إعداد وتحرير: صباح جلّول
داهمت الشرطة الإسرائيلية "المكتبة العلمية" في القدس المحتلّة، خرَّبت محتويات الرفوف، صادرت مجموعة من الكتب منها، واعتقلت اثنين من مالكيها. يعرف المقدسيون والقرّاء في كل فلسطين "المكتبة العلمية". افتُتحت المؤسسة عام 1984، في "شارع صلاح الدين" في القدس، وسرعان ما صارت محجّاً ومقصداً للباحثين والطلاب ومحبي القراءة.
"استعد لتوسيع آفاق المعرفة واكتشاف عالم جديد مع المكتبة العلمية (...) نحن نؤمن بقوة العقل وأهمية الثقافة، وهذا هو سبب استمرارنا في مكانتنا كمكتبة رمزية على مرّ السنين"، هكذا كتب أصحاب المكتبة في أحد منشوراتهم على فيسبوك عام 2024، معرّفين عن مشروعهم. يسمونه "رمزياً" لأنه يجسد البقاء المقدسي في القدس المحتلة، وهو تماماً ما يُشعِر الاحتلال بالضيق والاضطراب.
دخل عناصر الشرطة يوم الأحد 09 شباط/فبراير 2025 إلى فرعين للمكتبة العلمية بلباس مدني، تجوّلوا لعدة دقائق قبل أن يبدأوا بصرف الزبائن، وتفتيش المكان، وترجمة عناوين الكتب عبر "غوغل-ترانسليت". سلوك إسرائيلي عصاباتي معتاد، لكنه الآن يختار أهدافاً جديدة لا تنفكّ تتسع، منها المكتبات. "محمود" وابن أخيه "أحمد منى"، متهمان الآن بـ"التحريض" و"دعم الإرهاب". كيف يحرِّضان؟ الجواب: ببيع الكتب. دفع عناصر الشرطة الاسرائيلية معظم الكتب عن الرفوف إلى الأرض بهمجية، وكل ما يتطرق لموضوع لم يعجبهم (حقوق الإنسان وتاريخ النكبة مثلاً)، وصادروا كل ما يحتوي رموزاً فلسطينية وأعلاماً فلسطينية، بما فيها كتب تلوين للأطفال. كوّموه في أكياس نفايات وسرقوه. خرجوا من المكان بعد نحو 90 دقيقة، آخذين معهم "محمود منى"، الذي نشر مؤخراً كتاباً بعنوان "الفجر في غزة" عن قصص 100 غزّي، وابن أخيه "أحمد منى"، معتقَلَين.

شاركت الشرطة الإسرائيلية على حسابها الرسمي على منصة "إكس" صورة كتاب تلوين أطفال بعنوان "من النهر إلى البحر". هذا دليلها على تهمة "التحريض" و"دعم الإرهاب" التي ذكرتهما بوضوح مذكرات التفتيش... مُدد اعتقال المالكين ليوم واحد، قبل أن يطلق سراحهما بعد يومين في السجن، مع فرض إقامة جبرية لخمسة أيام، بتهمة "الإخلال بالنظام العام".
وسبق هذا الهجوم على "المكتبة العلمية" قيام الاحتلال بإغلاق مكتبتين في البلدة القديمة في القدس منذ مطلع شهر شباط/فبراير الجاري. إنه جزء من نهج إسرائيلي مستمر، ومحاولة لاستئصال أي مساحة تحفظ الثقافة الفلسطينية وأصواتها – بل لاستئصال كل ما هو فلسطيني، مرّة بالإبادة، مرّة بالتهجير، ومرّة بإخفاء الدليل عليه.


الكتب بعد رميها عن الرفوف في المكتبة (يمين) وبعض الكتب التي تمت مصادرتها (يسار).
يحدث هذا بعد حرب إبادة لم يحاسَب الاحتلال الإسرائيلي عليها (وما زال مستمراً بها بطرق مختلفة)، وبالتزامن مع تدمير ممنهج واسع ومجازر وجرائم لا تتوقف في الضفة الغربية، التي لا يُخفى على أحد سعي الاحتلال إلى ضمها. ليست مداهمة المكتبة أفظع ما قامت به "إسرائيل" في سلسلة الجرائم المروعة التي ترتكبها كلّ يوم بكل الطرق، ولا هي مستغرَبة بعدما دمّرت كل مكتبات غزة ومدارسها وساحاتها الثقافية، إلى جانب كل مظاهر الحياة الأخرى، لكنّ الاعتداء السافر على مكتبات في القدس هو دليل آخر عن سياسة إسرائيلية تنهمك بالتضييق على كل ما يُعلِن فلسطينيته، ولو كان صفحة في كتاب، وإنْ كان لا يحمل سلاحاً، وإن كان "بحاله" يمارس يومه بشكل معتاد ولا يخرج من بيته أو مكتبته.
التعليم من أجل غزّة.. هذا أيضاً ضرورة!
06-02-2025
لا يمكن لهذا التضييق المستمر على الفلسطينيين - إنْ كانوا في غزة أو الضفة أو القدس أو في أي بقعة من فلسطين، أن يمرّ مرور الكرام ويتم التطبيع معه في أي من هذه الحالات، فهو وحش نهم لن يتوقف إلا لو أوقف.