من غزة إلى لبنان.. قافلة شهداء

شارك عدة غزيين على وسائل التواصل الاجتماعي أبيات الشاعر "مريد البرغوثي" عن لبنان، وعبّروا عن ألمهم الشديد لسقوط الضحايا فيه إلى جانب أبنائهم وأهلهم في غزة، على يد الوحش نفسه، ورددوا كلمة واحدة: "لا نتمنى هذا لأحد". ردّ أهل لبنان "بل نحنُ لا نفي غزة وتضحياتها حقها أبداً"... وواست القلوب المنكسرة بعضها بعضاً.
2024-09-26

شارك
صورة قديمة متداولة من جديد من شاطئ غزة
إعداد وتحرير: صباح جلّول

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، مجرم الحرب بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء في 24 أيلول/ سبتمبر 2024، متوجّهاً بخطابه للّبنانيين، إن "من لديه صاروخ في غرفة معيشته وصاروخ في منزله لن يكون له منزل". يُدخل نتنياهو صواريخه إلى غرف المعيشة، ويبيح لنفسه ضرب المدنيين في لبنان كيفما اتّفق، تماماً كما فعل في غزّة على مدى عامٍ كامل، راسِماً صورةً لناسٍ عاديين في بيوت عادية، يخبئون في زاوية ما منها قذيفة وصاروخاً، مبرئاً نفسه مسبقاً من عمديّة قتلهم، المتعمّد جداً وطبعاً، وزاعماً أن حربه "ليست على اللبنانيين، بل على حزب الله".

إنها مجزرة كاملة الأركان لم يستوعبها اللبنانيون والمقيمون على الأراضي اللبنانية بعد، لسرعة ما تدحرجت به الأمور إلى العنف المنفلت من الكيان الإبادي الذي لا يحيا سوى به. مئات الشهداء في يوم دموي واحد هو الاثنين 23 أيلول/ سبتمبر 2024، تلاه أيام دموية أخرى، وضحايا غالبيتهم الساحقة من المدنيين الآمنين. حصل هذا بعد مجزرتي أجهزة الاستقبال ("البيجر")، وأجهزة اللاسلكي ("الووكي توكي") يومي 17 و18 أيلول/ سبتمبر اللتين راح ضحيتهما نحو 50 شهيداً وآلاف الجرحى. وصفت وسائل إعلام عالمية قصف المناطق اللبنانية بتلك الكثافة بالأمر غيرالمسبوق في تاريخ لبنان، بل في تاريخ الحروب المعاصرة. و"غير مسبوق" هي تلك الكلمة اللعينة التي استُخدمت كثيراً في وصف ما ارتكبوا في غزة كذلك. وبما أنهم قد تيقّنوا تماماً، وعلى مدى عامٍ بكامله، بأنهم محصَّنون وفي حلّ من الحِساب، فها هم يمارسون هوايتهم المفضلة بفعل اللامسبوق والمحظور والمتهتّك والجنوني.

ها نتيجة ما سمحتْ به الدنيا كلها في غزة ثمّ لبنان، ومن يدري أين بعد ذلك: 585 شخصاً قتلتهم إسرائيل يوم الاثنين فقط، بينهم 50 طفلاً و94 امرأة، كما أصيب 1835 شخصاً بجروح، حسب ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية. وأضاف وزير الصحة فراس أبيض أن الغالبية العظمى من الضحايا أشخاص مدنيون، غير مسلحين وآمنين في بيوتهم. تتضح أهوال المجزرة أكثر عندما نقارن الرقم بعدد شهداء "حرب تموز" 2006 على لبنان، التي امتدت لـ33 يوماً واستشهد فيها نحو 1200 شخص، وقد كان ذلك الرقم مهولاً حينها! أي أن من استشهدوا في يومٍ واحد من هذا العدوان الإسرائيلي على لبنان يقارب نصف عدد أولئك الذين استشهدوا خلال 33 يوماً من "حرب تموز" عام 2006. وقد زعم جيش الاحتلال نفسه أن أكثر من 250 من طائراته الحربية ألقت أكثر من 2000 صاروخ وقذيفة على أكثر من 1600 "هدف" خلال يومي الاثنين والثلاثاء فقط، في اعتداءات طالت، إلى جانب الجنوب والبقاع، مناطق متفرقة من لبنان، من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى الهرمل وبعلبك، إلى الجيّة القريبة من بيروت، والمعيصرة في كسروان، وسواها.

هذا البعض اليسير من صور الأطفال والمدنيين الذين لم يعودوا بيننا، "أهداف" نتنياهو ودولة الإبادة التي تمثل خطراً على العالم أجمع.

الأطفال شهداء آل الفارس الذين قتلهم العدوان الإسرائيلي في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت.
الطفلة الشهيدة ياسمينا نصار وأمنيتها التي كتبتها قبل أيام من اغتيال العدوان الهمجي لها.
الشهيدتان الطفلتان إيمان وتاليا نسر.
الطفل محمد حسن بلال سعد الذي استشهد مع أمه وأبيه وشقيقه وشقيقته.
مايا ورشا غريب أختان خريجتان نعتهما الجامعة اللبنانية إلى جانب عددٍ من الطلاب والعاملين في الهيئة التعليمية...

وسط هذا الوضع الذي يستلزم خطط طوارئ فورية وفعالة، تقف الحكومة اللبنانية وأجهزة الدولة كافة وقوف العاجز/المتفرج في كثير من النواحي، تاركين نحو نصف مليون نازح في أزمة عميقة بين زحمة سير رهيبة أمضى فيها النازحون – لبنانيون وسوريون وفلسطينيون- عشرات الساعات عالقين في الطرقات (ومنهم من انقطع من الماء والطعام والفيول، ومنهم مرضى ومنهم مسنوّن وحوامل)، مكتفين بقرارات، منها فتح المدارس الرسمية كمراكز إيواء، وهو قرار إشكالي بحد ذاته، ولو لم يبحث عن سواه، المستديم، وقد كان أسهل الحلول، ومتنصلين من مسؤولية تجهيز هذه المراكز بشكل عاجل وتوزيع المساعدات وغيرها من المهمات التي تولاها أفراد وجمعيات ومجموعات مستقلة شعرت بضرورة التحرك من تلقاء نفسها لإعانة النازحين.

قد يكون المصاب أكبر من الاستيعاب في اللحظة، غير أن حميّة الناس وتكاتفهم كان ومضة لافتة فعلاً وسط الدمار الكبير والظلام الموحِش. هنا لائحة ببعض هذه المبادرات من جمعيات وأفراد في مناطق متعددة لإغاثة ودعم النازحين:

  • حملة تبرع بالدم بشكل عاجل في مراكز الصليب الأحمر اللبناني، عبر التوجه مباشرة إلى مراكزه في سبيرز-الحمرا، أنطلياس، جونيه، جبيل، طرابلس، الشوف، زحلة، راشيا، صيدا، صور، والاتصال على الرقم 1760 للتبرع في المراكز المختلفة.
  • حملة "سقف واحد": دعوة للتطوع وحملة للتنسيق بين النازحين الباحثين عن سكن وبين أصحاب الشقق ومنسقي مراكز الإيواء.
  • مبادرة من مجموعة من الأصدقاء الراغبين بتأمين وجبات طعام للنازحين ودعوة للدعم.
  • حملة جمع تبرعات من مركز بيروت للفن
  • حملة للتبرع بتكاليف إيواء للنازحين عبر مبادرة Fundahope على كافة الأراضي اللبنانية.
  • حملة لجمع التبرعات العينية من مواد أولية للطعام ومواد النظافة للتوزيع على النازحين، عبر المطبخ المجتمعي Nation Station في مركزه في منطقة الجعيتاوي، بيروت.
  • حملة لجمع التبرعات العينية من الفضاء الفني Haven for Artists
  • حملة لجمع التبرعات المالية من المغتربين والراغبين بالمساعدة في كل أنحاء العالم بتنظيم من ناشطين فلسطينيين ولبنانيين وعرب.

****

ماذا قالت غزة عن مجازر لبنان؟

كتبَ الشاعر والروائي الفلسطيني مريد البرغوثي في ديوانه "طال الشتات" (1987)، عن حصار بيروت 1982 التالي:

"لبنانُ قد يمضي بنا العمر القصير ولا نَفيك..

لبنانُ لو قالت فلسطين اصطفوا الخِلّ الوفيّ سنصطفيك

وكفى دليلاً للمحبة أنه ما ردّ موتكَ عنكَ غير الموت فيك"

شارك عدة غزيين هذه الأبيات على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبّروا عن ألمهم الشديد لسقوط الضحايا في لبنان إلى جانب أبنائهم وأهلهم في غزة على يد الوحش نفسه، ورددوا كلمة واحدة: "لا نتمنى هذا لأحد". ردّ أهل لبنان "بل نحنُ لا نفي غزة وتضحياتها حقها أبداً"، وواست القلوب المنكسرة بعضها بعضاً.

مقالات من لبنان

معرض "غزّة" في بيروت

2024-07-18

يقول بيان تقديم المعرض: "هو محاولة متواضعة جداً للحفاظ على إنسانيتنا ولإثبات أننا أحياء، وأننا نستطيع أن نستعيد دورنا في الحفاظ على ما تبقى من حياة لننطلق ونُبعث من جديد"....