أخذ الاحتلال الناس.. وأعادهم جثثاً بلا هوية

على المقلب الآخر، استنكر كثير من المستوطنين الإسرائيليين إعادة الجثث إلى غزة، وتصاعدت أصوات تطالب بالإبقاء على احتجازهم! علماً أن هذه الممارسات ليست جديدة على الاحتلال، حيث قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن قوات الاحتلال اختطفت نحو 2000 جثة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، نابشة عشرات المقابر التي جُرِّفت وسُرقت منها الجثث.
2024-08-08

شارك
نقلت الجثث التي أطلقها الاحتلال إلى قبر جماعي في خانيونس. كانت الجثث وُضعت في أكياس بدون أيّ تعريف أو معلومات حول مكان ووقت الوفاة. (الصورة لبشار طالب - أ ف ب)
إعداد وتحرير: صباح جلّول

أرسل الاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين في الخامس من آب/ أغسطس الحالي شاحنة كبيرة إلى غزة، محمّلة بالبضاعة الوحيدة التي يعرف الإتجار بها: الموت. فتح الفلسطينيون الشاحنة التي نسّق الصليب الأحمر الدولي إطلاقها مع الاحتلال، ليجدوا 89 جثّة متحللة مجهولة الهوية، هي عبارة عن بقايا وعظام، تجعل من مهمة التعرف إلى هوية أصحابها مستحيلة في ظلّ غياب الإمكانيات الطبية لإجراء التحاليل اللازمة داخل القطاع.

في امتهان حقير لكرامة هؤلاء الشهداء، لم يكلّف الاحتلال نفسه عناء التفريق بين الجثث في أكياسٍ منفصلة حتى، بل وُجد في الشاحنة نحو 15 كيساً كبيراً فقط، حسب ما صرّح مدير الدفاع المدني في غزة يامن أبو سليمان لوكالة "أ.ف.ب"، وما أكده مسؤول الدفاع المدني محمد المغير، وفي كل منها 4 أو 5 أو 6 أجساد معاً، بطريقة عشوائية، وبدون توفير أدنى معلومة عن هوية هؤلاء أو تاريخ وفاتهم أو عن المكان الذي قتلوا فيه أو الذي انتشلت منه جثامينهم. وقد قدّر المعنيون، حسب حالة ودرجة تحلل الجثث، أن الجثث تعود لأشخاص استشهدوا منذ ما يزيد عن 4 أو 5 أشهر. هو حدث فظيع لكنه فعلٌ غير مستغرَب على من يمارس ساديته الوحشية على الأحياء قبل الأموات، والتقارير من معتقل "سديه تيمان" سيء السمعة شاهدة على ذلك...

ما اعتقد الأهالي أنها شاحنة مساعدات لم تكن سوى شاحنة مليئة بالموتى..

لم يستطع إذاً أي من الأهالي في غزة الذين لا يعرفون مكان أفراد من عائلاتهم التبين من مصير أبنائهم. هل هم في أقبية سجون التعذيب الإسرائيلية الأفظع، هل هم شهداء، مصابون، تحت الركام، أم أنهم أحد هؤلاء الذين عادوا جثامين متحللة؟ بل إنّ إطلاق الشاحنة زاد على عذابهم وحرقتهم. لم يكن بوسع السلطات الصحية سوى دفن الجثث في قبر جماعي في خانيونس، يُضاف إلى عشرات القبور الجماعية التي باتت تنتشر في غزة، فيما مشت سيّدة إلى موقع الدفن تلتمس معلومة عن ابنها الشاب البالغ من العمر 32 عاماً، الذي اختفى في كانون الثاني/ يناير 2024. لقد ترك ابنها طفلاً لا يزيد عمره عن بضعة أشهر وخرج من مكان نزوحهم على دراجة هوائية، ولم يعد. "كان يلبس بنطالاً بنياً، قميصاً كحلياً، سترة سوداء، وحذاءً بنياً فاتحاً"، تقول المرأة التي لا تملك سوى تلك الأوصاف تبحث بها عنه دون فائدة. مثلها أشخاص كثر، ابن شاب يبحث عن والديه المختفيين، أب لم يستطع حبس دمعته أمام منظر الأكياس الثقيلة التي تنقل إلى الحفرة، وأم محّمد التي قالت أن ابنها كان "يلبس ساعة ضخمة" لا تُخطئها العين، ما لبث أن قدمها أحد العاملين في نقل الجثث إليها في كيس نايلون شفاف. "هل هذه هي؟"، يسألها أمام كاميرات الCNN وعيون موظفي منظمة العفو الدولية، لتقول أنها هي، فيطلب منها الشاب القدوم في اليوم التالي لترى صور الجثامين لتحاول التعرف عليه...

النازحون في خان يونس أقاموا جنازة ودفناً جماعياً للشهداء المجهولين (الصورة عن أ ف ب)

على المقلب الآخر، استنكر واستهجن كثير من المستوطنين الإسرائيليين إعادة الجثث إلى غزة، وتصاعدت أصوات تطالب بالإبقاء على احتجازهم، علماً أن هذه الممارسات ليست جديدة على الاحتلال، حيث قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن قوات الاحتلال اختطفت نحو 2000 جثة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، نابشة عشرات المقابر التي جُرِّفت وسُرقت منها الجثث. وأضاف المكتب الإعلامي أن الاحتلال نبش كثيراً من القبور في خان يونس وجباليا وحي التفاح في مدينة غزة، ثم نقل الجثث التي فيها إلى "أماكن مجهولة"، وهو "عمل يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، فيما يواصل الاحتلال احتجاز عشرات الجثث.

يُذكر أن الاحتلال أعاد في السابق عشرات الجثامين بالطريقة الوحشية نفسها، وكانت قد سرقت أعضاء بعضها، بل أن بعض الأسرى أيضاً عادوا بأعضاء مسروقة! يعتبر الاحتلال الصهيوني أن قتل كلّ حيّ ونبشَ كل جثة مباح له بذريعة التحقق مما إذا كان أحدها أسيراً إسرائيلياً. لقد راينا ورأى العالم كل شيء منذ ما يزيد عن 306 أيام (وها هي محطة السنة تكتمل على أكبر وأفظع إبادة ممنهجة وعلنية ومباشِرة في زمننا)، بحيث صارت أفظع الفظائع خبراً بين أخبار كثيرة على درجة بالغة من الوحشية...

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...