لم تكن الأخطاء والخطايا قد تراكمت بعد. كانت البدايات مبشِّرة، والبلاد تحاول أن تبدأ عهداً جديداً بالتخلص من آثار الماضي، الذي ظلت تتنقل فيه بين أشكال متنوعة من التبعية. كانت الجمهورية التي قامت على أنقاض الملَكية تتحسس خطواتها الأولى، وكان آخر جندي من جنود الاحتلال البريطاني قد غادر الأراضي المصرية قبل شهور قليلة. لم يلتفت الناس كثيراً إلى الصراعات المكتومة بين الضباط الشبان واللواء "محمد نجيب"، التي تمّ حسمها بإقصاء "نجيب" وصعود "جمال عبد الناصر"، ثم وصوله إلى ذروة المشهد السياسي بقراره المدوّي: تأميم "شركة قناة السويس البحرية". وهو القرار الذي اختلفت حول جدواه عددٌ من الأقلام والتحليلات ووجهات النظر، ففيما ذهب البعض إلى نعته بالرعونة والتسرع، وإلى الإشارة إلى "ثمنه"، إذ اضطرت مصر إلى تأدية تعويضات للأجانب من المساهمين وحمَلة حصص التأسيس، وكانت فادحة. بينما رأى آخرون أنه كان قراراً وطنياً ثورياً وصائباً، وكانت البلاد في حاجة ماسة إليه، بشقيه السياسي والاقتصادي، والثمن الذي أدّي واجب الأداء، وأن الظرف السياسي والاقتصادي كان يستوجب ذلك القرار، بعد أن سحب البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية عرضهم بتمويل مشروع السد العالي، الذى عُقِدت عليه الآمال في إحداث طفرة زراعية واقتصادية كبيرة في البلاد .
الغُزاة
تحت ذريعة مناهضة قرار التأميم، قررت بريطانيا العودة إلى مصر من جديد، عودة خشنة وغليظة وخالية من أية محاولات للتجمل أو تسويق صور الاستعمار القديم الذي يأتي وفي جعبته وعود الازدهار والتقدم التي تحملها الأمم "المتحضرة" للأمم المغلوبة. عادت إنجلترا لاسترداد غنيمتها الثمينة، ومحاولة السيطرة على شريان القناة التي كانت تمثل طريقاً رئيسياً إلى مستعمراتها، وخشية أن يغلقها "عبد الناصر"، فيمنع تدفق البترول من الخليج العربي إلى أوروبا.
الديون كأداة إمبريالية: مثال مصر
20-02-2022
وأتت معها فرنسا، التي اعتبرت خطوة تأميم القناة تضر بمصالحها الاقتصادية، إذ كانت القناة في الأصل فكرة فرنسية بالكامل، وظلت تحت إداراتها منذ لحظة التأسيس وحتى لحظة التأميم. كما جاءت تُغذّيها الرغبة في الانتقام من مصر التي دعمت المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي دعماً غير مشروط. جاءت فرنسا هذه المرة بوجهها الاستعماري القح، ولم تكلّف نفسها أن تتجمل وراء دعاوى منتحَلة كما فعل "نابليون" سابقاً، عندما خاطب المصريين بأنهم أمة متحضرة، وأن فرنسا جاءت لتحررهم من همجية المماليك وتعيد إليهم حقوقهم المسلوبة.
فى التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956، هاجمت إسرائيل أولاً بعملية إنزال جوّي على "ممر متلا" في وسط "سيناء"، لتنفيذ الجزء الأول من المخطط الذى توافقت عليه الدول الثلاث، بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، في مدينة "سيفر" الفرنسية.
تصدت القوات المصرية للهجوم، ودارت اشتباكات عنيفة قبل أن تُصْدر إنجلترا وفرنسا إنذاراً للطرفين بوقف القتال على الفور، ومطالبتهما بالانسحاب إلى مسافة عشرة كيلو مترات بعيداً عن "قناة السويس"، وإلا ستتدخل قواتهما لتنفيذ ذلك بالقوة. وقد كُتب "الانذار" بصيغة لم يكن من الممكن لمصر قبولها.
ثم أتت معهم إسرائيل، الدولة الناشئة، التي سجلت انتصاراً حاسماً وخاطفاً على الجيوش العربية عند لحظة ميلادها، وتسعى إلى توسيع نطاق أمنها الاستراتيجي ومحاولة إجهاض أية بوادر قوة يمكن أن تحققها مصر، التي سعت إلى الحصول على السلاح من الاتحاد السوفييتي، وتشيكوسلوفاكيا، فيما بدا أنه يمكن أن يشكِّل خطراً حقيقياً عليها.
الهجوم
فى التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956، هاجمت إسرائيل أولاً بعملية إنزال جوّي على "ممر متلا" في وسط "سيناء"، لتنفيذ الجزء الأول من المخطط الذى توافقت عليه الدول الثلاث في مدينة "سيفر" الفرنسية، بحضور "غي موليه" رئيس الحكومة الفرنسية، و"أنتوني إيدن" رئيس الوزراء البريطاني، و"ديفيد بن غوريون" رئيس وزراء إسرائيل.
تصدت القوات المصرية للهجوم، ودارت اشتباكات عنيفة قبل أن تُصْدر إنجلترا وفرنسا إنذاراً للطرفين بوقف القتال على الفور، ومطالبتهما بالانسحاب إلى مسافة عشرة كيلو مترات بعيداً عن "قناة السويس"، وإلا ستتدخل قواتهما لتنفيذ ذلك بالقوة. ذلك الإنذار الذي كتب عنه محرر صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية "أن إنجلترا لا يمكن أن تتخلص أبداً من الطبيعة غير النزيهة لإنذارها الذي صيغ بحيث كان من المؤكد أن ترفضه مصر . ولم يحدث قط منذ عام 1783 أن جعلت بريطانيا العظمى نفسها مكروهة على هذا النحو من قِبَل الجميع"[1]
في اليوم التالي مباشرة، قامت الدولتان بالهجوم بدورهما على مصر بغارات خاطفة ومتلاحقة، طالت "القاهرة"، و"الإسكندرية"، ومدن القناة، وتمّ تكثيف النيران على "بور سعيد"، التي ضُربت بحراً وجواً، تمهيداً لعمليات الإنزال الجوي بالمظلات.
كان الهجوم الجوي مصحوباً بحملة نفسية مدروسة بعناية وحذر، بغرض إحداث أكبر قدر من الاضطراب والهزيمة النفسية الممكنة، كي يُصبح بعدها فعل المقاومة فعلاً "عبثياً"، فتتمكن القوات المعتدية من التقدم لتحقيق أهدافها المرسومة، وهو الهبوط في "بور سعيد"، ثم احتلال منطقة القناة بالكامل، والاستيلاء على "أبو صوير"، ثم التقدم إلى "التل الكبير" و"فايد" و"السويس".
المقاومة
في "بور سعيد"، التي كانت قد تعرضت لقصف جوي عنيف استمر خمسة أيام، مترافقاً مع عمليات إنزال جوي وقصف بحري، بغرض إنهاكها، كي تصير نقطة الانطلاق إلى بقية المواقع، قرر الأهالي منذ اللحظة الأولى أنه ليس ثمة طريق إلا المقاومة. بدت المقاومة خياراً أولياً لا يحتمل المساومة أو التسويف. وبدت معها الحرب النفسية التي شنها العدو، وكأنها كانت حافزاً إضافيّاً إلى فعل المقاومة وليس العكس.
في اليوم التالي مباشرة، قامت الدولتان بالهجوم بدورهما على مصر بغارات خاطفة ومتلاحقة، طالت "القاهرة"، و"الإسكندرية"، ومدن القناة، وتمّ تكثيف النيران على "بور سعيد"، التي ضُربت بحراً وجواً، تمهيداً لعمليات الإنزال الجوي بالمظلات. حاول أبناء المدينة، بالتعاون مع رجال الجيش، صد العدوان لمنعه من اجتياحها، فلم تنجح جهودهم، ووقع الاحتلال بالفعل.
على الفور، تشكلت مجموعات من لجان المقاومة، جرى دمجها في لجنة واحدة، سُمِّيت "جبهة المقاومة الشعبية المتحدة ببور سعيد". ثم ظهر حينها ما عُرف باسم "الهاتاشاما"، وهي حركة مقاومة منظَّمة ركزت جهودها في كتابة وطباعة المنشورات التي كان يتم توزيعها على أهالي "بور سعيد"، والتي اشترك في صياغتها مجموعة من شعراء وأدباء المدينة.
حاول أبناء المدينة، بالتعاون مع رجال الجيش، صد العدوان لمنعه من اجتياحها، فلم تنجح جهودهم، ووقع الاحتلال بالفعل. وعلى الفور تشكلت مجموعات من لجان المقاومة، جرى دمجها في لجنة واحدة، سُمِّيت "جبهة المقاومة الشعبية المتحدة ببور سعيد". ثم ظهر حينها ما عُرف باسم "الهاتاشاما"[2]، وهي حركة مقاومة منظَّمة ركزت جهودها في كتابة وطباعة المنشورات التي كان يتم توزيعها على أهالي "بور سعيد"، والتي اشترك في صياغتها مجموعة من شعراء وأدباء المدينة. عمدت منشورات "الهاتاشاما" إلى شن حملة نفسيه مضادة على العدو، وحث الأهالي على بذل أقصى ما يستطيعون من جهد في مقاومة الاحتلال، وتحذيرهم من إلقاء السلاح، ودعوتهم إلى توسيع دائرة المقاومة وضم كل من يستطيعون ضمه من الأقارب والجيران. كتبت "الأوبزرفر" البريطانية التي كانت قد اتخذت موقفاً معارضاً للحرب منذ البداية "أن بور سعيد قد تحولت إلى قبلة للمتمردين في العالم، فالشباب هناك يصطادون المظليين البريطانيين ببنادق عتيقة، والنساء والرجال حوّلوا شوارع المدينة إلى بحر من الدماء. وعلى الرغم من أن القوات البريطانية قد قتلت المئات من المصريين، إلا أن بورسعيد توشك أن تتحول إلى دولة عظمى، إذا نجحت في كسر جيوش بريطانيا وفرنسا معاً... وبسلاح قديم أيضاً".
جواد حسني
في زخم تلك البطولات التي قدمتها المدينة، جاء "جواد حسني" الذي ولد قبل 21 عاماً في قرية "كوم البصل" في مركز "أبي حمص"، في محافظة "البحيرة"، لأب يعمل في السلك الدبلوماسي، قبل أن ينتقل إلى العيش في حي "غاردن سيتي" في القاهرة.. جاء "جواد" متطوعاً لمقاومة العدوان مع مجموعة من زملائه فيما عُرف حينها بـ"الحرس الوطني". كان ساعتها لا يزال طالباً في السنة النهائية في كلية الحقوق "جامعة القاهرة". وعندما وصلت مجموعته إلى منطقة القناة تمترسوا في مواقعهم حتى مساء الجمعة 16 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1956، عندما تواترت أنباء عن وصول بعض قطع البحرية المغيرة، التي قامت بإنزال قوات من الـ"كوماندوز" بالقرب من السويس، كي تصل إلى بور سعيد لمواجهة المقاومة الشرسة لأهالي المدينة.
خرج جواد مع مجموعته لاستطلاع الأمر، وتوغلوا داخل "سيناء"، فقابلتهم دورية إسرائيلية كانت مرابطة عند الكيلو 39 في طريق "الكاب" شرقي قناة السويس، فاشتبكوا معها وأطلقوا رصاص رشاشاتهم عليهم، فأصيب "جواد" برصاصة في كتفه الأيسر. تقدم منه زملاؤه وضمدوا جرحه وطالبوه بالعودة إلى القاهرة، على أن يستكملوا المهمة وحدهم ، لكنه رفض العودة، وتعهد بحمايتهم بنيران رشاشه أثناء تقدمهم.
كتبت "الأوبزرفر" البريطانية المناهضة للحرب: "تحولت بور سعيد إلى قبلة للمتمرِدين في العالم، والشباب هناك يصطادون المظليين البريطانيين ببنادق عتيقة، والنساء والرجال حوّلوا شوارع المدينة إلى بحر من الدماء. وعلى الرغم من أن القوات البريطانية قتلت المئات من المصريين، إلا أن بورسعيد توشك أن تتحول إلى دولة عظمى، إذا نجحت في كسر جيوش بريطانيا وفرنسا معاً... وبسلاح قديم أيضاً".
كتب "جواد حسني" بدمه على حائط الزنزانة: "أُسرت يوم 16 نوفمبر 1956، إذ أغمى عليَّ قرب القنال متأثراً بجروحي التي أصابني بها الإسرائيليون قرب "العريش". أخذني الفرنسيون إلى "بور سعيد" للاستجواب، ثم إلى "بور فؤاد"، ثم إلى هنا في 23 نوفمبر 1956..". وقام بالتوقيع: "جواد حسني، قائد فدائي، كتيبة كلية الحقوق، جامعة القاهرة".وكان في الواحد والعشرين من عمره.
تحرك جواد مع رفاقه، وواصلوا التقدم نحو الضفة الشرقية التي احتلتها القوات الفرنسية، وهناك فتحوا عليهم نيران مدفع سريع الطلقات ( 600 طلقة في الدقيقة)، فظنت القوات الفرنسية من فرط كثافة النيران أنها بصدد مواجهة كتيبة كاملة، واستلزم الأمر منهم طلب مدد لنجدتهم. وعندما تقدموا في اتجاه "جواد" ظل يقذفهم بنيران مدفعه حتى أصيب فسقط مغشياً عليه. تقدم نحوه الفرنسيون بحذر وهم يتصورون أن سقوطه مجرد كمين لاصطيادهم، ولكن الدماء الغزيرة التي كان قد نزفها جعلتهم يتأكدون من سقوطه. وعندما وصلوا إليه كان يحتضن مدفعه، ويمسك بيده قنبلة شديدة الانفجار، كان قد عجز عن إلقائها بعد أن خارت قواه.
من هو "حامد"؟
16-09-2021
عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ
18-04-2024
قام قائد القوات الفرنسية بمحاولة استجوابه لمعرفة أية معلومات عن رفاقه.. عددهم وتسليحهم وأماكن تواجدهم. ولكن "جواد" رفض الإجابة. كانت جراحه لا تزال تنزف وقد تعرض لتعذيب وحشي لانتزاع اعترافاته بلا جدوى. وفي واحدة من ساعات الهدنة التي تركه فيها العدو داخل محبسه، كتب "جواد" بدمه على حائط الزنزانة: "أسرت يوم 16 نوفمبر 1956، إذ أغمى عليَّ قرب القنال متأثراً بجروحي التي أصابني بها الإسرائيليون قرب "العريش". أخذني الفرنسيون إلى "بور سعيد" للاستجواب، ثم إلى "بور فؤاد"، ثم إلى هنا في 23 نوفمبر 1956..". وقام بالتوقيع: "جواد حسني، قائد فدائي، كتيبة كلية الحقوق جامعة القاهرة".
في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر قام قائد القوة الفرنسية بإخراج "جواد" من حجرة الأسرى، وأوهمه أنه قد أطلق سراحه، وأمره بالانصراف. وعندما ابتعد خطوات قليلة قامت القوات الفرنسية بإطلاق الرصاص عليه فسقط على الفور، فحمله الجنود ثم ألقوا بجثمانه في عرض البحر! ساعتها قدّم هذا القائد الفرنسي النموذج العاري لانعدام شرف العسكرية، وهو يُقدِم على قتل أسير أعزل رفض خيانة وطنه، ليصبح ذلك القائد عنواناً دامغاً على ذلك الفصل من العدوان بتمامه.
سمح الظرف السياسي والدولي حينها بنزع فتيل الأزمة في زمن قصير نسبياَ. فعلاوة على أن الولايات المتحدة لم تكن "سعيدة" بذلك العدوان الذي أقدمت عليه بريطانيا الحليفة، من غير رغبة ومعرفة من "البيت الأبيض"، جاء الإنذار السوفيتي للدول المعتدية بالانسحاب على الفور.
مات "جواد"، ولكن المقاومة بقيت مستمرة في "بور سعيد". المقاومة التي بيّضت وجه النظام وردت للوطن اعتباره بعد الهزيمة العسكرية المدوية التي فرضها بطبيعة الحال اختلال ميزان القوة بين مصر -الدولة التي كانت لا تزال تتحسس موضع أقدامها في التسليح وبناء الجيش - والدول الثلاث المعتدية معاً، بحيث لا يمكن الحكم على مصير ذلك العدوان أو المدة التي كان يمكن أن يحتل فيها البلاد أو الأهداف التي كان يمكنه أن ينجح في تحقيقها، بغير اعتبار وجود هذه المقاومة الشرسة والمنظمة والمتفانية، التي وضعت نفسها طرفاً أصيلاً وفاعلاً في معادلة الحرب.
يقول فيلم وثائقي، أنتجته شبكة "بي بي سي" عن العدوان الثلاثي: "حسم المصريون المعركة. قاتلوا بسلاح قديم من شارع إلى شارع ضد أقوى جيوش العالم وقتها، وابتكروا تكتيكات عسكرية جديدة ارتجلوها في ساحة الحرب". فيما نشرت الصحف البريطانية عن مصادرها في المخابرات: "أن أجهزتنا أصيبت بالشلل في كل ما يتعلق بأرض المعركة". ومع تزايد أعداد القتلى، خرجت عدد من المظاهرات في لندن وباريس، ونظّمت عدد من أسر الجنود مظاهرات مطالبة بوقف الحرب، وطالب الأهالي بعودة الجنود "قبل أن يقتلهم المصريون".[3]
ثم أنه لا بد من التأكيد على أن الظرف السياسي والدولي حينها سمح بنزع فتيل الأزمة في زمن قصير نسبياَ. فعلاوة على أن الولايات المتحدة لم تكن "سعيدة" بذلك العدوان الذي أقدمت عليه بريطانيا الحليفة من غير رغبة ومعرفة من "البيت الأبيض"، جاء الإنذار السوفيتي للدول المعتدية بالانسحاب على الفور. فقد " كانت موسكو تسعى إلى توازن ما بينها وبين أعدائها، وهذا يبدو ثميناً إزاء الاختلال الفاضح اليوم"[4]. اختلال يدفعنا إلى التساؤل عن السيناريو الذى كان يمكن أن يحدث لو كان هذا العدوان قد حدث الآن .. وفي ظل التواطؤ الذى نشهد تجلياته المحزنة، والعالم يغض الطرف غير آبه للمجازر والإبادات التي تفقأ عين الإنسانية كل يوم في غزة ثم في لبنان. وبعد أن صارت "أوروبا تُحكم من قبل مهرجين تافهين لم يعودوا يحترمون – ولو شكلاً – المفردات الكلامية والعملية التي بنيت عليها "أمجاد" إمبراطورياتها وعصر أنوارها"[5]
ثم أن ثمة خللاً آخر، قد طرأ في التعاطي مع فكرة المقاومة نفسها، وهو تحوّل مبدأ المقاومة لدى كثيرين من عقيدة متمكنة وراسخة في الوجدان الشعبي، لا تحتمل المقايضة أو التراجع، وأصل من أصول التحرر التي تقتضي دفع ثمن فادح بالضرورة، إلى "وجهة نظر" تحتمل التأويل والاختلاف.
بعد مرور ثمانية وستون عاماً على العدوان الثلاثي، قمتُ بسؤال عدد كبير من الدائرة المحيطة عن "جواد حسني"، فذكر الجميع اسم القرية التي شهدت مولده، والتي تمّ تغيير اسمها كي تحمل اسمه! وعندما كررتُ السؤال، موضّحاً أنني أعنى الشخص وليس المكان، لم أجد بينهم من يتذكر تفاصيلَ عن ذلك الشاب، الذي عاش بشكل خاطف، وإنْ كان مكثّفاً.
- https://www.theguardian.com/news/2016/nov/06/from-the-observer-archive- "this-week-in-1956" ↑
- مختصر ادماجي لعدة كلمات، وشعاره "سنقاوم، سنقاوم". وعُرف حينها أن الصين الشعبية قررت ارسال متطوعين للقتال مع المقاومة، وهو ما أجج الحماسة العامة. ↑
-
https://www.youtube.com/watch?v=ETOUAL- The Other Side of Suez
↑ - - https://assafirarabi.com/ar/61346/2024/09/26 نهلة الشهال. ↑
- "السفير العربي"، المرجع السابق. ↑