق من النكبة والأحداث الكبرى، إلا من خلال قصص الناس وشهاداتهم، وحفنة مما وصل من الصور، رأينا أدلته عياناً في إبادة غزة وحضور الصورة والصوت، بأكثر الأشكال رعباً، فيها، حتى قيل أنها "أول إبادةِ مصورة بشكلٍ حيّ في التاريخ".

يقول تقديم المتحف للمعرض: "لكننا كفلسطينيين، نرى الأمر بشكل مختلف: ما يحدث اليوم حدث من قبل. ما نشهده الآن من خلال عدسة الكاميرا ليس سوى تكرار لماضٍ ظل غامضاً - باستثناء شهادات متناثرة بدت في يوم من الأيام شبه غير واقعية (...) ومع ذلك، ففلسطين ليست نصاً مأساوياً واحداً. إنها سلسلة متصلة من القصص الفردية والجماعية المتشابكة - منسوجة من المقاومة، من المعاناة، من حياة مريرة وملهِمة في آن واحد. هذا هو الجوهر الذي تلتقطه هذه الصور".

يضيع، إذاً، التسلسل الزمني الثابت في استعراض صور "قديمة" لأحداث خلت (أو هي مستمرِّة) في فلسطين وعن ناسها. ما حدثَ ما زال يحدث، أو أن أثره ما زال قائماً بأشكالٍ مختلفة.

أطفال يتابعون مسرحية في "مسرح الحكواتي" في القدس، عام 1987.
مجموعة من "مسرح الحكواتي" في القدس تتقدم صورة للرسام ناجي العلي، عام 1987.

في حديثها مع المتحف الفلسطيني، يستهلّ مُحاوِرها الكاتب سليم البيك المقابلة بالسؤال عن وصف "جوس دراي" لنفسها بـ"المصوِّرة المقاوِمة": "إنها المرة الأولى التي أسمع فيها بعبارة "مصوِّرة مقاوِمة". أعرف أن هناك من يُصنَّف "مصوِّر حرب"، فما الفرق بين العبارتين؟ (...)" . تجيبه دراي: "أول ما أقوله هو أنني مقاوِمة. ليس فقط مع الشعب الفلسطيني، لكن في كلّ عمل أقوم به خارج فلسطين كذلك. هو عمل يوثق مقاومة الناس والأشخاص المنبوذين واللذين يناضلون لاستعادة كرامتهم. بالنسبة لي، رمز هذا النضال هو الشعب الفلسطيني، لذلك ذهبتُ لتصوير مقاومتهم هم. أنا مناضِلة، وقد ذهبت إليهم لتصوير مقاومتهم هُم". 

توضح جوس دراي أن النضال بالنسبة لها مبدأ عام، يدخل في تفاصيل كل شيء. لا تدّعي، من موقعها كمصورة آتية من بلاد بعيدة إلى فلسطين، أنها مِن هنا، أو أن نضالها هو نضالهم، أو أنها في نفس مكانتهم أمام المستعمِر، لكنها تبيّن أنها تشترك مع هذا الشعب بمبدأ مقاومة الظلم الذي صاروا رمزاً له، فتختار أن تصورهم وأن تُعلي صوت سرديتهم في وجه المحو المستمر.

تتابع شارِحة، "أنا لست مصوِّرة حربية لأنها ليست حرباً ]بهذا المعنى[. إنها حرب استعمار. الإسرائيليون أقاموا حرباً على الفلسطينيين، والفلسطينيون يقاومون... ليست حرباً بين جيشين. لذلك فأنا لا أطيق عبارة "الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني". ليس "صراعاً"، إنها حرب استعمارية تشنها إسرائيل على شعبٍ تريد الاستيلاء على أراضيه، منذ النكبة وما قبلها حتى". لا يبدو أن المصوِّرة مهتمّة بوضع تعريف لعبارة "مصوِّرة مقاوِمة" بحيث تصير تعبيراً عن نمط أو ممارسة فنية مؤطَرة بأسلوب ما، لكنها تركّز في جوابها على الكلمة المحورية: المقاومة. بالنسبة لها، مقاومة الاضطهاد عملٌ مبدأي يمتدّ إلى كلّ جوانب الحياة، بما فيها ممارستها للتصوير الفوتوغرافي.

قوات الاحتلال الإسرائيلي تلقي القبض على شاب عند بوابة دمشق في القدس القديمة، عام 1987.
سوق البلدة القديمة في الخليل 1987.

تتذكر المصوِّرة وصولها إلى فلسطين وشعورها بالدهشة من قدرة الشعب الفلسطيني على الاستمرار في التواجد في أرضه، وإثبات "شرعية" وجوده بالمقاوَمة، لا المسلحة فقط، ولكن بأفعالٍ تلقائية لا يكادون ينتبهون لها: "بطريقة كلامهم وعيشهم، بطبخهم، حركتهم في الشارع"... مشهدٌ بسيط لرجلٍ مسنّ يمشي في شوارع القدس القديمة شابكاً يديه خلف ظهره ومتحرّكاً ببطءٍ وهدوء، بثقةِ المتنقّل في داره ووطنه، كان كافياً للتأثير عميقاً بالمصوِّرة. تقول عن هذا المشهد بالذات: "هذه مقاومة أيضاً. من لحظتها قررتُ أن هذا ما أريد تصويره".

* جميع الصور من الأرشيف الرقمي للمتحف الفلسطيني، مجموعة المصوِّرة جوس دراي.

مقالات من فلسطين

الديار النابلسية بعيون سلافية (2)
فرانتيشيك كليمنت: أهل نابلس شديدو الغضب والتمرد

يرى "كليمنت" أن "الناس لا يقصدون فلسطين للترفيه عن أنفسهم، ولكن بهدف الاستكشاف والمعرفة، ونستثني من ذلك الحجاج المتدينين... وهو يرفض التوجه الصهيوني الرامي إلى استعمار فلسطين، يقول: "إن فكرة...

"الإبادة من المسافة صفر" .. الآن!

صفاء عاشور 2025-03-06

هناك ما يمكن تنفيذه في الحال: إنشاء متحف إلكتروني لتخليد الإبادة ضد غزة، حيث يسهل جمع كافة الصور والفيديوهات والشهادات حول الجرائم الإسرائيلية، والحصول على حقوق عرضها، سواء تلك المملوكة...

رفض أمريكي وإسرائيلي للخطة العربية لإعادة إعمار غزة.. و«حماس» ترحب رغم عدم الاتفاق حول «السلاح الشرعي الواحد»

2025-03-06

وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، "برايان هيوز"، الخطة بأنها "لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حالياً، وأن السكان لا يستطيعون العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة...