"عْلَاشْ كَانْجِيبُو الزبالة من بْرَا وحْنَا أصلا غارقين فيها؟" (لماذا نجلب النفايات من الخارج ونحن غارقون فيها؟)
سألني نابشُ أزبالٍ عابر أثناء رمْي الأزبال في إحدى الحاويات، متجنباً النظر إليَّ، ومنهمكاً بيده الخشنة في البحث عما تيسر من النفايات، ليعيد بيعها لأحد مصانع إعادة التدوير. لم يكن لدي جواب جاهز على استفهامه، فالسؤال الأهم بالنسبة إليّ وإلى السواد الأعظم من المغاربة هو مصير هذه النفايات، التي تطرح في بيئتنا: هل تُردم أم تحرق، أم فعلاً يُعاد تدويرها، وفق شروط والتزامات، تحترم القوانين المعمول بها على المستوى الدولي.
نفايات منزلية وعجلات مطاطية
لم تكن قصة استيراد النفايات الأوروبية وليدة اللحظة، فخلفياتها تعود إلى عام 2016 حينما قررت الوزيرة المكلّفة بهذا القطاع، استيراد نفايات من إيطاليا، لتتراجع عن قرارها بعد ضغط شعبي وحراك بيئي غير مسبوق. وهذه الصفقة ليست الأولى من نوعها، بل بدأت في عام 2004، ونصت على جلب مئات الأطنان من النفايات وإعادة تدويرها.
استيراد النفايات الأوروبية لم يتوقف خلال السنوات التالية. ففي الفترة بين عاميْ 2016 و2019 تمّ استيراد مليون و600 ألف طن من هذه النفايات، تضمنت موادّاً أولية للطاقة والصناعة مثل النسيج والبلاستيك والورق والمعادن.
ازدادت شهية الاستيراد، ومعها تنامت مخاوف بيئية من تبعات هذه الصفقات، لذا اضطرت "وزارة الطاقة والمعادن" خلال عام 2020 إلى إصدار قرارين يؤطران هذا المجال، الأول يحدد لائحة النفايات غير الخطرة، التي يمكن الترخيص باستيرادها، أما الثاني فيعيِّن شروط وكيفية استيراد النفايات وتصديرها وعبورها.
ثم ارتفعت أرقام الاستيراد على نحو مهول. فمن 2330 طنّاً من النفايات الأوروبية المستوردة خلال العام الماضي، إلى 548 ألف طن من النفايات التي جُلِبت من عدة مناطق صناعية عدة خلال هذا العام، إضافة إلى 1.24 مليون طن، من العجلات المطاطية، علاوة على أكثر من 17 ألف طن من النفايات غير الخطرة التي تتضمن أزبالاً منزلية.
قطاعُ الطاقةِ بالمغرب: التبعيّة الدائمة
28-12-2021
تقلل "ليلى بنعلي"، وزيرة الانتقال الطاقي، من هول هذه الأرقام، إذ ترى أن خطوتها لا تشكل جريمة في حق البيئة المغربية، وإنما تتدرج ضمن "عمليات التثمين الصناعي والطاقي" الذي سيعزز - بحسبها - "الاقتصاد الدائري في المغرب ويقلِّل من الاعتماد على الموارد الطبيعية". ويتعلق الأمر بالنفايات المنزلية والعجلات المطاطية، التي توضع عادة في خانة إعادة التدوير. فهل حقاً سيتم ذلك؟
النفايات يُعاد تدويرها
دافعت الوزيرة "بنعلي" عن جدوى هذه الصفقة، إذ أكدت أن الهدف من استيراد النفايات غير الخطرة، البلاستيكية والمطاطية يتجلى في تدويرها وتثمينها كمواد أولية في التصنيع، أو استعمال بقايا هذه النفايات كمواد طاقية بديلة. و"طمأنت" الرأي العام بأن المصالح المختصة بوزارتها ستتابع كل عمليات الاستيراد، وستعمل على "حسن توظيف" المواد المستوردة في الوحدة الصناعية بتنسيق مع المصالح المعنية في "وزارة الصناعة"، كما سيتم زجر كل مخالف، من خلال اعتماد عقوبات عديدة؛ من قبيل: إيقاف نشاط المخالف أو سحب ترخيصه أو الغرامة المالية، أو في أسوء الحالات سيتم إصدار عقوبة السجن في حقه. ولا يُمنح الترخيص باستيراد النفايات غير الخطرة إلا لتلك المنصوص عليها في القرار رقم 20-1339 بتاريخ 14 تموز/ يوليو 2020، الخاص بتحديد لائحة النفايات غير الخطرة التي يمكن الترخيص باستيرادها.
بدأ استيراد النفايات الأوروبية في عام 2004، ولم يتوقف خلال السنوات التالية. ففي الفترة بين عاميْ 2016 و2019 استورد مليون و600 ألف طن من هذه النفايات، تضمنت موادّاً أولية للطاقة والصناعة مثل النسيج والبلاستيك والورق والمعادن. ثم ارتفعت أرقام الاستيراد على نحو مهول.
ارتفع استيراد النفايات الأوروبية من 2330 طنّاً خلال العام الماضي، إلى 548 ألف طناً جُلِبت من عدة مناطق صناعية خلال هذا العام، إضافة إلى 1.24 مليون طن من العجلات المطاطية، علاوة على أكثر من 17 ألف طن من النفايات غير الخطرة التي تتضمن أزبالاً منزلية.
ترد الحكومة على لسان وزيرتها على الانتقادات والمخاوف من هذه الصفقات "المشكوك في أمرها"، إذ تشدد بأن توظيف هذه النفايات وتدويرها وتثمينها يعتبر "عملية جد مربحة" من الناحية الاقتصادية، وغير مكلفة، وتحافظ على البيئة، وعلى الموارد الطبيعية، لأنه – بحسبها - يتم استعمال نفايات "غير خطيرة" في الصناعات التحويلية، التي تسهم في خلق أكثر من 300 فرصة عمل مباشر وغير مباشر، لا سيما في معامل الإسمنت المتخصصة في معالجة وتوظيف هذه النفايات.
حرقٌ ورَدْم
لم يقنع رد الوزارة الوصية على هذه الصفقة بعض المنظمات البيئية المحلية، إذ ناشدت خلال عام 2016 بـ"تعميم اتفاقية الشراكة القائمة بينها وبين جمعية مهنيي الإسمنت من أجل تقييم مجال تطبيقها ومدى ملاءمتها للقانون ولاتفاقية بازل المتعلقة بنقل النفايات عبر الحدود". وحذرت من الانعكاسات الوخيمة لهذا القرار، على البيئة، وصحة المواطنين، وتلوث الهواء، وانبعاثات الغازات السامة والدفيئة، فضلاً عن النفايات المشعة. وترى أن القرار يتنافى مع "روح المواطنة والحفاظ على ما تبقى من كرامة بيئية للمواطنين المغاربة".
بين المخاطر و الحلول: كيف حال مناخ المغرب؟
10-11-2022
وبعيداً عن هذه الخطابات المعارِضة، تخفي هذه الصفقة المثيرة للجدل معضلة خطيرة، تكمن في أن إمكانية إعادة تدوير النفايات ضئيلة جداً، إذ لا تتجاوز 10 في المئة من النفايات المحلية، أما الباقي فيتم ردمه ودفنه تحت التراب، فما هو إذاً مصير المخلفات والأزبال المستوردة من أوروبا؟
دافعت "ليلى بنعلي"، وزيرة الانتقال الطاقي، عن جدوى هذه الصفقة، فأكدت أن الهدف من استيراد النفايات غير الخطرة، البلاستيكية والمطاطية، يتجلى في تدويرها وتثمينها كمواد أولية في التصنيع، أو استعمال بقايا هذه النفايات كمواد طاقية بديلة. و"طمأنت" الرأي العام بأن المصالح المختصة بوزارتها ستتابع كل عمليات الاستيراد، وستعمل على "حسن توظيف" المواد المستوردة.
تحضر شكوك لدى الخبراء البيئيين في إمكانية وفاء الحكومة بالتزاماتها تجاه هذه الصفقة وتجاه البيئة عامة. فعملية إعادة التدوير، حتى وإن تم اعتمادها، تظل ضئيلة، كما أن حرق العجلات المطاطية تتم في الأساس بغرض إنتاج الطاقة، وهي مضرة بالبيئة والصحة، ومن الصعب أن تتم هذه العملية وفق ما هو معمول به في دول الاتحاد الأوروبي، إذ تخضع هناك لقواعد صارمة من أجل التقليل أو الحد من تبعاتها الخطيرة والسامة.
"محمد بنعطا"، واحد من النشطاء البيئيين، الذين يحذرون من خطورة صفقة جلب النفايات الأوروبية، ويؤكد أن إعادة تدويرها "مجرد وهم"، مستشهداً بأرقام عام 2015 التي تفيد بأن معدل تدوير الأزبال المستوردة لم يتجاوز 6 في المئة، ويوصي على سبيل المثال بـ"إعادة تدوير الإطارات المستعملة لإنتاج مطاط معاد تدويره هو بديل أكثر صداقة للبيئة"، وأيضاً إعادة استخدام هذه المادة في مواد البناء، علاوة على إعادة استعمالها في تطبيقات متعددة، مثل بناء الطرق، أو إنشاء الملاعب، أو كمواد عزل.
أمَّا بعد..
فيبدو أن سؤال نابش الأزبال العابر يحمل في طياته جواباً ما، فالمغرب في غنىً عن استيراد هذه النفايات، إذ أن البلد غارق في نفاياته وينتج كثيراً منها، برقم يتجاوز الـ 7 ملايين طن في سنة 2022، لتشكل عبئاً يضاف إليه عبء الأزبال الأجنبية، من دون أن يتم تثمينها أو معالجتها وتدويرها على نحو كامل ومنتظم..