كم طفلاً؟!

على قدر الألم الذي يعتصر القلب من رؤية مشاهد موت 18 ألف طفل أمام أعيننا، إلا أن في رؤيتهم في شريط الفيديو سالمين، باسِمين، أحياء، أصحّاء، ما يؤلم أكثر وأعمق. إنه الشعور القاصِم للظهر بأنّ كل هذه الأجساد الصغيرة، الطرية، والممتلئة شوقاً للحياة واللعب والغد المليء بالاحتمالات... قد سُرقت منا بلا رجعة. وعلينا أن نعاهد أنفسنا الآن: لن ننسى ولن نسامح.
2024-10-31

شارك
في لحظة نادرة وسط الإبادة، تسنى للأطفال النازحين في دير البلح بغزة مشاهدة بعض أفلام الأطفال على شاشة قماشية، فأضاءت وجوههم بشيء من فرح. (الصورة للمصور محمود أبو حمدة عن صفحته على انستغرام).
إعداد وتحرير: صباح جلّول

في ملصقٍ قديم صادر عن الإعلام الموحَّد لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1976، وموجود في أرشيف "المتحف الفلسطيني الرقمي"، رسمٌ لثلاثة آلاف إنسان متراصّين على صفحةٍ واحدة، مذيّل بجملة وحيدة: "انظر.. هؤلاء هم ثلاثة آلاف. إنهم شهداء تلّ الزعتر". يتبادر الملصق إلى الذهن حين نقرأ اليوم الخبر كما يلي: "على مدار أكثر من عام كامل، قتل الاحتلال نحو 18 ألف طفل خلال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة". هؤلاء أطفال رأينا عدداً ليس بهيّن منهم يُقتل أمام عدسات الكاميرات، يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام أعيننا وأعين العالَم، ولم يمرّ يومٌ واحدٌ منذ أكثر من عامٍ كامل لم نرَ فيه جسداً صغيراً مسجّىً أو ممزّقاً.. ثمّ يطلع صباح يومٍ جديد، واعداً بمزيدٍ من موتهم.

18 ألفاً، ما مِن ملصَق سيتسع لأجسادهم مهما بلغ صغرها... "انظروا.. هؤلاء 18 ألفاً. إنهم شهداء غزّة الأطفال"...

انظروا، أو لا تنظروا. لا فرق، فمقتلة غزّة مستمرة. بل أننا كلّما أمعنّا النظر، ازداد عدد الشهداء، من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ.. وازداد وازداد حتى صار فوق كلّ خيال..

*****

شاركتْ صفحة "ساحات" الفلسطينية على منصة انستغرام الفيديو التالي. على خلفية انفجارٍ ودمارٍ ونار، نرى شريطاً من صور وجوه أطفال غزة، أطفالنا المسروقين منا. على قدر الألم الذي يعتصر القلب من رؤية مشاهد موتهم المبكر، إلا أن في رؤيتهم سالمين، باسِمين، أحياء، أصحّاء، ما يؤلم أكثر وأعمق. إنه الشعور القاصِم للظهر بأنّ كل هذه الأجساد الصغيرة، الطرية والممتلئة شوقاً للحياة واللعب والغد المليء بالاحتمالات... قد سُرقت منا بلا رجعة. وعلينا أن نعاهد أنفسنا الآن: لن ننسى ولن نسامح.

على خلفية صورهم، موسيقى من أغنية تعلّمناها في الصغر، كانت تغنيها الطفلة ريمي بندلي، تقول "ليش ما في عنا لا أعياد ولا زينة؟ يا عالم أرضي محروقة... أرضي حريّة مسروقة. سمانا عم تحلم، وبتسأل الأيام: وين الشمس الحلوة... ورفوف الحمام؟ أرضي صغيرة... مثلي صغيرة.. ردّوا لها السلام... وأعطونا الطفولة".

فلماذا تُصنع في بلادنا أغنيات للأطفال عن الأرض المحروقة والطفولة المسروقة، ومنذ عقودٍ من الزمان، فيما يغني أطفال العالم عن الألعاب والمنتزهات والألوان والفراشات؟ مَن قتل عالَم الطفولة قبل قتل الأطفال أنفسهم؟


نحن نعرف
مَن.. لن نسامح ولن ننسى.

"معقول نسيتوا؟ نسيتوا يوسف الأشقراني وحلو وشعره كيرلي؟ نسيتوا البنت اللي عرفت أمها من شعرها؟ ونسيتوا الأولاد اللي ماتوا بدون ما ياكلوا؟ نسيتوا الطفل اللي استشهدوا كل أهله قدامه؟ بس إحنا ما نسينا ولا رح ننسى.."، تقول إحدى قصص إنستغرام للصحافي الشاب عبود بطاح.

"وجد تحليل جديد أجرته منظمة "أوكسفام" أن عدد النساء والأطفال الذين قُتلوا في غزة على يد الجيش الإسرائيلي على مدار العام الماضي أكبر منه في أي صراع آخر على مدار العقدين الماضيين".

"أصبحت غزة مقبرة لآلاف الأطفال. إنها جحيم حقيقي للجميع"، تقول اليونيسف.

مقالات ذات صلة

لكن ما فائدة تقارير الجمعيات والمنظمات طالما أن قتل الصغار والكبار مستمر. بينما تُكتب هذ السطور، تحصد آلة القتل الإسرائيلية أرواحاً صغيرة جديدة، في غزّة ولبنان. يصل خبرٌ من بين أخبار كثيرة مفاده أن عائلة كاملة بأطفالها الثلاثة قتلت في غارة إسرائيلية على بلدة الصرفند جنوبي لبنان.

إنها حربٌ على الأطفال، كما قال مراراً الدكتور غسان أبو ستة. بلى، حربٌ عليهم وعلى من سيكونون وما سيكونون إنْ كبروا، وذلك في صُلب العقلية الإبادية الإسرائيلية المجنونة، والمدعومة من أمريكا وأوروبا وغيرها من محور الإبادة العالمي، محور قتل الأطفال الذي قال يوماً على لسان مادلين أولبرايت أن موت نصف مليون طفل عراقي كان "ثمناً مناسباً" لنشر الديمقراطية الأميركية ومعاقبة العراق.

إنهم نفسهم، يفعلون ما يجيدون. وسنفعل ما نجيد: لا ننسى، لا نسامح، نقاوم.

مقالات من العالم العربي