المؤتمر العام السادس لنقابة الصحافيين في مصر: وصفة الخروج من عنق الزجاجة... فهل من مستجيب؟

جاءت نتائج استبيان أُجْرِيَ حول أوضاع الصحافيين، شارك فيه 1600 صحافي، صادمة. فقد أظهر أن 72 في المئة من المشاركين يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 6000 جنيه، في حين أن 13 في المئة منهم لا يتلقون أية أجور من المؤسسات الصحافية. وأفاد 27 في المئة من الصحافيين بأنهم تعرضوا للفصل التعسفي، ولم تُحل مشكلاتهم حتى الآن. أما 28 في المئة من المشاركين فقد ذكروا أنهم لم يتلقوا أي دعم من النقابة، مما يعكس الحاجة الماسة إلى تعزيز دور النقابة في تقديم الدعم لأعضائها.
2024-12-26

إيمان عوف

صحافية من مصر


شارك
نقابة الصحفيين تتزين بملصقات عن المؤتمر السادس

في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2024، اختتم "المؤتمر العام السادس لنقابة الصحافيين" فعالياته بعد سلسلة من النقاشات، التي تطرقت إلى مستقبل الصحافة المصرية، وما تعانيه من تحديات تهدد بقاءها. المؤتمر الذي يُعد حدثاً مهماً في مسار الصحافة المصرية، شهد طرح العديد من التوصيات التي يمكن اعتبارها خطة عمل لإصلاح مهنة الصحافة، وهي التي تعاني منذ سنوات من ضغوط اقتصادية، واجتماعية، وسياسية.

شملت التوصيات مجموعة من النقاط التي تُركِّز على الإصلاح الإداري، وتعزيز الحريات، وحماية الصحافيين، وتوفير حماية قانونية أقوى للمهنة، والإفراج عن الصحافيين المحبوسين، وتعزيز الحريات الإعلامية، وتحديث الميثاق الصحافي بما يتماشى مع تطورات العصر. كما تناول المؤتمر ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور للصحافيين، وتفعيل اللوائح المالية، بالإضافة إلى العمل على تطوير مدونات السلوك المهني والأخلاقي في المؤسسات الصحافية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتحقق هذه التوصيات في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية، التي قد لا تكون مواتية لتحقيق هذه المطالب، في ظل مناخ معادٍ للحريات، وفي القلب منها حرية الصحافة؟

نقيب الصحافيين، "خالد البلشي"، أكد[1] أن التوصيات ستصبح بمثابة برنامج عمل للمجالس النقابية المستقبلية، مشيراً إلى أن من ضمن الخطوات المهمة لتنفيذ التوصيات، تشكيل لجنة متابعة من نقباء وأعضاء مجالس نقابة سابقين وحاليين، بالإضافة إلى مجموعة من الصحافيين النواب، وأعضاء في الجمعية العمومية.

وأوضح "البلشي" أن بعض التوصيات، سيتم عرضها على البرلمان، مثل مسودة قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وزيادة موارد النقابة، فضلاً عن أهمية تفعيل دور الجمعيات العمومية في المؤسسات الصحافية. كما تطرقت التوصيات إلى إنشاء نظام موحد للحوكمة الإدارية، تحت إشراف "الهيئة الوطنية للصحافة"، بالإضافة إلى أهمية إنشاء وحدة تسويق رقمي، لتوحيد معايير الإعلام الاجتماعي في المؤسسات الصحافية.

وتابع "النقيب" حديثه عن ضرورة عقد المؤتمر العام بشكل دوري كل عامين، لمتابعة تنفيذ التوصيات، وهو ما سيسهم في البناء على ما تم إنجازه من خلال التوصيات السابقة. وأضاف أن النقابة ستواصل رفضها لممارسات التطبيع المهني والنقابي، وتطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة.

وبالنسبة إلى السبل العملية لتنفيذ التوصيات، أشار "البلشي" إلى أن النقابة ستعتمد على التفاوض مع الجهات الحكومية المختلفة، وتوسيع دائرة دعم الصحافيين النواب وأعضاء الجمعية العمومية. كما سيجري تنظيم لقاءات إضافية لبحث آليات التنفيذ، لضمان أن الصحافة المصرية سوف تخرج من عنق الزجاجة الذي طال أمده.

أكدت جميع جلسات المؤتمر، على اختلاف موضوعاتها، أن أزمة الصحافة الحقيقية تكمن في غياب الحرية. وأن المناخ العام في مصر كان ـ ولا يزال ـ معادياً للصحافة، حيث يُنظر إليها على أنها "كائن متمرد" يجب السيطرة عليه.

وكانت نتائج استبيان أُجْرِيَ حول أوضاع الصحافيين، شارك فيه 1600 صحافي، صادمة. فقد أظهر أن 72 في المئة من المشاركين يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 6000 جنيه، في حين أن 13 في المئة منهم لا يتلقون أية أجور من المؤسسات الصحافية. وأفاد 27 في المئة من الصحافيين بأنهم تعرضوا للفصل التعسفي، ولم تُحل مشكلاتهم حتى الآن. أما 28 في المئة من المشاركين فقد ذكروا أنهم لم يتلقوا أي دعم من النقابة، مما يعكس الحاجة الماسة إلى تعزيز دور النقابة في تقديم الدعم لأعضائها.

وفي هذا السياق، قال "يحيى قلاش"، نقيب الصحافيين الأسبق، في تصريحات خاصة، إن المؤتمر السادس يمثل رؤية واضحة لجماعة الصحافيين بشأن ما تعانيه المهنة والصحافيون. وأكد أن المؤتمر قد نجح في بلورة مطالب الصحافيين، ورؤاهم في كيفية الخروج من الأزمة الراهنة. وأشار إلى أن المؤتمر عُقد في وقت مفصلي، حيث تركزت التحديات في ضرورة توفير مساحات حقيقية للصحافة والعمل بحرية. وأضاف أن جميع جلسات المؤتمر، على اختلاف موضوعاتها، أكدت أن أزمة الصحافة الحقيقية تكمن في غياب الحرية.

واستشهد "قلاش" بنتائج الاستبيان الذي أجرته النقابة، الذي كشف عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمهنية والاجتماعية للصحافيين. وأكد أن هذا الاستبيان أظهر أن المهنة قد وصلت إلى مرحلة الانهيار الوشيك، ما يجعل الحاجة إلى خطة إنقاذ سريع أمراً لا يحتمل التأجيل. كما اعتبر أن المؤتمر السادس هو استكمال لجهود سابقة، مشيراً إلى أن التوصيات التي تمّ التوصل إليها، تتناسب مع الأزمات الجديدة، التي تواجهها الصحافة في الوقت الراهن.

أما عن آليات تنفيذ التوصيات، فقد أوضح "قلاش" أن المؤتمر قدّم مجموعة من الإجراءات العاجلة التي يجب العمل عليها فوراً، مثل تحسين أوضاع الصحافيين الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أن المناخ العام في مصر كان ـ ولا يزال ـ معادياً للصحافة، حيث يُنظر إليها أنها "كائن متمرد"، يجب السيطرة عليه. وشدد على أهمية المشاركة الفاعلة للجمعية العمومية، لضمان تنفيذ التوصيات بالتعاون مع مجلس النقابة.

وفي رد على الانتقادات، التي ترى أن مؤتمرات الصحافيين هي مجرد "كلام بلا فعل"، رفض "قلاش" هذا التصور، وأوضح أن تاريخ مؤتمرات النقابة يشهد على نجاحات ملموسة. وأشار إلى مؤتمر عام 2004، الذي ناقش تجديد دماء رؤساء تحرير الصحف ومجالس إداراتها، مما أدى إلى تغييرات مهمة في الهيكل الإداري للصحف. كما استشهد بقانون العقوبات، الذي استجاب لتوصيات سابقة، طالبت بإلغاء الحبس في قضايا السب والقذف، وهو ما تحقق بعد سنوات من الضغط والتفاوض.

وختم "قلاش" بالقول إن المؤتمر السادس ليس مجرد استكمال للجهود السابقة، بل جاء استجابة للأزمات الجديدة، التي تواجه الصحافة المصرية، مما يجعل توصياته أكثر أهمية وارتباطاً بالواقع الراهن.

من جانبه، أكد نقيب الصحفيين الأسبق "عبد المحسن سلامة" أن المؤتمر السادس قد أتاح فرصة مهمة لتحديد التوصيات اللازمة لمستقبل الصحافة، وقال إن كل توصية لها طبيعتها الخاصة، فبعضها يتطلب التفاوض مع "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" أو "الهيئة الوطنية للصحافة"، بينما يجب عرض بعض التوصيات الأخرى على البرلمان أو رئاسة مجلس الوزراء.

وأشار إلى ضرورة تشكيل لجنة متابعة، تتكون من نقباء وأعضاء مجالس نقابة سابقين، للعمل مع المجلس الحالي، لضمان تنفيذ التوصيات ومتابعة تنفيذها. وأكد أهمية التفاوض والضغط، كوسيلتين لتحقيق الأهداف.

وأثناء المؤتمر، شهدت الجلسات حالة من الجدل بين أعضاء الجمعية العمومية حول قائمة المتحدثين في الجلسات، إذ رأى بعض الصحافيين أن هناك أسماء من بين المتحدثين من تورط أصحابها في القضاء على الصحافة، وأسهموا في تقليص مساحة الحرية وفصل الصحافيين وسيادة اشكال احتكارية في الصحافة المصرية. وقد عبّر الصحافي وعضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، "هشام فؤاد"، عن اعتراضه على بعض جوانب المؤتمر، لكنه أشار إلى أن المشاركة في المؤتمر كانت "فرض عين". وأضاف أن الصحافيين يعانون من ظروف قاسية، في ظل تراجع أوضاعهم المعيشية، كما أن كثيراً منهم يتعرضون للقمع وتقييد الحريات.

وأكد "فؤاد" أن المؤتمر جاء في وقت حساس، حيث تتعرض المؤسسات الصحافية العامة للتصفية البطيئة، وتواجه الصحف صعوبات مالية حادة. وأضاف أن الصحافيين غير المعينين، خاصة العاملين في المواقع الإلكترونية، يعانون من استغلال مفرط من دون حماية نقابية. ورأى أنه كان من الأفضل أن يكون المؤتمر صوتاً للمحرِرين على الأرض، وليس لرؤساء التحرير وملاك الصحف، الذين يسيطرون على الإعلام.

وشدد "فؤاد" على ضرورة تنفيذ التوصيات المتعلقة برفع أجور الصحافيين ومعاشاتهم، وكذلك التفاوض مع السلطة التنفيذية لاستعادة الامتيازات التي تمكن الصحافيين من أداء مهامهم بشكل فعال، مثل الخصومات على المواصلات والخدمات الأساسية. وأضاف أن النقابة يجب أن تتبنى سياسة واضحة للحفاظ على حقوق الصحافيين، مثل رفع سقف الحماية ضد الفصل التعسفي أو الحبس في قضايا النشر.

وفي الختام، يعد "المؤتمر العام السادس لنقابة الصحافيين" نقطة فارقة في تاريخ الصحافة المصرية، إذ جمع بين التحديات الموروثة والمشاكل المستجدة التي تعاني منها المهنة. والآن، صارت التوصيات التي خرج بها المؤتمر تتطلب استجابة حقيقية، من جميع الأطراف المعنية، لضمان مستقبل صحافي أفضل.

______________________

  1. - في مقابلة خاصة مع "السفير العربي".

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...