حدث فجر الأحد 13 تشرين الأول/ أكتوبر في محافظة "المنيا"، أن تصادم قطار النوم القادم من "أسوان" إلى "القاهرة" مع قطار آخر، ونتج عن التصادم سقوط عربتي قطار في ترعة "الإبراهيمية". الإصابات كثيرة، وهناك مفقودون غرقاً في الترعة!
حادث قطار مأساوي جديد، يضاف إلى سلسلة طويلة من الكوارث المماثلة، التي ارتبطت بها دوماً السكك الحديدية في مصر. قبل شهر من ذلك، في 14 أيلول/ سبتمبر، جرح حوالي 50 راكباً، وتوفي أربعة ركاب إثر تصادم حدث بين قطارين في مدينة "الزقازيق"، في محافظة "الشرقية" الواقعة في الجانب الشرقي من "دلتا النيل".
انحطاط بلا قعر في البهية أم الدنيا.. مصر
28-02-2019
قطارات الفقراء... المصريون على دروب الموت
02-05-2021
صار من المعتاد تكرار مثل هذه الحوادث. وعلى الرغم من الإعلانات الحكومية المتكررة عن خطط تهدف إلى "التطوير"، إلا أنها لم تتمكن بعد من وقف هذا النزيف المتواصل، الذي بدأ منذ عهد الرئيس الأسبق "مبارك". ففي عام 2002، شهدت منطقة "العياط" في محافظة "الجيزة"، الحدث الأصعب في تاريخ "السكة الحديدية" والمعروف بكارثة "قطار الصعيد"، عندما اندلعت النيران في عدد من عربات قطار الركاب المتّجه من "القاهرة" إلى "أسوان"، وقد وصل عدد الضحايا حينها إلى أكثر من 350 مسافراً. ووفقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة عن "جهاز التعبئة والإحصاء"، فإن العام 2009 قد استحوذ على العدد الأكبر من الحوادث، بمعدل 1577 حادثاً، كان أبرزها وقوع فاجعة جديدة في المنطقة نفسها، "العياط"، نتيجة تصادم قطارين، مما أودى بحياة 30 راكباً وإصابة آخرين.
وغالباً ما يلجأ المسؤولون ومعهم المقربون من السلطة، إلى تبرير مثل هذه الكوارث، بإلقاء اللوم على العنصر البشري والأخطاء الفردية، من دون الخوض في الجذور الفعلية للمشكلة.
تلعب سكك حديد مصر دوراً حيوياً في ربط المحافظات والمدن ببعضها البعض، كما أنها تعتبر من أقدم وأكبر مؤسسات النقل في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تأسست الهيئة في عام 1854 مع افتتاح أول خط سكك حديدية بين "القاهرة" و"الإسكندرية". يبلغ طول السكك حوالي 9 آلاف و570 كلم، وتخدم 23 محافظة، إلى جانب وجود 705 محطات.
نحو "العسكرة"
على غرار قطاعات أخرى سيطر عليها العسكريون، وعقب الحادث الأليم الذي وقع في "محطة مصر"، وهي المحطة الرئيسية للقطارات في القاهرة، عندما اصطدم قطار بحاجز أسمنتي داخل المحطة نفسها في العام 2019، متسبباً في حدوث انفجار كبير، أدى إلى وفاة 22 شخصاً، عادت الأحاديث في وسائل الإعلام التابعة للسلطة عن ضرورة أن تكون الإدارة "عسكرية" للقطاعات الحيوية. واستقال حينها وزير النقل "هشام عرفات"، وأسند الرئيس "السيسي" المهمة إلى الرجل العسكري، "كامل الوزير"، القادم من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
وليست هذه المرة الأولى، التي يقدم فيها وزيرٌ للنقل استقالته، بعد وقوع كارثة دموية ترتبط بحوادث القطارات، ففي عام 2002 أدى حادث "قطار الصعيد" إلى قيام وزير النقل ورئيس "الهيئة القومية لسكك حديد مصر" ـ آنذاك ـ بتقديم استقالتيهما قبل أن تبرئهم المحكمة التي اعتبرت أن أسباب الحادث تعود إلى سنوات من الإهمال.
يُرْجع الرئيس "السيسي" سبب تدهور المنظومة إلى عدم توافر الأموال اللازمة للإنفاق، وقد صرح في وقت سابق أن التطوير يحتاج إلى أكثر من 260 مليار جنيه مصري، وهو مبلغ غير متوافر. لكن الوزير توافرت له ميزانية ضخمة، مقارنة بأي وزير سابق، فخطته كلفت خزانة الدولة ما يزيد على 150 مليار جنيه، هذا بالإضافة إلى ديون "هيئة السكة الحديدية"، التي تزيد عن 134.3 مليار جنيه.
جاء الوزير العسكري على رأس وزارة النقل مُبشراً بانتهاء عصر حوادث القطارات، والإعلان عن خطة لإنهاء هذه الحال المتردية للسكك الحديدية، وذلك من خلال تحديث البنية التحتية، وتجديد العربات، والمحطات لتحسين مستوى الخدمة، كما أنه تعهد بالنهوض بكل هيئات النقل.
وبعد الإعلان عن دمج وزارتي "النقل، و"الصناعة"، صار "كامل الوزير" مسؤولاً عن الوزارتين، إلى جانب تعيينه نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الصناعة، وبذلك فإنه يشغل ثلاثة مناصب. يُذكر أن الوزير خلال تصريحات سابقة له رداً على منتقدي عسكرة وزارة النقل، قال: "أهلاً بالعسكرة، إذا ضمنت الكفاءة". وأعلن عن خضوع 300 مهندس و 1500 فني لاختبارات الكلية الفنية العسكرية، قبل أن يتم التصديق على تعيينهم في قطاع السكك الحديدية، وهيئات النقل الأخرى.
الوعود تتبخر
تعرّض الوزير العسكري أثناء تواجده في موقع حادث تصادم القطارين في مدينة "الزقازيق" في يوم وقوعه، لموجة من الانتقادات، بسبب تصريحات متلفزة أدلى بها، نتيجة تعمّده التقليل من حجم الحادث، وقصر المسؤولية كاملة على "الخطأ الفردي"، كالعادة في الحوادث السابقة، من دون انتظار نتيجة التحقيقات.
وقال، متسبباً في مزيد من استفزاز المتابعين، تعقيباً على توافد 25 سيارة إسعاف إلى مكان الحادث، بأن الناس شعروا وكأن حادث قطاري الشرقية كبير، و"لم يكن كل هذا مطلوباً"!
حملة الهجوم على الوزير، صاحبتها عددٌ من التساؤلات عن نتائج التطوير المزعوم، وعن الوعود التي تعهد بها أمام المواطنين بوضع حد لهذه الخسائر البشرية المتتالية. وكانت وزارة النقل قد أعلنت عن خمسة محاور، تعتمد عليها خطة تطوير منظومة السكك الحديدية، وهي: "تنمية العنصر البشري، تطوير الوحدات المتحركة، ونظم الإشارات، والبنية الأساسية، والورش الإنتاجية".
جاء الوزير، القادم من "الهيئة الهندسية للقوات المسلحة"، على رأس وزارة النقل في العام 2019، مُبشراً بانتهاء عصر حوادث القطارات، والإعلان عن خطة لإنهاء هذه الحال المتردية للسكك الحديدية، وذلك من خلال تحديث البنية التحتية، وتجديد العربات، والمحطات لتحسين مستوى الخدمة، كما أنه تعهد بالنهوض بكل هيئات النقل.
صرّح الوزير، رداً على منتقدي عسكرة وزارة النقل - كغيرها من الوزارت التي عُيِّن على رأسها عسكريون - قائلاً: "أهلاً بالعسكرة، إذا ضمنت الكفاءة". وأعلن عن خضوع 300 مهندس و1500 فني لاختبارات الكلية الفنية العسكرية، قبل أن يتم التصديق على تعيينهم في قطاع السكك الحديدية، وهيئات النقل الأخرى.
كما انتشرت ردود الفعل الغاضبة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين الوزير بتقديم استقالته، ومتهكمين على قيامه بمراجعة دفاتر التحويلة الورقية من موقع الحادث، وهو ما يضعنا أمام حقيقة أن طريقة إدارة القطاع لا تزال بدائية، في ظل غياب واضح لمشروع "الميكنة"، الذي سبق أن أعلنت عنه السلطة.
يرجع الرئيس "السيسي" سبب تدهور المنظومة إلى عدم توافر الأموال اللازمة للإنفاق، وقد صرح في وقت سابق أن التطوير يحتاج إلى أكثر من 260 مليار جنيه مصري، وهو مبلغ غير متوافر. لكن الوزير توافرت له ميزانية ضخمة، مقارنة بأي وزير سابق، فخطته كلفت خزانة الدولة ما يزيد على 150 مليار جنيه، هذا بالإضافة إلى ديون "هيئة السكة الحديدية"، التي تزيد عن 134.3 مليار جنيه.
زيادة في أعداد الوفيات
بالذهاب إلى الأرقام الرسمية الصادرة عن "جهاز التعبئة والإحصاء"، نلاحظ أن معدلات حوادث القطارات في تزايد سنوي مستمر، منذ تولي الرئيس "السيسي" الحكم في عام 2014. ففي ذلك العام، وقع 1044 حادثاً، إلى أن تصاعدت الأرقام في عام 2019 لتسجل 1442 حادثاً.
وفي بدايات عهد الوزير الجديد، شهد العام 2020 انخفاضاً ملحوظاً في الأعداد التي وصلت إلي 898 حادثاً. لكن هذا الانخفاض يعود إلى الإغلاق الذي شهدته تلك الفترة، بسبب جائحة فيروس "كورونا"، مما أثر في حركة السفر بالقطارات. ومع حلول العام التالي، عاد التصاعد في معدلات الحوادث مجدداً، حتى وصل إلى 1046 حادثاً في عام 2022، وهو الرقم الأكبر في عهد "كامل الوزير"، لينخفض بعد ذلك إلى 181حادثاً خلال عام 2023.
في عام 2021، وافقت الحكومة على مشروع إنشاء القطار الكهربائي السريع- المونوريل - لربط عدد من المناطق بالعاصمة الإدارية الجديدة، وذلك بالاتفاق مع شركة "سيمنز" الألمانية التي تنفِّذه. وتُقدر تكلفة المشروع بحوالي 23 مليار دولار، وسط تساؤلات عن جدوى المشروع، في وقت تشكو فيه الدولة من أزمات مالية.
آخر تحديثات أسعار تذاكر القطارات حدثت في العام الجاري، حيث طالت الزيادة قطارات الضواحي، والمسماة بـ"تحيا مصر"، بنسبة 25 في المئة، وهي عربات يرتادها الفقراء. بينما قررت وزارة النقل زيادة أسعار القطارات المسماة بـ: "الروسية"، و"الفرنسية"، و"الإسبانية"، بنسبة 12.5 في المئة.
وعلى الرغم من التراجع في أعداد الحوادث، إلا أن الأمر يختلف كثيراً عندما نتحدث عن أعداد حالات الوفيات الناجمة عن حوادث القطارات، والتي شهدت زيادة في عهد الوزير العسكري عن العهد السابق بنسبة 600 في المئة. فقد زادت الوفيات من 267 حالة في الفترة بين عامي 2014 و2018 إلى 1689 حالة في الفترة بين 2019 إلى 2023 بمعدل 28 حالة شهرياً.
"المونوريل" مقابل عذاب الفقراء
وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة النقل، يستخدم القطارات يومياً حوالي مليون ونصف المليون مواطن. وبشكل عام، يحرص المصريون البسطاء ومحدودو الدخل، على استقلال قطارات السكة الحديدية، كوسيلة للتنقل بين المحافظات المختلفة، التي كانت من المفترض أن تكون أرخص بكثير مقارنة بغيرها من الوسائل الأخرى، لكنها لم تعد كما كانت في متناول الفقراء، بسبب الزيادة المستمرة في أسعار التذاكر..
وآخر تحديثات أسعار تذاكر القطارات حدثت في العام الجاري، حيث طالت الزيادة قطارات الضواحي، والمسماة بـ"تحيا مصر"، بنسبة 25 في المئة، وهي عربات يرتادها الفقراء. بينما قررت وزارة النقل زيادة أسعار القطارات المسماة بـ: "الروسية"، و"الفرنسية"، و"الإسبانية"، بنسبة 12.5 في المئة.
في الوقت نفسه، تتفاخر السلطة، بالتشغيل التجريبي لقطار "المونوريل" من مركز التحكم في "العاصمة الإدارية الجديدة". وكانت الحكومة في عام 2019 قد وقّعت اتفاقاً مع مجموعة شركات، تضم شركة "بومباردييه" الكندية للنقل، وشركتي "أوراسكوم للإنشاءات"، و"المقاولون العرب" من مصر، بغرض تنفيذ خطين للقطار "المونوريل" المُعلّق بقيمة 4.5 مليار دولار.
وفي عام 2021، وافقت الحكومة على مشروع إنشاء القطار الكهربائي السريع، لربط عدد من المناطق بالعاصمة الإدارية الجديدة، وذلك بالاتفاق مع شركة "سيمنز" الألمانية التي تنفذه. وتُقدر تكلفة المشروع بحوالي 23 مليار دولار، وسط تساؤلات عن جدوى المشروع ،في وقت تشكو فيه الدولة من أزمات مالية.
...
في نيسان/ أبريل 2019، سبق لوزير النقل إثارة غضب واسع، عندما رفض طلب سيدة مرافِقة لابنها المصاب بمرض "التوحّد"، تخفيض ثمن تذكرتها، قائلاً إن عدم امتلاكها ثمن التذكرة يعني عدم قدرتها على الركوب مجاناً، وإن الإعفاء يشمل ابنها فقط. حدث ذلك قبل أشهر قليلة فقط من واقعة مقتل شاب تحت عجلات القطار المتّجه من "الإسكندرية" إلى "الأقصر"، بعد أن أجبر المحصّل شابين من الباعة المتجولين، على القفز من باب عربة الركاب من دون أن يتوقف القطار، لعدم امتلاكهما ثمن التذكرة. وذكر تقرير الطب الشرعي أن رأس الشاب انفصلت عن جسده، بينما أصيب الشاب الآخر، الذي تمكن من القفز بعيداً عن القطار.