موريتانيا بلد عبور للمهاجرين الأفارقة إلى أوروبا: قلقٌ وتحديات

تقع موريتانيا في موقع جغرافي متميِّز، كهمزة وصل بين إفريقيا جنوب الصحراء وشمال إفريقيا، كما تطل على سواحل الأطلسي بطول يزيد على 750 كيلو متراً. هذا الموقع جعلها بوابة لـ"الحلم الأوروبي" بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة، وأهم نقاط انطلاقهم. فقد أفادت التقارير بأنه خلال الفترة بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس من العام 2024، وصل أكثر من 12 ألف مهاجِر إلى "جزر الكناري" الإسبانية، مقارنة بـ 2178 مهاجراً خلال الفترة نفسها من العام 2023.
2025-02-20

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
خريطة موريتانيا

استفاق الموريتانيون في الرابع من شباط/ فبراير الجاري، على خبر مصرع 9 مهاجرين غير نظاميين، بعد غرق الزورق الذي كان يقلهم في عرض البحر، قبالة شواطئ مدينة "نواذيبو"، شمال موريتانيا. وعرفت المدينة في الفترة الأخيرة تزايداً في أعداد الزوارق، التي يوقفها خفر السواحل الموريتاني، وتقوم السلطات بإعادة من فيها من حيث أتوا. وقد أعادت الحادثة النقاش حول واقع تحول البلد إلى مجال لعبور المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا معتمدين على قوارب الموت..

موقع استراتيجي

تقع موريتانيا في موقع جغرافي متميِّز، حيث تُعد همزة وصل بين إفريقيا جنوب الصحراء وشمال إفريقيا، كما تطل على سواحل الأطلسي بطول يزيد على750 كيلو متراً. هذا الموقع جعلها بوابة للحلم الأوروبي بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة، ما حولّها الى أهم نقاط انطلاق المهاجرين الأفارقة. فقد أفادت تقارير بأنه خلال الفترة بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس من العام 2024، وصل أكثر من 12 ألف مهاجر إلى "جزر الكناري الإسبانية"، مقارنة بـ 2178 مهاجراً فقط خلال الفترة نفسها من العام 2023. وبحسب التقارير، كانت موريتانيا نقطة انطلاق أو عبور أكثر من 80 في المئة من القوارب التي أبحر على متنها المهاجرون.

ويختار كثيرٌ من المهاجرين المنتمين في الغالب إلى بلدان الساحل و"خليج غينيا"، مدينة "نواذيبو" للانطلاق إلى أوروبا بسبب موقعها، ويعيش اليوم في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 140 ألف نسمة، حوالي 30 ألف مهاجر.

ويُذكرُ أن عدد المقيمين في موريتانيا بشكل قانوني من الأجانب هو 140 ألف نسمة، وفق "الحملة الوطنية لتسجيل وضبط وتنظيم حركة المهاجرين" داخل البلد، هذا بالإضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين، وقد وجهت موريتانيا نداء إلى المجتمع الدولي لدعمها في رعاية وحماية 318 ألف من اللاجئين الماليين، تستضيفهم حالياً أراضيها.

وتحدثت "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، عن اللاجئين الماليين المستقرِّين في "ولاية الحوض الشرقي" بموريتانيا، وقالت إن: "استمرار تدفق اللاجئين بفعل انعدام الأمن في مناطق كثيرة من دولة مالي، يفرض ضغوطاً هائلة على الموارد والخدمات بالمنطقة، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر التوتر بين المجتمعات، مهدداً الانسجام الاجتماعي".

وفي حديث أجريته مع "أحمد داود": وهو خبير في مجال الهجرة وحقوق الإنسان، ورئيس "منظمة الفضاء الإنساني"، قال إن "موقع موريتانيا الجغرافي جعلها بوابة للحلم الأوروبي بالنسبة إلى المهاجرين، كما أن المشاكل والاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دول الجوار، والحدود الموريتانية المفتوحة، شجعت شبكات التهريب على جعل موريتانيا مركزاً لنشاطاتها. هذه العوامل وضعت موريتانيا - مكسيك إفريقيا - في مواجهة مجموعة من التحديات، مثل تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من مختلف الدول الإفريقية، بل حتى أن بعض الآسيويين بدأوا يتجهون مؤخراً إلى موريتانيا للغرض نفسه، وهو ما يشكِّل ضغطاً كبيراً على الموارد المحلية الضعيفة أصلاً. كما أن ضعف الوسائل والحدود الشاسعة يُفقِد الدولة القدرة على ضبط حدودها شرقاً وجنوباً. ومن هنا تأتي حاجة موريتانيا الملحة إلى التعاون والمساعدة الدولية لتجاوز هذ التحديات".

تحديات واضحة

في الجانب الأمني، يدق البعض ناقوس خطر استغلال شبكات تهريب البشر والجماعات الإجرامية حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تصاحب الهجرة غير النظامية، لزيادة أنشطتها، مثل الاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات والأسلحة. ويمكن أن يؤدي تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين إلى زيادة التوترات الاجتماعية والنزاعات المحلية. ويضاف إلى التحديات الأمنية التحديات الاقتصادية، إذ إن تدفق المهاجرين غير النظاميين يتسبب في زيادة الضغط على الموارد المحدودة للدولة، مثل الخدمات الصحية والتعليم والإسكان، وكذلك له تأثير على سوق العمل، حيث يمكن أن يؤدي وجود عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين إلى زيادة المنافسة وتخفيض الأجور. وكذلك، تكبد مكافحة الهجرة غير النظامية الدولة تكاليف باهظة، مثل كلفة ترحيل المهاجرين وتأمين الحدود، والدولة أصلاً تعاني نقص القدرات والموارد، للتعامل بفعالية مع تدفقات الهجرة غير النظامية، وكذلك تعاني من الفساد المالي والإداري.

منح الاتحاد الأوروبي في نيسان/ أبريل 2024 موريتانيا 226 مليون دولار، فيما خَصَّص 60 مليون يورو لمساعدتها في مكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. هذا الدعم هو، في نظر البعض، رشوة للسلطة في موريتانيا، للتحول إلى حارس لأوروبا، لصد الأفارقة عن الوصول إليها، من دون التفكير في عواقب ذلك على الدولة والشعب، فضلاً عن عواقب ذلك على حقوق الإنسان بشكل عام.

هناك بالمقابل من يرى أن موريتانيا بحاجة إلى اليد العاملة الماهرة، والبلد يمكنها أن تستفيد اقتصادياً من واقعها كبلد عبور أو مضيف لهذا الكم الهائل من النازحين والمهاجرين، باختلاف مستوياتهم وطبيعة دوافعهم.

وللهجرة غير النظامية تحدياتها الاجتماعية أيضاً، حيث يواجه المهاجرون غير النظاميين صعوبات كبيرة في الاندماج الاجتماعي في البلدان التي يمرون فيها، بسبب الاختلافات الثقافية واللغوية، والتمييز الذي قد يتعرضون له.

تعاون موريتاني أوروبي جدلي

واقع موريتانيا وتحولها إلى بلد عبور للمهاجرين الأفارقة إلى أوروبا، جعلها في مدار اهتمام الدول الأوروبية، حيث ترنو هذه الدول إلى دفع موريتانيا إلى الإسهام في كبح جماح الهجرة. وفعلا حدثت كثيرٌ من الخطوات في هذا الصدد، أبرزها اتفاقية تم توقعيها العام الماضي، أحدثت جدلاً كبيراً بين الموريتانيين، حيث اعتبر البعض أن الغرض منها هو توطين الأفارقة في موريتانيا، ومنعهم من الوصول إلى أوروبا، وتحميل أعباء بدلاً عن الأوربيين. وخرجت العام الماضي مظاهرات غاضبة أمام مبنى البرلمان بالعاصمة، ضد الاتفاق بين أوروبا وموريتانيا لمكافحة الهجرة، ورفعت شعارات من قبيل: "لا لاستقبال المهاجرين ولا لبيع أراضي موريتانيا".

وهناك من له وجهة نظر مخالفة، حيث يعتقد أن الاتفاقيات مع الدول الأوروبية يجب أن تراعي في المقام الأول حقوق هؤلاء اللاجئين، مع الحفاظ على أمن الدولة الموريتانية وحقوق شعبها، حيث يرى هؤلاء أن أيّة اتفاقية أو خطوة تهدف إلى مكافحة الهجرة غير النظامية، يجب أن تستحضر حماية المهاجرين من الاستغلال، وسوء المعاملة، من قبل شبكات التهريب والجماعات الإجرامية، وحمايتهم من المخاطر الصحية المحدقة بهم، وكذلك معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، مثل الفقر والبطالة والنزاعات، من خلال تنفيذ برامج تنمية اقتصادية واجتماعية.

قد تستغل شبكات تهريب البشر والجماعات الإجرامية حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تصاحب الهجرة غير النظامية، لزيادة أنشطتها، مثل الاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات والأسلحة. وهناك التحديات الاقتصادية، إذ إن تدفق المهاجرين غير النظاميين، يتسبب في زيادة الضغط على الموارد المحدودة لموريتانيا، مثل الخدمات الصحية والتعليم والإسكان، وعلى سوق العمل، حيث يؤدي وجود عدد كبير من المهاجرين إلى زيادة المنافسة وخفض الأجور.

وبحسب الخبير "أحمد داود": "تراهن إسبانيا ومن ورائها أوروبا على موريتانيا في الحد من تدفق اللاجئين غير النظاميين في زوارق الموت. وفي المقابل، تسعى موريتانيا إلى الحصول على مكاسب اقتصادية من خلال زيادة الاستثمارات، ورفع حصتها السنوية من التأشيرات وإعفاء جوازات موريتانيا الدبلوماسية والعمل، من التأشيرة الأوروبية "شنغن". وقد ألغيت فعلاً التأشيرة من جواز السفر الدبلوماسي". ونبه المتحدث إلى أن "الدعم السخي الذي وعدت به أوروبا، خصوصاً في مجال مكافحة الهجرة وحماية الحدود، كذلك دعم التنمية الاقتصادية من خلال دعم المشاريع التي تخلق فرص عمل للشباب وتكافح البطالة، دفع الحكومة الموريتانية إلى تغليب إيجابيات الاتفاقية على سلبياتها".

منح الاتحاد الأوروبي في نيسان/ أبريل 2024 موريتانيا 226 مليون دولار، فيما جرى تخصيص حوالي 60 مليون يورو لمساعدتها في مكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. لكن هذا الدعم هو في نظر البعض رشوة للسلطة في موريتانيا، للتحول إلى حارس لأوروبا، يعمل على صد الأفارقة عن الوصول إليها، من دون التفكير في عواقب ذلك على الدولة والشعب، فضلاً عن عواقب ذلك على حقوق الإنسان بشكل عام. بينما يرى "داود" أن مكافحة الهجرة مصلحة مشتركة بين الأوربيين وموريتانيا. فموريتانيا دولة آمنة نسبياً في محيط ملتهب، وهو ما جعلها تعاني من تدفق المهربين والهاربين والمهاجرين بأعداد هائلة، وهي غير قادرة على مواجهة هذه المشاكل بمفردها. وخلص المتحدث إلى أن "التعاون الأوروبي - الموريتاني يجب ألّا يتجاوز الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، خاصةً "اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين" لسنة 1951، وبرتوكولها الإضافي لعام 1967. كما يجب أن يركز التعاون على معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، مثل الفقر والجهل والبطالة والنزاعات والاضطرابات السياسية.. إلخ، ولا يمكن منعها بشكل دائم فقط بالحلول الأمنية وبالقوة".

مقالات من موريتانيا

فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة...

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...

للكاتب نفسه

فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة...

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...