في إطار محاولات الحكومة المصرية تجنب الانتقادات الدولية، التي قد تطال جهازها الأمني بسبب تعامله مع المعارضين، لجأت إلى أساليب غير تقليدية في ملاحقة الحركة النقابية العمالية، وبعض الأصوات المعارِضة. فبدلاً من المواجهة المباشرة، اختارت الحكومة تكتيكاً جديداً يتمثل في استخدام أدوات مثل اختبارات المخدرات، والمراقبة الأمنية، كوسائل فعّالة للحد من الحريات العامة، وتعزيز سيطرتها على الأنشطة الاجتماعية والسياسية في صفوف العمال، والنشطاء السياسيين، والصحافيين.
مع تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر، صارت اختبارات المخدرات واحدة من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الحكومة لاستهداف الناشطين النقابيين وقيادات الحراك العمالي، خاصة بعد إقرار القانون رقم (73) لسنة 2021 الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات. وعلى الرغم من أن السلطات تروج لهذه الإجراءات على أنها تهدف إلى تحسين بيئة العمل، إلا أن هناك دلائل واضحة، على استخدامها بشكل انتقائي ضد قادة النقابات.
سعت الحكومة المصرية إلى منع عشرات بل مئات الصحافيين من العمل في المؤسسات المصرية من دون إعلان واضح، واضعة قائمة بأسماء المعارضين، الذين لم ينضووا تحت جلباب المعارَضة المدجَّنة، لمنعهم من العمل، أو حتى من دخول "مدينة الإنتاج الإعلامي" بأوامر أمنية.
وفي هذا السياق، يحكي "أحمد س"، وهو عامل في "شركة النقل العام"، عن تجربته بعد مشاركته في إضراب لتحسين الأجور، حيث خضع العاملون في الشركة لاختبارات مفاجئة للمخدرات، وتبين أن عدداً من القيادات النقابية الذين شاركوا في الإضراب كانت نتائجهم إيجابية، على الرغم من أن الجميع يعرف نشاطهم في الدفاع عن حقوق العمال، ورفضهم لتناول المخدرات، وعلى الرغم من تقديمهم تظلمات لإعادة إجراء الاختبار، لكنها رُفضت، وصدرت قرارات بفصلهم من العمل. ما يوضح أن هذه الإجراءات كانت تهدف إلى تفكيك الحراك العمالي، وإضعاف موقف النقابة في مواجهة الإدارة، وتحويل القيادات العمالية إلى "عِبرة" لباقي العمال والنقابيين، حتى لا يجرؤ أحد على تكراره مرة اخرى.
من المفارقات الملفتة أن اختبارات المخدرات الإلزامية، التي فرضتها السلطات على جميع العاملين، أسفرت عن نتائج غير متوقعة. ففي إحدى محافظات صعيد مصر، "بني سويف"، أظهرت التحاليل أن حوالي 25 مدرِّسة، من مدارس مختلفة، خضعن لاختبارات المخدرات، وجاءت نتائجهن "إيجابية"، بعد تنظيمهن لوقفات احتجاجية، ضد بعض ممارسات "وزارة التربية والتعليم".
عمال مصر: سجناء لقمة العيش
09-05-2024
وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على تطبيق هذا القانون، استمر تنفيذه، ما أدى إلى فصل الآلاف من العمال، الذين نظم بعضهم وقفات احتجاجية أمام "نقابة الصحافيين". وعلى إثر ذلك، تمّ إلقاء القبض على المشارٍكين لمدة يومين، ثم الإفراج عنهم بعد وساطات من أحزاب وشخصيات عامة، وذلك بعد تحرير محاضر لهم بتهم التجمهر، على الرغم من أنهم كانوا قد أرسلوا إخطاراً رسمياً إلى قسم الشرطة، في "قصر النيل" بتوقيت الوقفة.
جاءت نتائج اختبارات المخدرات التي أجريت على عدد من القيادات النقابية، الذين شاركوا في الإضراب، "إيجابية"، على الرغم من أن الجميع يعرف نشاطهم في الدفاع عن حقوق العمال، ورفضهم لتناول المخدرات، وعلى الرغم من تقديمهم تظلمات لإعادة إجراء الاختبار، لكنها رُفضت، وصدرت قرارات بفصلهم من العمل.
في إحدى محافظات صعيد مصر، "بني سويف"، أظهرت التحاليل أن حوالي 25 مدرِّسة، من مدارس مختلفة، خضعنَ لاختبارات المخدرات، وجاءت نتائجهن "إيجابية"، بعد تنظيمهن لوقفات احتجاجية ضد بعض ممارسات "وزارة التربية والتعليم".
يقول قيادي نقابي في "هيئة الأبنية التعليمية" إنه، وعلى الرغم من ضعف الحركة العمالية، إلا أنه كان مساهماً أساسيا في اعتصام نظمه الموظفون في تلك الهيئة على مستوى الجمهورية، وأنه بعد الانتهاء من الاعتصام، تلقى تهديداً من أحد قيادات الشركة بأنه سيُتهم بتناول المخدرات، وأن اللجنة المنوط بها إجراء التحاليل تعمل لصالح مجالس الإدارات، والتعليمات الأمنية.
انتقد المحامي "علي محروس"، المتخصص في قضايا العمال بمحافظة "المنيا"، القانون المتعلق بفصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، حيث أشار إلى أنه يفتقر إلى الشفافية، ويمنح الجهات المعنية صلاحيات واسعة يمكن استغلالها لتحقيق أهداف سياسية. وأوضح "محروس" أن عدداً من العمال لا يُمنحون حق الطعن في نتائج اختبارات المخدرات، مما يجعلهم عرضة للفصل التعسفي. وأضاف أن هذه الإجراءات صارت أداة، تُستخدم للضغط على النقابيين، الذين يناضلون من أجل تحسين ظروف العمل.
وقد اتفق محامو "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" مع "محروس"، إذ تقدموا بطعن قانوني في بعض بنود القانون، خاصة في ما يتعلق بتشكيل اللجنة المسؤولة عن فحص عينات المخدرات من مستشفى الهيئة، مشيرين إلى أن ذلك يتعارض مع القانون، الذي ينص على أن تكون اللجان تحت إشراف "وزارة الصحة"، و"صندوق علاج الإدمان".
يفتقر القانون المتعلق بفصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى الشفافية، ويمنح الجهات المعنية صلاحيات واسعة يمكن استغلالها لتحقيق أهداف سياسية. وأما اللجنة المسؤولة عن فحص عينات المخدرات، فيتعارض وضعها مع القانون، الذي ينص على أن تكون اللجان تحت إشراف "وزارة الصحة"، و"صندوق علاج الإدمان".
ومن تحول القانون إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، إلى ملاحقة النشطاء السياسيين والصحافيين، سعت الحكومة المصرية إلى منع عشرات بل مئات الصحافيين من العمل في المؤسسات المصرية من دون إعلان واضح، واضعةً قائمة بأسماء المعارضين، الذين لم ينضووا تحت جلباب المعارضة المدجَّنة، ومنعتهم من العمل أو حتى من دخول "مدينة الإنتاج الإعلامي" بأوامر أمنية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لاحقت عدداً منهم ومن بينهم الصحافية المعارِضة "رشا عزب" التي تصاعدت الملاحقة الأمنية لها خلال الفترة الماضية، حيث تتعرض لحملة من المضايقات المستمرة، مما جعلها واحدة من أبرز الصحافيين، الذين يواجهون صعوبات كبيرة في أداء مهامهم الصحافية في مصر.
أنا أقف خلف "رشا عزب"
08-03-2022
الصحافيات في مصر.. صراعات البقاء ورهانات المستقبل
16-03-2023
تعد "رشا عزب" واحدة من الصحافيات اللواتي اشتهرن بتناول قضايا حقوق الإنسان والنضال النسوي في مصر، حيث كانت دائماً حريصة على تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون المصريون في مجالات عدة، من مثل: حقوق المرأة، والعدالة الاجتماعية، وحرية التعبير، وقد تسببت مواقفها هذه في أن تكون هدفاً لسلطات الأمن، التي تسعى إلى فرض رقابة مشددة، على الصحافة وعلى منظمات المجتمع المدني، التي تنتقد ممارسات السلطة.
بدأت المضايقات ضد "عزب" في الأشهر الأخيرة تأخذ منحى تصعيدياً خطيراً، حيث أكدت الصحافية في تصريحاتها أن حياتها قد صارت مهددة بشكل مستمر، وأنها تعرضت لمراقبة غير قانونية من قبل سيارات مجهولة تلاحقها بشكل يومي، كما أضافت أنها صارت تشعر بأن كل خطوة تخطوها تقع تحت المجهر، وهو ما جعلها تعيش في حالٍ من القلق الدائم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصلت المضايقات إلى حد تعرض سيارتها للسرقة، في حادثة أثارت كثيراً من الجدل في الأوساط الصحافية والحقوقية.
تصاعدت الملاحقة الأمنية للصحافية المعارِضة "رشا عزب"، بسبب مقالاتها الجريئة، التي تتناول قضايا حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. وهي تتعرض لمضايقات مستمرة، مما جعلها واحدة من أبرز الصحافيين، الذين يواجهون صعوبات كبيرة في أداء مهامهم الصحافية. وأكدت الصحافية أن حياتها قد صارت مهددة بشكل مستمر، وأنها تعرضت لمراقبة غير قانونية، من قبل سيارات مجهولة تلاحقها بشكل يومي.
ما دفع "عزب" لتقديم بلاغ للنائب العام من خلال "نقابة الصحافيين"، التي أعلنت عن تضامنها مع "رشا"، وتقدمت بشكوى هي أيضاً لـ"وزارة الداخلية"، مطالبة بالتوقف عن ملاحقتها. وأعلنت عددٌ من الهيئات الدولية عن تضامنها مع الصحافية ، من بينها "الاتحاد الدولي للصحافيين"، و"هيومان رايتس واتش"، و"مجموعة صحافيات مصريات"، ومئات من الصحافيين والشخصيات العامة. وهذه الحملة ضد "رشا عزب" ليست حادثة معزولة، ففي الفترة الأخيرة، تكثفت محاولات إسكات الأصوات الناقدة عبر وسائل متعددة مثل الملاحقة الأمنية، وحظر دخول الصحافيين إلى بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة، بالإضافة إلى تعرضهم للمضايقات القضائية، ومنها التحقيقات الأمنية والاعتقالات.
"رشا عزب" - التي تعد واحدة من أبرز الوجوه الصحافية في مصر - كانت قد تعرضت في وقت سابق لانتقادات من بعض الجهات الحكومية، بسبب مقالاتها الجريئة، التي تناولت فيها قضايا حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. وعلى الرغم من أنها تعمل في مؤسسات إعلامية معروفة، إلا أن نشرها لقصص تحقيقات تتعلق بقضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، اعتُبر تهديداً للجهات الرسمية، التي تسعى إلى إخفاء هذه الحقائق عن الرأي العام.