مبنى قبة قناة السويس: من إرث تاريخي إلى فندق سياحي؟

خلال السنوات الأخيرة، تعرضت الدولة المصرية لانتقادات متزايدة بسبب تعاملها مع الآثار، سواء نتيجة عمليات الترميم غير المناسبة أو هدم المواقع التاريخية لتنفيذ مشروعات “قومية”.
2024-10-31

شارك

في قلب مدينة بورسعيد، إحدى مدن قناة السويس، يقع مبنى إرشاد هيئة قناة السويس، المعروف بـ “مبنى القبة” التاريخي، الذي أثير الجدل حول مصيره في الآونة الأخيرة. يعود سبب الجدل إلى تداول أنباء تفيد بتحويله إلى فندق وقاعة أفراح، بعد إخلائه تمامًا العام الماضي في إطار عمليات تطوير بدأت منذ عام 2019 ولم تكتمل حتى الآن دون إعلان أسباب واضحة.

يعود تاريخ مبنى قناة السويس إلى عام 1867، إذ شُيّد في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، بقرار مباشر، بهدف إرشاد السفن العابرة للمجرى الملاحي، تم تشييد المبنى على يد الشركة الفرنسية “إدموند كونييه للمقاولات” وجاء البناء مزيجًا بين الطراز الإسلامي والأوروبي. رفع على المبنى علم مصر لأول مرة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب قرار تأميم القناة لتصبح شركة مساهمة مصرية. ويقع المبنى بالقرب من المدخل الشمالي للقناة، ويعتبر من معالم مدينة بورسعيد ومسجل كمبنى أثري ضمن مباني أخرى بالمدينة وتشغله هيئة قناة السويس.

عام2019، أصدرت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية قرارًا بالموافقة على مشروع ترميم وصيانة مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد “مبنى القبة” تحت إشراف المنطقة المختصة وقطاع المشروعات بوزارة السياحة والآثار، واستمرت أعمال الترميم  حتى شهر أكتوبر 2022،  إذ قرر رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، بإنهاء التعاقد مع شركة المقاولين العرب المنفذة لأعمال الترميم في سبتمبر 2022.

نظرًا لعدم استكمال أغلب أعمال الترميم، سواء الإنشائية أو المعمارية أو أعمال الترميم الدقيق، حذر المجلس الأعلى للآثار من خطورة هذا التأخير. وقد أشار إلى طبيعة البيئة الساحلية في بورسعيد وموسم هطول الأمطار، حيث لوحظ عبر المتابعة الدورية وجود بعض الأضرار نتيجة توقف الترميم. من بين هذه الأضرار، تعرضت أرضية الممر الخشبي في الدور الأول بالجهة الشرقية للجناح الشمالي لتلف نتيجة تسرب مياه من وحدة تبريد، مما أدى إلى تلف الأخشاب وتسرب المياه إلى أرضية الصبة في الدور الأرضي.

كما أظهرت المتابعة آثار تسرب مياه الأمطار داخل القبة الجنوبية، بسبب عدم اكتمال ترميم البلاطات الخزفية، مما قد يتسبب في تلف أعمال الترميم السابقة. إضافة إلى ذلك، تضررت معظم أسقف الممرات الخارجية نتيجة تشبعها بالماء، بسبب عدم استكمال أعمال العزل، خاصة في الجناح الشمالي.

وقد جاءت هذه التفاصيل ضمن الدعوى القضائية التي أقامها مركز ابن أيوب للدفاع عن الحقوق والحريات، رقم 185 لسنة 13 ق، والتي حصلت زاوية ثالثة على نسخة منها. الدعوى موجهة ضد كل من رئيس هيئة قناة السويس، ووزير الآثار والسياحة، وأمين عام المجلس الأعلى للآثار، وغيرهم من المسؤولين، مطالبة بوقف القرار السلبي المتعلق بتعطيل أعمال الترميم والصيانة للمبنى. وقد تم تحديد جلسة للنظر في الشق العاجل يوم 21 أكتوبر الجاري.

في تعليقه على الدعوى، أوضح علي أيوب، المحامي بالنقض، لـ”زاوية ثالثة” أن مبنى قناة السويس يعد مبنى أثريًا مسجلًا في قائمة الآثار الإسلامية والقبطية بموجب القرار رقم 229 لسنة 1997، الصادر عن وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للآثار بتاريخ 16 يوليو 1997، والمنشور في العدد التاسع من جريدة الوقائع المصرية في 11 يناير 1998.

يتابع علي أيوب قائلاً: “يتطلب هذا الأمر موافقة وزارة الآثار لإشرافها على أعمال الترميم، بهدف الحفاظ على الطابع التاريخي للمبنى.” وأوضح أن هيئة قناة السويس قد أسندت أعمال التطوير إلى شركة المقاولون العرب بتكلفة تجاوزت 420 مليون جنيه مصري، حيث تم دفع 50% من قيمة التعاقد. وأضاف أن المشهد الحالي للمبنى يُعد تشويهًا وليس تطويرًا للصرح التاريخي.

مقالات ذات صلة

وأشار المحامي إلى أن ما تعرض له المبنى يعد انتهاكًا للمادة 20 من قانون الآثار، ويستلزم العقوبة وفقًا للمادة 43 من نفس القانون. إذ أن المبنى أُخلي منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم تبدأ حتى الآن أعمال الترميم، كما تم الإعلان بشكل غير رسمي عن تخصيص المبنى التاريخي، بما في ذلك الأرصفة والمجرى الملاحي، لإحدى الشركات الاستثمارية (شركة مكسيم)، ما يُعد مخالفة صريحة للقانون، مؤكدًا أن توقف أعمال الترميم لأكثر من عام يهدد المبنى بالانهيار.

وتنص المادة 43 من الدستور المصري على أن الدولة ملزمة بحماية قناة السويس وتنميتها، بصفتها ممرًا مائيًا دوليًا مملوكًا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة كمركز اقتصادي متميز. بينما تؤكد المادة 47 على ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية المتنوعة.

وتشير المادة 50 من الدستور إلى أن التراث الحضاري والثقافي لمصر، بجميع مراحله وتنوعاته، يعد ثروة قومية وإنسانية، ويتعين على الدولة حمايته وصيانته. كما يعتبر الاعتداء على هذا التراث جريمة يعاقب عليها القانون.

بلاغ إلى اليونسكو

تقدم النائب أحمد فرغلي، عضو مجلس النواب عن محافظة بورسعيد، في السابع من أكتوبر الجاري ببيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير السياحة والآثار ورئيس هيئة قناة السويس، بخصوص إخلاء مبنى “القبة” التاريخي لهيئة قناة السويس منذ أغسطس 2023 بحجة التطوير، والتأخير المستمر في استكمال أعمال الترميم حتى الآن. أعرب النائب عن قلقه من تشويه المبنى بدلاً من تطويره، مخالفًا بذلك المادة 20 من قانون الآثار.

وفي حديثه إلى “زاوية ثالثة”، أوضح فرغلي أن أعمال الترميم لم تبدأ بعد، مشيرًا إلى تخصيص غير رسمي للمبنى وملحقاته لشركة مكسيم الاستثمارية، وهو ما يعد مخالفة للقانون في حال ثبوت صحته. وطالب بتوضيح موقف العقد المبرم مع شركة المقاولون العرب، والشرعية القانونية لتعامل شركة مكسيم مع المبنى.

كما دعا إلى الإفصاح عن الأسباب وراء إخلاء المبنى وإهدار المال العام في عمليات نقل الأقسام إلى مناطق متفرقة، مما أثر سلبًا على سير العمل في المجرى الملاحي، نتيجة لتباعد الخدمات عن بعضها.

تجدر الإشارة إلى أنه في نوفمبر 2020، أبرمت هيئة قناة السويس اتفاقًا مع شركة مكسيم لتطوير وإدارة وتشغيل المرافق الملحقة باستراحة “ديليسبس”، بهدف تحويلها إلى فندق عالمي. وبموجب هذا الاتفاق، تمنح الهيئة حق الانتفاع لشركة مكسيم، التي تتولى تطوير المباني وتحويلها إلى “بوتيك أوتيل”.

في السياق ذاته، قدم مركز التراث والتنسيق الحضاري في بورسعيد، برئاسة أشرف السويسي، في الثالث من أكتوبر 2024، خطابين إلى وزارة السياحة والآثار ومنظمة اليونسكو، مطالبًا بفتح تحقيق في ما وصفه بإهدار الأثر التاريخي لمبنى “القبة” وتعريضه للتدمير، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال، في إشارة إلى محافظ بورسعيد السابق اللواء عادل الغضبان، ورئيس هيئة قناة السويس الحالي الفريق أسامة ربيع.

فندق سياحي

ترددت أنباء حول رغبة الحكومة المصرية في بيع مبنى القبة التاريخي خلال الأيام القليلة الماضية، ما نفته هيئة قناة السويس. مؤكدة أن مشروع التطوير لن يمس بالقيمة التاريخية والمعمارية للمبنى وسيتم إعلان تفاصيل المشروع فور انتهاء دراسات الجدوى والمخطط الكامل للمشروع؛ ردًا على ما تم رصده من تساؤلات حول مشروع تطوير مبنى القبة التاريخي بهيئة قناة السويس، وادعاءات بإهدار المال العام وبيع وتأجير لأصول الهيئة.

وأكد الفريق أسامة ربيع رئيس الهيئة بأنه لا صحة لتلك الادعاءات جملة وتفصيلاً، موضحًا أن مشروع تطوير مبنى القبة التاريخي لن يمس القيمة التاريخية للمبنى، وإنما يتضمن استثمار موقعه الفريد المُطل علي القناة ليصبح وجهة سياحية وحضارية جاذبة.

في المقابل يرفض النائب أحمد الفرغلي تأجير المبنى التاريخي وتحويله إلى فندق سياحي تحت مزاعم التطوير. مشيرًا إلى أن هذا التوجه نية مبيتة لمشروع القانون الذي تقدمت به الهيئة لمجلس النواب، بإنشاء الصندوق الإستثماري لهيئة قناة السويس 2022، ويعتبر بمثابة بداية تنفيذ خصخصة شركات وأصول الهيئة بالمخالفة للقانون والدستور، بحسب وصفه.

من جهة أخرى، يرى إسلام عبد المجيد – المحامي بالنقض- أن مبنى القبة التاريخي لابد أن تستكمل أعمال ترميمه نظرًا لوضع المبنى الحالي ووفقًا لتقرير الهيئة العامة للآثار. مؤكدًا عدم معارضته لتحويل المبنى إلى فندق سياحي من منطلق إعادة استغلال والاستثمار في الأماكن الأثرية؛ ما يساهم في تنشيط السياحة في محافظة بورسعيد التي تفتقر الفنادق الفاخرة. مشيرًا إلى أن الأزمة ليست في استغلال المبنى التاريخي كما حدث في قلعة صلاح الدين الأيوبي وإنما في تضرر المبنى نتيجة عدم اكتمال أعمال الترميم والتطوير.

وأشار عبد المجيد، في تصريحاته لـ”زاوية ثالثة”، إلى ضرورة أن تعود عوائد الاستثمار في المبنى بالنفع على المدينة، عبر مشاريع تنموية. وأوضح أن توقف عمليات الترميم يعود إلى رغبة الهيئة في إسناد تطوير المبنى إلى شركة استثمارية تعمل على استغلاله بشكل سياحي.

في أغسطس من عام 2022، ترددت أنباء مشابهة حول بيع مبنى القبة التاريخي، ما نفاه مؤمن عثمان – رئيس قطاع المتاحف-، إذ نفى صدور أي قرار بتحويل مبنى القبة بمحافظة السويس لفندق سياحي، موضحًا أن المبنى مسجل في تعداد الآثار الإسلامية منذ عام 2005، والمبنى في الأساس تابع لهيئة قناة السويس.

إعادة استغلال للآثار

توجهت الحكومة المصرية مؤخرًا نحو إعادة استغلال العديد من الأماكن الأثرية، حيث تم تحويل عشرات القصور إلى مبانٍ مدرسية أو قاعات أفراح. من أبرز الأمثلة قصر الأمير محمد علي بالمنيل الذي خُصص جزء منه كقاعة أفراح، وقصر البارون الذي يُستخدم الآن لإقامة الحفلات والمناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى قلعة صلاح الدين التي تُستغل لإقامة حفلات زفاف ومناسبات خاصة.

وفي هذا السياق، يقول المهندس المعماري عمرو أبو طويلة، المتخصص في إعادة استخدام المباني الأثرية، أن المشكلة تكمن في عدم توفر الموارد المالية الكافية لدى الدولة لترميم الآثار. وأضاف أن وزارة الآثار نادرًا ما تقوم بعمليات الترميم بنفسها، حيث تعتمد غالبًا على منح دولية مخصصة لهذا الغرض.

وأوضح في حديثه لـ”زاوية ثالثة” أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة ونقص العملة الأجنبية دفع الحكومة إلى استغلال السياحة كوسيلة لجلب العملة، وهو ما يفسر توجهها لإعادة استخدام الأماكن الأثرية. ورغم أن هذا القرار قد يكون صائبًا في بعض الأحيان، إلا أن بعض القرارات قد تكون متسرعة وغير مدروسة بشكل كافٍ. وأشار إلى أن إعادة استغلال المباني الأثرية يمكن أن ينعش السياحة ويجلب العملة الأجنبية، شريطة أن تتم مع الحفاظ على هذه الأماكن.

وأضاف أبو طويلة: “لا أعترض على استخدام الآثار كمصدر للدخل، أو تحويلها إلى وجهات سياحية للحفلات، لكن يجب أن يسبق التنفيذ دراسة وتخطيط محكم. وينطبق ذلك على مبنى قبة قناة السويس الذي يُخطط لتحويله إلى فندق، وكذلك مجمع التحرير. يجب دراسة طبيعة كل مبنى ونوع العمارة والاستخدام المناسب له ولبيئته قبل اتخاذ أي قرار، ولكن للأسف هذه الاستراتيجية لا تُطبق بشكل كافٍ.”

خلال السنوات الأخيرة، تعرضت الدولة المصرية لانتقادات متزايدة بسبب تعاملها مع الآثار، سواء نتيجة عمليات الترميم غير المناسبة أو هدم المواقع التاريخية لتنفيذ مشروعات “قومية”. من بين هذه الانتقادات ما يتعلق بهدم مقابر القاهرة التاريخية، رغم أن أكثر من 30 مقبرة مسجلة ضمن قائمة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. ورغم تشكيل لجنة للبت في هدم بعض المدافن المدرجة ضمن “الطراز المعماري المميز”، لا تزال عمليات الهدم مستمرة.

بدأت أزمة هدم المقابر التاريخية في عام 2021 عندما أعلنت السلطات عن خطط لتطوير محور صلاح سالم، مما أدى إلى إزالة بعض المدافن المجاورة. وفي أغسطس الماضي، صرح نائب محافظ القاهرة بأنه تم إخلاء 1171 مقبرة و49 مدفنًا بالقرب من باب النصر في شارع البنهاوي، لبناء جراج متعدد الطوابق. كما أصدر محافظ القاهرة قرارًا حديثًا يحمل رقم 1117 لسنة 2024، يقضي بإيقاف الدفن في تلك المقابر ونقل الرفات إلى مواقع بديلة.

مقالات من العالم العربي

كم طفلاً؟!

2024-10-31

على قدر الألم الذي يعتصر القلب من رؤية مشاهد موت 18 ألف طفل أمام أعيننا، إلا أن في رؤيتهم في شريط الفيديو سالمين، باسِمين، أحياء، أصحّاء، ما يؤلم أكثر وأعمق....