إعداد وتحرير: صباح جلّول
في ذروة أيام الإبادة المظلِمة في غزة، مع ما رافقها من جوع وعطش وفقدان لا يمكن لوصفٍ احتوائه، كان ثمّة مقطع فيديو على الانترنت لشيخٍ طاعن في السن، يتكلّم في انفعال وبنبرة يغلب عليها الإلحاح، عن أهمية وصول التعليم إلى أولاد غزّة. "يريدون أن يحولوا قضيتنا إلى قضية أكل ومياه..."، "هذه أمانة لتحملوها كلكم. بدهم يجهّلوا أولادنا. بدنا العلم! بدنا التعليم! بدناش المي، بدناش الأكل!" – وهو يقصد بالطبع أن غزّة لا تريد المي والأكل فقط، بدون حقوق أبنائها الأخرى، وأهمها التعليم.
بدا الفيديو صادماً في حينه، ولم يفهم كثر كيف خطر لهذا الرجل أن يأتي على ذِكر التعليم فيما هو وكلّ أهل غزّة ما بين الحياة والموت كلّ يوم، في حرب إبادة مروعة. لكنّ هذا ليس بالغريب على غزّة التي يولي أهلها أهمية قصوى للعلم. فنسبة المتعلمين في القطاع تبلغ أكثر من 96 في المئة قبل الإبادة، بحسب أرقام "الأونروا"، وبها أعلى نسب التعلم والتمدرس في الدول العربية، وتكاد تنعدم فيها الأمية. والقطاع الصغير يضمّ 18 جامعة وكلية، يتعلم فيها أكثر من 87 ألف طالب وطالبة.
عودتان.. رغماً عن الاحتلال والعالَم
30-01-2025
بالفعل، التعليم ملحّ جداً لغزة وأهلها، كالمأكل والمشرب وأساسيات الحياة، وهو من الخسائر الكبرى للقطاع الذي حُرم طلابه من التعلم بمختلف مستوياته منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخسروا عامين دراسيَين إلى الآن من مسارهم التعلمي، وهي فترة مرشّحة لأن تطول وتتضاعف خسائرها الفادحة إن لم يتحرك جميع من بإمكانه ذلك الآن، لإعادة إنعاش التعليم في غزة بعد الإبادة المعرفية المقصودة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي فيها.
من هنا، تكتسب مبادرة "التعليم من أجل غزّة" (Education for Gaza) أهميتها القصوى، لاهتمامها بناحية أُهملت حتى في معظم خطط الإغاثة وبرامجها الحالية، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
![](https://assafirarabi.com/wp-content/uploads/2025/02/edcuationGaza.jpg)
في مقابلة خاصة ل"السفير العربي" مع المخرج السينمائي والمناضل الفرنسي-المصري "سمير عبد الله"، أخبرنا عن المبادرة ونشأتها: "لقد كنتُ في غزّة عام 2009 أصوِّر فيلمي (Gazastrophe) (وعنوانه العربي "قصيدة غزة.. فلسطين")، وكانت غزّة حينها تتعامل مع آثار عدوان إسرائيلي. في ذلك الوقت، كنتُ على اتصال دائم بمجموعة فلسطينيين من "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" وغيرهم من أجل الفيلم. وقد بقينا على تواصل بعدها لسنوات. وقد بادروا هم بطرح فكرة التعليم من أجل غزة خلال حرب الإبادة"، يقول سمير.
"أفلامنا": "فعل مقاومة ضروري"
02-01-2025
في الأول من شباط/فبراير الحالي، دُعي "سمير عبد الله" للمشاركة في اللقاء الوطني للأحياء (RNQP) من قبل "إريك كوكريل"، أحد نواب حزب "فرنسا الأبية" اليساري، حيث عَرّف بالمبادرة، وأعلن خلال اللقاء عن تشكيل بعثة في هذا الإطار، ستتوجه إلى قطاع غزة لتوزيع اللوازم المدرسية ومعدات الكمبيوتر، لتمكين أطفال غزة من استعادة فرص الوصول إلى التعليم. يقول أنه على الرغم من أن التواصل مع الجهات الرسمية قد يساعد في فتح أبواب وتيسير بعض الأمور، إلا أن الحملة شعبية (grassroots campaign)، فردية وجماعية، ويمكن لأي كان الانخراط في نشاط مفيد فيها. هناك على سبيل المثال مجموعة ناشطة في اليابان تدعم المبادرة حالياً بشكلٍ فاعل. يؤكد "سمير" على فكرة أن مبادرة "التعليم من أجل غزة" ليست متركزة في أيدٍ فرنسية، ولا ينبغي لها ذلك، ليست مشروعاً مركزياً، بل هي نابعة من أهل غزة أنفسهم ويجب أن تتواجد مجموعات تُعنى بها على امتداد العالم العربي والعالم أجمع.
"ماذا يريد الفلسطينيون عندما يطلبون مساعدتنا؟ أولاً أن نخبر العالم عن حاجتهم للتعليم! كل قوافل المساعدات عبارة عن طعام وشراب، لكن لا أحد يعنى بالتعليم. ثانياً، أن نقوم بتعزيز هذا "الصمود"، وقيمة الصمود كبيرة جداً لغزة. وبالطبع، أن تقدَّم مواد تعليمية مفتوحة بشتى المجالات، أن ندعم بالمال، وأن نوفّر المتطوعين"، يؤكد "سمير" أن على من يتعرّفون إلى هذه المبادرة أن ينظّموا أنفسهم بأنفسهم، ويفكروا بطرق للمساهمة شعبياً.
أفواجُ العودة
03-02-2025
من ضمن أنشطة المبادرة، جُمعت أعمال عدة فنانين تبرعوا بتوفير نسخات عالية الجودة من أعمالهم الفنية لتُطبع بجودة ممتازة ويتمّ بيع نسخ محدودة منها[1]، يعود ريعها إلى دعم هذه التعليم في غزة. من هؤلاء الفنانين التشكيلي الفلسطيني "ناصر السومي"، وأعمال التشكيلي المصري الراحل "حامد عبد الله" (والد سمير)، والفنان الفرنسي-الجزائري "جمال طاطاح". كما أنّ الدعوة مفتوحة لأي فنان أو فنانة من الراغبين بمشاركة أعمالهم من أجل هذه القضية.
![](https://assafirarabi.com/wp-content/uploads/2025/02/affiche.jpg)
![](https://assafirarabi.com/wp-content/uploads/2025/02/nassersoumi.jpg)
نقوم بدورنا بدعوة مفتوحة لقراءنا وقارئاتنا إلى المشاركة في الدعم بالطرق المتاحة لهم، أينما كانوا في العالم، ونشارك هنا نص دعوة المبادرة:
"استجابة لنداء الفلسطينيين في غزة، وأمام خطورة وضعهم، نقترح عليكم المشاركة في هذه المبادرة الفلسطينية للدعم التربوي والنفسي للأطفال في غزة، والتي ينّفذها مركز "وطن" الشبابي، بدعم من "جمعية الإنسان التنموية" ومقرهما غزة.
يمكنكم المساهمة في بناء هذه الحملة الفريدة من نوعها سواء كمنظمة رسمية أو غير رسمية أو كأفراد.
الفلسطينيون في غزة يذكّروننا بأن التعليم لا يقل أهمية عن الخبز والماء بالنسبة لهم.
في سياق التدمير المنهجي للمؤسسات التعليمية في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، تقوم مجموعات محلية بالعمل، وبأي ثمن، لتوفير دروس تتيح للشباب متابعة تعليمهم. واليوم تقام هذه الدروس في خيام مؤقتة في مخيمات النازحين بعد أن تحولت المباني المدرسية إلى أنقاض.
يتنقّل المعلمون والمعلمات الشجعان إلى المواقع لتقديم هذه الدروس، بينما يساهم الآخرون، الذين مُنعوا من الذهاب إلى هذه المناطق، بالتدريس عبر نظام إنترنت آمن.
يتم تقديم الدورات بالتنسيق مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي حظّرت سلطات الاحتلال أنشطتها الإغاثية التي تقوم بها منذ عام 1949.
إن المعلمين/ت والمدربين/بات والفنانين/ات من جميع أنحاء العالم مدعوون للمشاركة في هذا الصمود – وهو شكل رائع من أشكال المقاومة – الذي يشهد على صمود الشعب الفلسطيني على الرغم من مشروع الإبادة الجماعية الإسرائيلي.
فلندعمهم من خلال المشاركة في مشروع #EDUCATION4GAZA المنتشر حالياً في مخيمات النازحين في المواصي وخان يونس، من قبل "مركز وطن الشبابي" و"جمعية الإنسان التنموية".
يمكنكم المساعدة بعدة طرق: كمتطوعين لإعطاء دروس أو أنشطة عن بعد، أو إذا كان لديكم مهارات في الدعم النفسي والاجتماعي في مواجهة حالات الصدمات.
يمكن التواصل لمشاركة مهاراتكم واقتراحاتكم على هذا العنوان :
education4gaza@outlook.com
رابط للدعم المالي:
h https://www.helloasso.com/associations/les-quartiers-s-en-melent/collectes/education4gaza
____________________________________________________
-
للراغبين بشراء نسخ، إرسال طلبهم على الايميل:
Education4gaza@outlook.com ↑