إعداد وتحرير: صباح جلّول
السيدة التي تتوسط الصورة أعلاه هي "ليلى سويف"، يوم السبت الماضي، 15 شباط/فبراير 2025، في اليوم 139 من إضرابها عن الطعام، مشارِكةً في مسيرة داعمة لفلسطين رفضاً لمخططات الاستيلاء على غزّة وضمّ الضفة الغربية. دكتورة الرياضيات، ليلى سويف، صاحبة الأعوام الـ68، المضرِبة عن الطعام منذ اليوم الذي أنهى فيه ابنها، "علاء عبد الفتاح"، محكومية السنين الخمسة، ليبقيه النظام في السجن ظلماً وعدواناً، تشارك في خضمّ مأساة عائلتها الشخصية، وإنهاكها الجسدي والنفسي، إلى التظاهرة، للتعبير عن وقوفها على الضدّ من الباطل، شخصياً كان أم عاماً.
ليلى سويف .. ملهمة عربية بمواصفات عصرية
13-05-2021
إنه المبدأ: رفض الظلم الواقع على الإنسان، تؤمن به هذه السيدة وتعمل به في مفاصل حياتها المختلفة، في الجامعة التي تدرِّس فيها، وفي الشارع الذي تتظاهر فيه من أجل كلّ المعتقلين، فكيف إذا كان ذلك الضيم واقعاً على "الضّنا"، ابنها "علاء عبد الفتاح". وقد أنهى بالفعل حكمه الصادر من محكمة مسيَّسة، ولم يعد من مبرر لاعتقاله، المجحف واللاقانوني أصلاً، وهو المصنَّف "معتقل رأي" من قبل المنظمات الحقوقية الدولية كافة.
في نصّه "خمس استعارات عن التعافي"[1]، كتب "علاء عبد الفتاح"، من جملة أفكاره وخلاصاته من تجربة نضاله، وحبسه المتكرر على مدار العقد الماضي، ما يلي:
"لا المعاناة تضحية ولا الجسد آلة، بل أن ألمك لا يخصّ شخص، فالفرد ينتمي لمجتمع، والمجتمع نتاج حركة التاريخ. لكنك فاعل في هذا التاريخ، لا تكن ضحية له. اجعل من ألمك ثورة ومن معاناتك نضال، اهدم مصادر الألم، وبحطام القديم سنبني الجديد معا،ً كجماعة فاعلة في التاريخ. هي سّنة الحياة وقوانين الكون. إنها حتميات. فقط عليك أن تُدرك اللحظة المناسِبة وتنضم للفرقة الواعية".
اليوم، تقف أمّه، "ليلى سويف"، أمام الجميع، بجسمٍ هشّ وإرادة – على عكس البدن - مذهلة الصلابة، كأنها تجسيد فعليّ لما آمن به "علاء"، كأنها حارسٌ أمينٌ لفكرته تلك، مهما بلغت صعوبة تطبيقها العملي وأثمانه، بل وإنْ لم يعجب التطبيق صاحب الفكرة نفسه، كونه ابنها الخائف على صحتها.
"ما لقيتش طريقة أحلّ بيها هذه الأزمة غير هذا الإضراب عن الطعام، اللي أنا مصرة أنه يستمرّ، لحين ما علاء يتم الافراج عنه، أو لحين ما صحتي تنهار تماماً"، تقول "ليلى سويف" بحسم ووضوح.
تتعالى مِن حولها كل يوم أصوات تحاول - عن حسن نية - ثنيها عن "جرّ نفسها إلى التهلكة"، لكنّ قرارها نهائي: "أراهن أنه في أسوأ السيناريوهات، تكون حياتي ثمناً لحياة أولادي". تفسِّر في فيديو سجّلته للأصدقاء القلقين، أن حياة أولادها، وخاصة علاء، متوقفة تماماً منذ ما يقارب العشر سنين، لذلك، فهي لا تستطيع صبراً بعد الآن: تقايض حياتها بحياتهم، إن كان هذا ما يتطلبه الأمر.
تعي "ليلى سويف" أن إضرابها من أسلحتها القليلة التي تُحْرج بها مصر، وبريطانيا أيضاً، التي تَحمل وابنها جنسيتها، في محاولة توسيط الأخيرة مع النظام المصري لإطلاق "علاء" – مواطن البلدين. تعلّق: "أنا لا أفهم كيف تتكلّم السلطة عن محاولتنا "ليّ ذراعها" لمجرد أننا نطالبها بتطبيق القوانين!". يُجبرها النظام المصري على استعمال جسدها يافطة احتجاج، وورقة ضغط، وإعلان رفض، ويزيدها الديبلوماسيون البريطانيون إنهاكاً في بيروقراطياتهم ووعودهم.
ثمة جسدان يذويان ببطء، "علاء" في حبسه (وهو الذي أضرب عن الطعام من قبل وأُجبر على فكّ إضرابه ونُكِّل به)، و"ليلى" في شوارع "لندن" الباردة، تلفّ جسمها الذي يعيش على المحاليل، بملحفةٍ وتعتصم أمام مكتب رئيس الوزراء البريطاني "كير ستارمر"، إلى أن قابلها الأسبوع الماضي، يوم 16 شباط/فبراير، ووعدها "بفعل كل ما بوسعه"، في لقاء استشفت منه العائلة شيئاً من الإيجابية. وصفت "ليلى" الحكومتين المصرية والبريطانية ب"الأصحاب والحبايب"، وحمّلت الاثنتين المسؤولية عن حياة ابنها، وتابعت إضرابها.


هي #تجوع_ليحيا، كما يقول الوسم المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تضامناً معها ومع "علاء"، والحقّ أنّ تلك المعادلة أصعب المعادلات وأقساها. "لم تأخذ أمي رأينا في ما قررته"، تقول ابنتها "منى سيف" في تسجيل صوتي على "ساوندكلاود" بعنوان "عن إضراب ماما.. عن الأمومة والوجع والحب": "على عكس عادتها بمشاورتنا وطرح الأفكار على الجميع، قررَت وحدها أنه لو لم يُطلقوا علاء فور انتهاء حكمه، ستبدأ إضرابها عن الطعام". تصف "منى" مشاعر غضب شديد ممزوجٍ بالرعب، انتابتها لاتخاذ والدتها قراراً قد يسرقها منهم. وتصف كيف أنها، بعد أيام من الغضب العميق و"الخناقات التي لم تفتعل مثلها معها منذ أيام المراهقة"، نظرت "منى" إلى طفلتها، وفهمت. اختفى غضبها واستحالَ تفهّماً حقيقياً وعميقاً لما تفعله والدتها.

يهمس الناشطون بأن عفواً رئاسياً قد يصدر في شهر رمضان، ويأملون أن يخرج بموجبه علاء، بوساطة البريطانيين، لكنّ "ليلى" لا تفسح في نفسها وأعصابها متسعاً للتخمينات التي خيّبت العائلة من قبل مراراً، فتتابع الإضراب. الآن، تجاوز إضراب ليلى سويف 144 يوماً، ودخلت بالفعل مرحلة دقيقة الخطورة. يقوم الصحافيون والناشطون والمحامون والأصدقاء، مداورة، بالإضراب عن الطعام لمدة 24 ساعة تضامناً معها. تقول العائلة أن مشاركتها في مظاهرة لفلسطين وتواجد أحفادها إلى جانبها هي بعض الأمور التي ترفع من مؤشراتها الحيوية وتحسِّن من همّتها. وهي مستمرة في إضرابها، تنتظر نتائج كل هذا وتتمنى في رسالة فيديو في ندوة للمتضامنين "أن تنتهي المسألة وما زال فيّ صحة، حتى أستطيع أن أستمتع بأحفادي وأولادي".
متضامنون مع ليلى سويف. الحرية والحياة لعلاء ولها.
_________________________________
-
منشور في "مدى مصر" في 26 أيلول/سبتمبر 2019