"بيت جعفر" اللبنانية تطحنها الكسارات... أنقاض جبال على أنقاض دولة

أفقدت المقالع والكسارات سكان "بيت جعفر" القدرة على استخدام أراضيهم للزراعة، مما يضطرهم إلى بيعها بثمن زهيد والنزوح الى مناطق أخرى. ويسهم الوضع في تمدد المقالع، حيث يشتري المستثمرون الأراضي بأسعار منخفضة. كما يتداعى التلوث السمعي والبصري، وأضرار البنى التحتية والصحة. "أصبحت جبالنا ملجأ لمجابل الزفت، ولا نستطيع حتى ارتشاف فنجان قهوة على الشرفة بسبب الدخان الأسود. كما تُستخدَم المقالع لحرق الإطارات، حيث تُباع الخردة المتبقية، ونحن نتسمم بدخانها".
2024-09-05

جودي الأسمر

كاتبة صحافية وباحثة من لبنان


شارك
مقلع وادي العريشة في بيت جعفر، لبنان. تصوير: جودي الأسمر

بصعوبة وحذر، تشق السيارة طريقاً جبلية وعرة، للوصول إلى منطقة "بيت جعفر" الحدودية في شمال لبنان، حيث تلتقي محافظتا "عكار"، و"بعلبك-الهرمل" عند ارتفاع 1400 متر. على طول الطريق، يتجلى مشهد طبيعي غريب، أشجار "اللزاب" مغطاة بطبقة بيضاء، تشبه الثلج في عز الصيف، وأكواز "الصنوبر" الذابلة تتدلى من أشجار ميتة غطاها البياض. يُعكّر الهدوء هدير شاحنات تدخل فارغة، وأخرى تخرج محملة بـ"البُحص" المستخرج من الجبال.

يُطلب منا إبراز الأوراق الثبوتية أمام حاجز الجيش، الموجود عند مدخل المنطقة لجهة "عكّار"، بينما تعبر شاحنات "البحص" وسيارات من دون لوائح تسجيل بصورة تلقائية. خلال ربع ساعة، نحصي مرور 13 شاحنة، تاركة وراءها سُحباً من الغبار الأبيض.

في هذا الجرد النائي، الذي يبعد ثلاث ساعات بالسيارة عن بيروت، ويضم 15 قرية، تتعمق التحديات في مواجهة المقالع والكسارات، فهي تنشط ضمن اقتصادات الظل داخل منطقة منسية. كما تخضع الحياة هنا لضغوطات وأعراف عشائرية، حيث تتفوق مصلحة الجماعة على معاناة الأفراد.

هذه حال "علاء"، ابن قرية "كرم شباط" في المنطقة. يحدثنا عن معاناة مشتركة: "كانت المنطقة تضم حوالي 20 كسارة، وعددها تقلص إلى عشر، بسبب الأزمة الاقتصادية. لكننا وإنْ استطلعنا آراء الأهالي، سنلمس إجماعاً ضد الكسارات واستباحة الجبال".

تُعايش المنطقة كابوس التفجيرات المُستمر، وآخرها سبق الزيارة بشهرين. لكن تفجيراً جديداً وقع في 26 تموز/ يوليو 2024، ليعيد الفزع إلى نفوس السكان. أحدهم أرسل إلينا "فيديو" مباشِراً، مُعلقاً: "هذا زلزال اليوم". المتضررون الذين استقبلونا، طلبوا تمويه هوياتهم، وأحدهم مستثمِر سابق في المقالع، لذا تم استخدام أسماء مستعارة.

وقائع الدمار البيئي

نبدأ بزيارة أكبر مقلع في المنطقة، الذي تتقاسمه استثمارات لأحد النافذين المحليين وشريك من قرية عكَّارية.

مع اقترابنا، غمرت أكوام الغبار سيارتنا، وأصابتنا موجة من السعال. عبرنا جسراً يقف عليه حاجز للجيش، وهناك يظهر المقلع على ضفاف نهر "العريشة" ونبع "الحريق". لم نجد أي أثر للمياه، لولا رواية الأهالي المرافقين، الذين اشتكوا من جفاف النبع والنهر.

تفحّصنا المكان عبر الأقمار الصناعية في خرائط "غوغل"، ظهر كأنه تجويف أبيض، بمساحة تقارب 107 آلاف متر مربع. بدا للعين المجردة كحقل حجري شاهق، وأمامه ثلاث كسارات ضخمة. بينما كنا نواجه عاصفة رملية خلف شاحنة، انتقلنا إلى مقلع أصغر في الجهة المقابلة.

أكبر كسارات بيت جعفر في وادي العريشة (جودي الأسمر)

"لم تترك الكسارات مكانًا للبشر أو الحجر"، يقول "وائل"، أحد المتضررين في "كرم شباط"، التي كانت مرشحة لتصير محمية طبيعية. تجولنا مع "وائل" في القرية، التي هجرها سكانها بسبب الكسارات. يوضح لنا أن قرية "ألفون"، التابعة هي الأخرى لمنطقة "بيت جعفر"، هي الأكثر تضرراً، حيث لم تعد تقطن فيها أيّة عائلة، بعدما اخترقت المقالع جبال الأرز والشوح.

على الرغم من غنى "بيت جعفر" بالمياه بفضل وقوعها على سلسلة جبال لبنان الغربية، أكبر خزانات المياه الطبيعية على حوض المتوسط، إلا أن السكان يواجهون جفافاً متزايداً. "لم تعد المياه تكفي للاغتسال والتنظيف وريّ المزروعات، لذا نضطر لسحب المياه من جوف الأرض". حوالي 50 عين ماء كان يستفيد منها الأهالي، معظمها جفّ تدريجياً أو انقطع. كما يتدهور منسوب نبع "الحريق"، الأهم في المنطقة، فيما اختفى نهر "العريشة" في عدة مواقع، وجف نبع "النصارى" تماماً.

بدوره "أبو أحمد" (69 سنة)، وهو أحد المتضررين، رافقنا إلى منزله المهجور، حيث لاحظنا التصدعات في البناء. اضطر للانتقال للعيش مع ابنه، الذي تعرض منزله لأضرار أقل. عرض لنا الابن منشوراً على "فايسبوك" من العام 2018، يوثق فيه تسلخات السقف والزجاج المتناثر بعد تفجير المقلع الكبير.

ولَفَت "وائل" انتباهنا إلى شقوق تمتد في جدران بيته، وانزياح الباب الحديدي بعد أحد التفجيرات، مما خلّف فجوة في الجدار. كما اشتكى من كساد المواسم الزراعية: "خسرت إنتاج الجوز الذي كان يوازي 150 ألف حبة سنوياً، بينما اليوم، لا يوفر لي شجر الجوز أكثر من 2000 حبة".

جبل في بيت جعفر قضمته الكسّارات (جودي الأسمر)

انضم إلى لقائنا بعض الأهالي، ولكل منهم قصة مؤلمة عن تدهور السلامة، مشبّهين التفجيرات بـ"زلازل تضرب بيوتنا". وعلى الرغم من غنى "بيت جعفر" بالمياه بفضل وقوعها على سلسلة جبال لبنان الغربية، التي تُعتبر أكبر خزانات المياه الطبيعية على حوض المتوسط، إلا أن السكان يواجهون جفافاً متزايداً.

تشكو "أم وائل"، بالقول: "لم تعد المياه تكفي للاغتسال والتنظيف وريّ المزروعات، لذا نضطر للاستعانة بعامل صيانة لسحب المياه من جوف الأرض". يتفق "أبو أحمد" معها، موضحاً أن حوالي 50 عين ماء كان يستفيد منها الأهالي، لكن معظمها يجف تدريجياً أو ينقطع. كما أن نبع "الحريق"، الأهم في المنطقة، يتدهور منسوبه باستمرار، فيما اختفى نهر "العريشة" في عدة مواقع، وجف نبع "النصارى" تماماً.

وعرض أحد المتضررين لنا فيديو، كان قد وثّقه لتفجير الجبل في 6 نيسان/ أبريل 2017، حيث دوّى انفجار هائل، وتهاوت الأشجار من قمة الجبل.

يتأسف "أبو أحمد" على حال المنطقة: "أصبحت جبالنا ملجأ لمجابل الزفت، ولا نستطيع حتى ارتشاف فنجان قهوة على الشرفة بسبب الدخان الأسود. كما تُستخدَم المقالع لحرق الإطارات، حيث تُباع الخردة المتبقية، ونحن نتسمم بدخانها".

يستحضر الأهالي سكاناً مصابين بأمراض تنفسية. أحد الجيران، المصاب بسرطان في الجهاز التنفسي، نزح مثل كثيرين إلى "سهل الهرمل" ولم يعد. تأسف الحاضرون لمعاناته القاسية، خاصة أنه فاقد للنطق.

تحليل الأضرار

مع تواصل عمل المقالع في "بيت جعفر"، تشهد المنطقة تدهوراً متزايداً في مقوماتها البيئية، مما يدفع العديد من السكان إلى النزوح. تنطلق الخبيرة البيئية الدكتورة "فيفي كلاّب" من هذه التداعيات، محذّرة من الأضرار البالغة، التي يلحقها هذا النشاط بالطبيعة والسكن واقتصاد المنطقة، واصفة إياها بأنها "خطيرة وجسيمة"، خاصة أن المنطقة تزخر بتنوع نباتي فريد، يضم غابات نادرة من "العرعر"، و"اللزاب"، و"الأرز".

وتحلّل "كلّاب" الأضرار كالآتي:

  • التفجير: تُستخدم التفجيرات العمودية، التي تدمر هيكل الجبل، بدلاً من التكسير الأفقي الأقل ضرراً.
  • الغطاء النباتي: تؤدي التفجيرات إلى إزالة الغطاء النباتي، أما الغبار الناتج، فيتسبب بانسداد مسام النباتات والأشجار، وبالتالي اختناقها.
  • النظام الإيكولوجي للتربة: تؤثر الكسارات على النظام الإيكولوجي للتربة، بما في ذلك الكائنات الحية الدقيقة والأعشاب الصغيرة، مما يقلل من خصوبتها.
  • الهزات الأرضية: تتسبب التفجيرات في خلخلة الطبقات الجوفية، وقد أظهرت الدراسات ارتباطاً محتملاً بين الهزات الأرضية ونشاط المقالع.
  • تلويث وشحّ المياه: تتلوث المياه الجوفية برواسب المتفجرات، ويغيّر التفجير مجاري المياه الداخلية، مما يسهم في جفاف الينابيع والأنهار.
  • تغيّر المناخ: يؤدي حفر المقالع إلى تغيير اتجاه الرياح والأمطار، لأنّ الجبل لم يعد يعترضها بشكله الطبيعي، فتشهد المنطقة تلوثاً أكبر، وتغييراً في المناخ المجهري.
  • الاحتباس الحراري: تطلق الأشجار عند اقتلاعها وموتها غاز "ثاني أكسيد الكربون"، مما يسهم في ظاهرة "الاحتباس الحراري".

تتجاهل هذه الممارسات اتفاقيات دولية، يلتزم بها لبنان لمكافحة ظاهرة "الاحتباس الحراري"، وهي: "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ"، و"بروتوكول كيوتو للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة" ومنها غاز "ثاني أوكسيد الكربون"، وكذلك "اتفاق باريس للمناخ."

كما نرصد مخالفات لاتفاقيات دولية وقّع عليها لبنان، بهدف حماية التنوع البيولوجي، أهمها: "اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي"، و"اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر."

أظهر المسح أن هناك 126 مقلعاً متعدياً على أملاك الدولة، و201 مقلعاً يعتدي على الأملاك الخاصة، و149 مقلعاً مقاماً على أراضٍ غير ممسوحة أو مجهولة الملكية. هذه الأرقام تعني أن 38.5 في المئة من المقالع ــ على الأقل ــ تعمل بشكل غير قانوني.

اشارت دراسة إلى ارتفاع عدد المقالع من 711 في عام 1996 إلى 1278 في عام 2005، حيث ينتشر 32.4 في المئة منها ضمن الأحراش والمناطق العشبية، و21.5 في المئة منها في الغابات والأراضي الخصبة، بينما يوجد 3.2 في المئة منها داخل مناطق مدينية.

تستنتج "كلاّب" أن المقالع والكسارات أفقدت سكان "بيت جعفر" القدرة على استخدام أراضيهم للزراعة، مما يضطرهم إلى بيعها بثمن زهيد والنزوح الى مناطق أخرى، الأمر الذي يفاقم من فقدان الروابط مع الأرض. ويسهم الوضع في تمدد المقالع، حيث يشتري المستثمرون الأراضي بأسعار منخفضة. كما يتداعى التلوث السمعي والبصري، وأضرار البنى التحتية، خاصة الطرقات. وتختبر المنطقة نزاعات مع قرى مجاورة، بسبب مشاكل المرور والضجيج والغبار الذي تخلّفه الشاحنات.

تنظيم الجريمة؟

أكّدت جولتنا في "بيت جعفر" الترابط الوثيق بين سوء استخدام السلطة والقانون من قبل الحكومة اللبنانية، والممارسات على أرض الواقع:

  • عند وصولنا إلى المنطقة، أسقطنا الموقع على خريطة "غوغل"، وقارنّاه بخريطة المواقع المناسبة للمقالع (2018)، فتبيّن أن الموقع مخالف.
  • حصلنا على نسخة من مجلة "صباح الخير" من العام 1985، حيث نشرت صورة للمقلع الكبير مغطى بالأشجار، وأشار المقال إلى أن المنطقة مؤهلة لتكون "منتجعاً صحّيّاً من الدرجة الأولى".
  • تواصلنا مع مصدر في وزارة البيئة، للاستفسار عن المهلة الإدارية الأخيرة، التي منحها وزير البيئة لنقل المواد المستخرجة من المقالع ("الستوكات")، وذلك بصفته رئيساً لمجلس المقالع والكسارات. تلقينا قرار رقم 392/2022 بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 2022، وأوضح المصدر أنّه آخر القرارات المتوافرة.

بعد البحث، حصلنا على وثيقة تُبيّن أن الحكومة منحت مهلة جديدة بتاريخ 10 شباط/ فبراير 2024 بموجب القرار 29/2024، مما يعكس تعدّياً على صلاحيات وزير البيئة. كما نستنتج أن عملية نقل "البحص" في "بيت جعفر"، تمت خارج المهلة الإدارية.

  • وجدنا أن آخر مهلة إدارية لتفجير المقالع، كانت بتاريخ 10 آب/ أغسطس 2019، وفقاً للقرار رقم 45، ما يثبت أن تفجير المقلع، تمّ أيضاً خارج المهلة الإدارية.
خرائط الموقع

في ضوء هذه المعطيات، لا يُفاجأ أحدنا من مستثمِر سابق في كسارة هناك، تساءل أمامنا باستغراب: "أي مهل إدارية؟ عملت كسارتي بشكل متواصل طوال عشر سنوات، ولم تتوقف أكثر من شهرين".

تواصلنا مع رئيس بلدية "بيت جعفر"، الذي أقر قائلاً: "لا شك أن أضراراً بيئية عديدة تنجم عن عمل الكسارات، لكن هذا القطاع يشكل مصدر رزق لأهالي المنطقة. وبدلاً من التركيز على الفاسدين الصغار، يجب محاسبة الفاسدين الكبار الذين همّشوا منطقتنا وسرقوا أموال الشعب في المصارف".

يمثّل رؤساء البلديات السلطة المحلية المسؤولة عن ملف الكسارات والمقالع، لكنهم لا يملكون الصلاحيات الكاملة، حيث يتورط المحافظون والوزراء والحكومة اللبنانية، في شرعنة الفساد الذي يحمي القطاع.

مسار ترخيص المقالع

مأساة لبنانية

بالرغم من خصوصيتها الجغرافية والاجتماعية التي تضاعف معاناتها، ليست "بيت جعفر" استثناء. تمثِّل المنطقة نموذجاً مصغراً عن قضاء "الهرمل"، المكوّن من قرى طرَفيّة، تعاني حرماناً مزمناً. ويُعدّ "الهرمل" ثاني أكثر الأقضية تضرراً من المقالع في لبنان بعد جبل لبنان، وفقاً لتقرير يحتسب مستحقات قطاع المقالع للخزينة اللبنانية، والذي أطلقته وزارة البيئة، مع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" في 2022.

استند التقرير إلى مسح شامل أجراه الجيش اللبناني لـ 1237 مقلعاً بين العامين 2007 و2018، مما يلفت إلى وجود مقالع خارج الفترة المذكورة.

وأظهر المسح أن هناك 126 مقلعاً متعدياً على أملاك الدولة، و201 مقلعاً يعتدي على الأملاك الخاصة، و149 مقلعاً مقاماً على أراضٍ غير ممسوحة أو مجهولة الملكية. هذه الأرقام تعني أن 38.5 في المئة من المقالع ــ على الأقل ــ تعمل بشكل غير قانوني.

بدأت فوضى الكسارات، بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وتفاقمت مع خطط إعادة الإعمار التي بلغت ذروتها بين عامي 1994 و2000. دراسة أخرى تشير إلى ارتفاع عدد المقالع من 711 في عام 1996 إلى 1278 في عام 2005، حيث ينتشر 32.4 في المئة منها ضمن الأحراش والمناطق العشبية، و21.5 في المئة منها في الغابات والأراضي الخصبة، بينما يوجد 3.2 في المئة منها داخل مناطق مدينية.

وخلصت دراسة وزارة البيئة اللبنانية المذكورة سابقاً، إلى أنّ تكاليف الضرر البيئي الناجم عن هذا القطاع تقدّر بـ2.4 مليار دولار على الأقل، مستحقّة لخزينة الدولة اللبنانيّة. ومع ذلك، لم تقرّ الحكومة اللبنانية بعد خطّة لتحصيل المبلغ من المتسببين في هذه الأضرار، أفراداً وشركات مستفيدة من المقالع والكسّارت.

المهل الإدارية

لا يمكن فهم الانفلات الدائم في عمل المقالع والكسارات في لبنان من دون العودة إلى السياق القانوني.

ففي 11 تموز/ يوليو 2002، أقر "مجلس الوزراء اللبناني" المرسوم رقم 8803/2002، الهادف إلى تنظيم استثمار المقالع والكسارات ضمن أربعة مواقع رئيسية في سلسلة الجبال الشرقية المفتقِرة إلى الغطاء النباتي: "قلعة الحصن"، "النبي شيت"، "عيتا الفخار"، و"دير الغزال". كما تقرر وقف العمل، في جميع المنشآت غير المرخصة بعد شهرين من بدء سريان المرسوم.

خلصت دراسة وزارة البيئة اللبنانية، إلى أنّ تكاليف الضرر البيئي تقدّر بـ2.4 مليار دولار على الأقل، مستحقّة لخزينة الدولة اللبنانيّة. ومع ذلك، لم تقرّ الحكومة اللبنانية بعد خطّة لتحصيل المبلغ من المتسببين في هذه الأضرار، أفراداً وشركات مستفيدة من المقالع والكسّارت، وجلّهم سياسيّون وأصحاب ثروات يتقاسمون القطاع، وخاصة صناعة الإسمنت، التي تحتكرها ثلاث شركات: "شركة الترابة اللبنانية"، و"هولسيم"، و"سبلين".

المرسوم 8803/2002، الثاني بعد المرسوم 5616/1994 الذي أصدرته حكومة "رفيق الحريري" الأولى، واتخذت قراراً بإقفال الكسارات، لكنها استمرت في منح المهل الإدارية. وفي 2019، حاولت حكومة "سعد الحريري" تطبيق المرسوم، ولكنها عاودت فتح المهل، الأولى في آذار/ مارس 2019 والثانية في آب/ أغسطس 2019. واتبعت حكومة "حسان دياب" (2020-2021) النهج نفسه، مبررة الحاجة إلى إعادة الإعمار بعد تفجير "مرفأ بيروت".

لكن الحكومات المتعاقبة تتجاوز المرسوم عبر "المهل الإدارية"، وتقضي بتمديد عمل المقالع والكسارات أو نقل المواد الناتجة عن نشاطها لفترات زمنية محددة، حتى صارت عرفاً مكرّساً. تشرّع هذه المهل قضم الجبال لصالح المستفيدين، وجلّهم سياسيّون وأصحاب ثروات يتقاسمون القطاع، وخاصة صناعة الإسمنت، التي تحتكرها ثلاث شركات، هي: "شركة الترابة اللبنانية"، و"هولسيم"، و"سبلين".

وفي آخر المخالفات، سمحت حكومة تصريف الأعمال برئاسة "نجيب ميقاتي"، بمواصلة العمل للكسارات والمقالع لصالح شركات الإسمنت، وذلك بقرارها رقم 36/2024 الصادر بتاريخ 28 / 05 / 2024.

تجاوزت الحكومة بهذه الخطوة قرارات مبرمة لـ"مجلس شورى الدولة"، التي تُثبت عدم قانونية قطاع المقالع والكسارات، وجاءت بنتيجة طعون قانونية كسبتها "المفكرة القانونية"، بالتعاون مع منظمات بيئية واتحاد بلديات الكورة:

- القرار 2023/480-2022

- القرار 2021/344-2022

- القرار 2021/217-2022

- القرار 2021/210-2022

والواقع أنّ المرسوم 8803/2002، كان الثاني من نوعه بعد مرسوم 5616/1994 الذي أصدرته حكومة "رفيق الحريري" الأولى، واتخذت قراراً بإقفال الكسارات، لكنها استمرت في منح المهل الإدارية.

وفي 2019، حاولت حكومة "سعد الحريري" تطبيق المرسوم، ولكنها عاودت فتح المهل، الأولى في آذار/ مارس 2019 والثانية في آب/ أغسطس 2019. واتبعت حكومة "حسان دياب" (2020-2021) النهج نفسه، مبررة الحاجة إلى إعادة الإعمار بعد تفجير "مرفأ بيروت".

حلول وفرص

أخيراً، وعلى الرغم من تفشي أضرار المقالع والكسارات وتداخل/ تراشق المسؤوليات على المستوى الرسمي، يعتقد خبراء بوجود حلول وفرص.

يؤكد الكاتب والصحافي المتخصص في قضايا البيئة، "حبيب معلوف"، أن الثغرة الرئيسة هي المهل الإدارية، وهي ممارسة غير قانونية تهدف إلى شرعنة الأوضاع غير المشروعة. ويقترح "معلوف" خطوات رئيسية لتنظيم القطاع واحتواء تداعياته التاريخية:

أولا- تحديث المرسوم 8803/2002 ليواكب التغيّرات الواقعة منذ أكثر من 20 سنة، وإقرار قانون أكثر تشدداً من المرسوم، من دون السماح للمخالفين بالإفلات من العقاب.

ثانيا- حصر الاستثمار في المقالع والكسارات في أملاك الدولة اللبنانية، أو "مصرف لبنان"، وهي بمثابة "الذهب الأبيض"، لما تدره من أرباح سنوية بملايين الدولارات. ويقوم احتكار الدولة لهذا القطاع على تأجير الأرض ومراقبة استصلاحها، وهذا يفكّك ارتباطه التاريخي بالمصالح الخاصة للمستثمرين.

ثالثاً- منع الاعتباطية في الاستثمار، من خلال تحديد حاجة لبنان الحقيقية من القطاع وفتح باب الاستيراد.

رابعاً- التسريع بإقرار وتنفيذ خطة لتحصيل مستحقات قطاع المقالع لخزينة الدولة.

خامساً- فرض رقابة مشددة على "التأهيل"، وعدم ربط الاستثمار بالتأهيل، حيث يُعاد فتح المقالع بحجة تأهيلها، وإنْ وفق الشروط البيئية. ولكنها حجة قديمة-جديدة لتشغيل الكسارات مع كل تداعياتها المدمرة.

في آخر المخالفات، سمحت حكومة تصريف الأعمال برئاسة "نجيب ميقاتي"، بمواصلة العمل للكسارات والمقالع لصالح شركات الإسمنت، وذلك بقرارها رقم 36/2024 الصادر بتاريخ 28/5/2024. تجاوزت الحكومة بهذه الخطوة قرارات مبرمة لـ"مجلس شورى الدولة"، التي تُثبت عدم قانونية قطاع المقالع والكسارات، وجاءت بنتيجة طعون قانونية كسبتها "المفكرة القانونية"، بالتعاون مع منظمات بيئية واتحاد بلديات الكورة.

يلفت "معلوف" إلى أن قرار "مجلس الوزراء" الأخير، الذي قضى بتحصيل المستحقات، خاصةً المتوجبة على معامل الإسمنت، يتيح فرصة للمواطنين المتضررين لمقاضاة أصحاب المقالع على الآلام والأمراض والخسائر الناتجة عن هذا القطاع.

من جهتها، توضح الخبيرة البيئية "فيفي كلّاب" أن البيئة تتضمن نُظماً بشرية واجتماعية وسياسية يجب تحقيق الانسجام بينها لضمان استدامتها، داعية إلى التعاون مع سكان منطقة "بيت جعفر" لتبني حلول مستدامة ومربحة.

وخلال عملها مع منظمة "الفاو"، اكتشفت "كلّاب" أن "سهل مرجحين"، الذي يضم "بيت جعفر"، مناسب لزراعة أجود أنواع البطاطا من الفئة المنتخَبة (super élite)، كما كشفت إمكانية زراعة "الزعفران"، الذي يناهز سعره 60-70 ألف دولار للكيلوغرام.

وتؤكّد أن الأراضي التي لم يشملها المسح، ليست ذريعة لتحويلها إلى مقالع، وأن "بيت جعفر" مهيأ للاستعمال المعروف بـ"العلني والمستمر والهادئ"، مما يوفر شرعية قانونية للاستثمار فيه بطرق صديقة للبيئة.

  • تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "الإعلام والتغيّر المناخي والقضايا البيئية"، بالتعاون بين مؤسسة "مهارات"، و"مشروع خدمات الدعم الميداني" في الشرق الأوسط (الأردن، لبنان والعراق)، والمنفذ من شركة "كووتر انترناشونال"، وبتمويل من "الشؤون الدولية الكندية".

مقالات من لبنان

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

للكاتب نفسه

طرابلس/ لبنان "مدينة الأنوار" في رمضان

أنوار رمضان المضاءة اليوم في طرابلس تبدو ذات دلالة ثانية مستجدة. هي وليدة أدوات الحاضر واحتمالاته، فتظهر كفعل تجاوزيّ لكومٍ من الأزمات والعوائق التي تتراكم في ذهنية المواطنين لتخلق وتوطد...