هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات الموريتانيين. ويرى البعض أن ما يحدث لا يعدو كونه جزاءً من التطور الطبيعي الذي يحدث في المستعمرات، وليس تغييراً جذرياً في المشهد الزراعي.
2024-09-19

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
مزارع منطقة شمامة جنوب موريتانيا، قرب نهر السنغال. تصوير: محمد الأمين ولد الراجل

أعلن وزير الزراعة في موريتانيا عن أن الدولة قد صارت قريبة من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال مادة الأرز. جاء ذلك، في تصريح  صحافي، نقلته الوكالة الموريتانية للأنباء في حزيران/ يونيو المنصرم. وكانت وزارة الزراعة الموريتانية قد أكدت العام الماضي أن البلد تمكّن من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة الأرز بنسبة 90 في المئة، مشددةً على أنها ماضية في تحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل كامل.

 ملامح  الواقع الزراعي الموريتاني

ترتبط موريتانيا في الأذهان بصورة أنها دولة صحراوية تعاني الجفاف والقحط، ولها ملامح أخرى من ضمنها أنها دولة رعوية وغير زراعية، وتعتمد أساساً في اقتصادها على استخراج المعادن مثل الحديد والذهب، وكذلك على الثروة السمكية والحيوانية، وتنتظر طفرة غازّية. وهذا الواقع له ما يستند إليه، إلا أن  موريتانيا لها حظها من المقدّرات المهمة في المجال الزراعي، على الرغم مما يحيط بها من  عراقيل ومعوقات، حيث  تمتلك أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وحصة مائية في "نهر السنغال"، تتجاوز 13 مليار متر مكعب، وعمالة رخيصة.. وعلى الرغم من ذلك كانت حتى الآن تعتمد على الخارج لتوفير  احتياجاتها من الخضار. ويعود ذلك في الأساس إلى أسباب مناخية. فقصر فترة الإنتاج الملائمة لزراعة الخضروات الرئيسية يؤدي إلي حصاد هو نفسه يجري في فترة قصيرة من الزمن، تعجز السوق عن استيعابه في ظل غياب منافذ تصدير أو توفر الصناعات التحويلية. ويعزف بالتالي كبار المزارعين عن الإنتاج، من دون أن ننسى أنه في باقي فترات السنة، لا يمكن زراعة تلك الخضروات، بسبب الحرارة والانتشار الكثيف للحشرات.

بدأ المغرب يعاني من نقص شديد في الموارد المائية، مما دفع بعض المستثمِرين المغاربة إلى البحث عن مناطق إنتاج بديلة. وكانت موريتانيا الوجهة المفضلة، حيث دخلوا في شراكات مع مستثمِرين وطنيين وأحياناً مع إسبان. وفي حالات، اشتروا الأراضي وأقاموا مزارع إنتاج البطيخ، باعتبار أنه محصول منافِس، ويسهل إنتاجه، وتعودوا على زراعته، ويملكون علاقات واسعة مع منافذ التسويق الأوروبية.

حدث أن كانت التمويلات والدعم في بعض الأحيان عائقاً أمام تطوير القطاع! وللتمثيل على ذلك، فقد تطورت جودة الأرز بعد أن توقفت الدولة عن تمويل شرائه، إذ أن ذلك الدعم كان يُستغل لأغراض خاصة، بلا توجّه للمشاريع الزراعية والتجويد من المنتَج، بدلاً من استخدامه في ما يراد له، وتحول إلى مصدر لرفاهية المستفيدين وخدمة أمورهم الخاصة.

أشار "بنك التنمية الأفريقي" (AfDB) إلى أن الزراعة تسهم بنسبة 14في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي الموريتاني، مؤكداً أن القطاع الزراعي يسهم بنسبة 38 في المئة فقط من إجمالي العمالة.

وقد أكد  رئيس "الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين"، أن مداخيل ضرائب قطاع الزراعة، في الأشهر المنقضية من العام الحالي 2024، بلغت 200 مليار أوقية قديمة، أي ما يعادل 555 مليون دولار تقريباً، بينما الناتج المحلي لموريتانيا يبلغ 10 مليار دولار، أي أن الرقم المعلن، يناهز 5 في المئة من الناتج المحلي.

هل تحقق موريتانيا نهضة زراعية؟

 الواقع الزراعي  يثير النقاش كثيراً في موريتانيا، حيث يرى البعض أن ما تمتلكه البلد من مقدرات طبيعية يسمح لها بالتحول إلى دولة زراعية، تعتمد في غذائها على أرضها وسواعد أبنائها. وفي السنوات الأخيرة، بدأت تلك النقاشات تُفضي إلى متغيرات في وجهات النظر، وصارت تَصدر تصريحات ومعطيات حول تطور هذا القطاع على الرغم مما يحيط به من فساد. وبحسب الخبير الزراعي المهندس "الهيبة سيد الخير"، الذي تحدث معه كاتب هذه السطور حول المشهد الزراعي الحالي وتطوراته، فقد حدث  خلال السنوات القليلة الماضية أن بدأ المغرب يعاني من نقص شديد في الموارد المائية، مما دفع بعض المستثمرين المغاربة إلى البحث عن مناطق إنتاج بديلة، وكانت موريتانيا الوجهة المفضلة، حيث دخلوا في شراكات مع مستثمرين وطنيين وأحيانا مع إسبان، وفي حالات اشتروا الأراضي وأقاموا مزارع إنتاج البطيخ، باعتبار أنه محصول منافس، ويسهل إنتاجه وتعودوا على زراعته، ويملكون علاقات واسعة مع منافذ التسويق الأوروبية.

انتقد البعض السماح للهجرة المغربية إلى موريتانيا لزراعة البطيخ، حيث وجدوا أن في ذلك استنزافاً لموارد البلد المائية، بسبب حاجة البطيح إلى كثيرٍ من المياه. وكانت هذه التجربة قد بدأت أساساً بعد هجرة بعض المزارعين المغاربة إلى موريتانيا، بسبب التضييق على زراعة البطيخ في المغرب، لأنه يستنفد الماء.
 لكن "سيد الخير" يعتقد أن "موريتانيا لا تعاني من مشكل نقص المياه في منطقة ضفة "نهر السنغال"، حيث تهدر نسبة كبيرة من تلك المياه السطحية المتجددة في المحيط أو بالتبخر. وعلي موريتانيا أن تستفيد من الخبرات ورأس المال المغربي، لا سيما أن المغرب يمر بسنوات جفاف".

ترتبط صورة موريتانيا في الأذهان بأنها دولة صحراوية، تعاني الجفاف والقحط، ولها ملامح أخرى من ضمنها أنها دولة رعوية وغير زراعية، وتعتمد أساساً في اقتصادها على استخراج المعادن مثل الحديد والذهب، وكذلك على الثروة السمكية والحيوانية، وتنتظر طفرة غازّية. وهذا الواقع له ما يستند إليه. إلا أن موريتانيا لها حظها من المقدّرات المهمة في المجال الزراعي.

على الرغم مما يحيط بالزراعة من عراقيل ومعوقات، إلا أن موريتانيا تمتلك أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وحصة مائية في "نهر السنغال" تتجاوز 13 مليار متر مكعب، وعمالة رخيصة.. وهي على الرغم من ذلك، كانت حتى الآن تعتمد على الخارج لتوفير احتياجاتها من الخضار.

وكان "الاتحاد الموريتاني لأرباب العمل"، قد أعلن  عن أن عائدات تصدير البطيخ الموريتاني بلغت 5 مليارات و500 مليون أوقية. ويرى "سيد الخير" أن ظاهرة زراعة البطيخ "شجعت تدخل مستثمرين وطنيين أصحاب رؤوس أموال فأقاموا مزارع حديثة وزرعوا خضراوات إضافية. وفي فترة وجيزة، صارت صادرات البطيخ بمئات ملايين الدولارات، وقد تتضاعف بشكل كبير في السنوات القليلة القادمة.

وأسهم القطاع بتحفيزات وإعفاءات جمركية، وسن قيود على الاستيراد لأربعة أشهر، هذا فضلاً  عن توفير البنى التحتية من: نقل، وشبكة إنترنت، وكهرباء، ومياه لمناطق الإنتاج، وخاصة لمشروع "آفطوط" الساحلي، الذي يمتد على مساحة 55 كلم داخل سهل "آفطوط" جنوب موريتانيا. ويسعى القطاع خلال السنوات القليلة القادمة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات لفترة طويلة من السنة، وذلك عن طريق توفير البنية التحتية الضرورية لحفظ الخضار، وتحويل منطقة "آفطوط الساحلي" لقطب إنتاج زراعة الأرز"، شارحاً أن "الزيادة في الأراضي المستصلَحة، كمزرعة "الركيز"(جنوب موريتانيا)، ومساحتها 3500 هكتار، ساعدت في زيادة الإنتاج. لكن يجب الحذر، فالعوامل الطبيعية والآفات قد تعصف بتلك المكاسب، لذلك يجب الاستمرار في العمل للحصول على هامش أمان".  وخلص  المتحدث إلى أن "الزراعة، وخاصة الخضروات، من القطاعات كثيفة رأس المال البشري، لذلك قد تتحول إلى مشغِّل كبير، لكن لا بد من دعم قطاع الزراعة من خلال عوائد الصناعات الاستخراجية".

مزارع منطقة شمامة جنوب موريتانيا، قرب نهر السنغال، تصوير محمد الأمين ولد الراجل

مخاوف من شبح الفساد

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد  يظل منغصاً حقيقياً لطموحات الموريتانيين. ويرى البعض أن ما يحدث لا يعدو كونه جزاءً من التطور الطبيعي الذي يحدث في المستعمرات، وليس تغييراً جذرياً في المشهد الزراعي، الذي طالما نخر جسمه الفساد. فكثير من مديونية موريتانيا يعود إلى تمويلات بذلت في القطاع الزراعي، إذ استخدمت لأغراض سياسية لا علاقة لها بالتنمية المطلوبة، ما أدى خلال عقود إلى هدر المليارات بسبب سياسات غير ناجعة، مثل إنشاء "مفوضية للأمن الغذائي" ينحصر دورها في توزيع المساعدات الغذائية الأجنبية، ومنح قروض هائلة، وتوزيع أراضٍ على مستثمرين غير مستحقِين. بل حدث أن كانت  التمويلات والدعم ــ في بعض الأحيان ــ عائقاً أمام تطوير القطاع! وللتمثيل على ذلك، فقد تطورت جودة الأرز بعد أن توقفت الدولة عن تمويل شرائه، إذ أن ذلك الدعم كان يُستغل لأغراض خاصة، بلا توجّه للمشاريع الزراعية والتجويد من المنتَج، بدلاً من استخدامه في ما يراد له، وتحول إلى مصدر لرفاهية المستفيدين وخدمة أمورهم الخاصة.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه