يحمل أبناء الطبقة المتوسطة بطّانياتهم، شراشفهم وأوانيهم، يكدّسونها في الصندوق الخلفي لسيارة "داسيا رينو"، على الأغلب، وينطلقون باتجاه الشّمال. يُرافق الأسرة، إلى جانب الأولاد، قريب أو قريبة، وربما أكثر، فمن تيسّرت له الظروف، يأخذ ما تيسّر له من أهله.
ابتداءً من شهر تموز/ يوليو، يتحوّل الشمال إلى الوجهة الشاطئية المنشودة عند النسبة الأكبر من المغاربة، ولا يكاد يُسأل أحدهم إلى أين في الشمال، بالضبط، تشد الأسر رحالها؟ فالمهم أنه الوجهة العامة، ولهم واسع النظر وللجيب رأيه أيضاً. يمكن لأسرتين أن تؤجّرا معا شقة، وربما ثلاثُ أسر، ما من شيء لا يمكن للجماعة تحقيقه. المهم هي الرحلة، رحلة الصيف التي إن لم تكن من أجل خاطر الكبار، مع تكاليفها والحال متوسطة الجودة للشقق المستأجرة، بحسب الميزانية، فهي للأطفال. هذه الاشتراكية الصيفية تعني أن شواطئ الشمال تعرف إنزالاً يتكثف كل صيف، والبحر يظل على حاله، والمدن هي نفسها لم تتسع ولم تتمدد.
كثرة الناس على الرغم من وفرة الاختيارات
في بلد يحيط به بحران، وكثافته السكانية ليست شديدة، لا تبدو الوضعية صعبة، لكن سوء التوزيع، وإقبال الناس على مناطق بعينها، يخنقها. خاصة مع ضعف البنية التحتية غير المستعدة لهذا القدر من السيّاح. فعدا المقيمين، نجد المهاجرين المغاربة الذين يدخل ما يقارب المليونين منهم إلى البلاد في الصيف، والذين يملكون إمكانيات لقضاء بضعة أيام أو أسابيع على البحر.
صويرة المغرب: سحر "موغادور"
17-10-2012
نهضة طنجة: تنافر إيقاع الحجر والبشر
05-11-2015
ما يعني أن ملايين من الناس تتكدس في منطقة واحدة، خلال أقل من شهرين. ومنطقة الشمال المعنية بشكل أساسي، هي تلك التي تقع في ضواحي "تطوان" الشاطئية، "مرتيل" و"المضيق" و"الفنيدق"، وتمتد إلى "واد لو" و"السطيحات". ثم تأتي "طنجة" كوجهة مكلفة، تعرف بدورها ازدحاماً شديداً، مع امتلاكها بنية سياحية وترفيهية مهمة، لكن تكلفة العطلة فيها ليست متاحة للجميع.
لا تسير أمور العطلة الصيفية بسلاسة دائماً، بالنظر إلى النظام المتَّبع في إيجار الشقق. فنظام الوسيط المحلي، يخلق فوضى في أوقات الذروة، فكم هي كثيرة الأسر، التي تضطر للمبيت في السيارات، لنفاد أماكن المبيت.
لعل المشكل في أن المغاربة لم يتعودوا على هذا الازدحام. فمقارنة بدول أخرى، لا تبدو الأمور بهذا السوء، لكن في نظر كثيرين من أهل المناطق الشاطئية، فالأمر يفوق التحمل، لأن هذه الحال تؤثر على حياتهم اليومية، التي تصير شاقة في ظل الازدحام. فأسوأ ما يحدث للمدن الشاطئية هو الاكتظاظ في الشوارع، وعدم كفاية مواقف السيارات، وضعف جودة المطاعم مع كثرة الإقبال.
أهل الشمال تعودوا على شواطئ فسيحة بقدر قليل من الناس. قبل أن تشيع ثقافة التصييف ويحج الناس من كل فج عميق. هؤلاء أيضاً يطالبون بحقهم في البحر في دولة ببحرين. والحق مع الطرفين.
فوضى وقلق العطلة
لا تسير أمور العطلة الصيفية بسلاسة دائماً، بالنظر إلى النظام المتَّبع في إيجار الشقق. فنظام الوسيط المحلي، يخلق فوضى في أوقات الذروة، فكم هي كثيرة الأسر التي تضطر للمبيت في السيارات، لنفاد أماكن المبيت. بينما لو تم اللجوء إلى الإيجار المبكر عبر الوكلاء، وعلى رأسهم المواقع الإلكترونية المتخصصة، لتفادوا هذه الأحوال. لكن هناك شعوراً عامّاً، ربما عن تجربة، بأن الأسعار ترتفع حين تدخل الرقمنة، مع أن الأمر نفسه صحيح أيضاً في الإيجار اللحظي.
هذا الاعتقاد يجعل السائح رهين الموجود في لحظته، ورهين وكيل واحد، وبورصة الأسعار. فيستأجر بأسعار خيالية ما تيسر، خاصة في ذروة العطلة، بين منتصف تموز/ يوليو ومنتصف آب/أغسطس .
العطلة تقوم في جزء كبير منها على الاستهلاك، حيث تكون الأسر أقل صرامة مع الأطفال فيما يُصرف على الترفيه. لكننا لا نجد ملاهي، ولا ألعاب، ولا حدائق تستجيب لهذه الحاجة. فهشاشة السياحة الصيفية، التي لا تدوم أكثر من أسابيع قليلة، تعرقل عملية إنشاء بنية سياحية دائمة. مع العلم أن هذه المدن والبلدات الشاطئية، تعتمد على موسم الصيف كمصدر وحيد للدخل خلال السنة.
بالبحث عن خيارات الإيجار في booking أو airbnb وباقي التطبيقات، بما فيها الأقل شهرة. ستعثر على وفرة من الفنادق، لكن لن تجد سوى خيارات معدودة بالنسبة للأسر، التي تبحث عن شقق. لذا لا يمكن الاعتماد عليها، خاصة في سوق كبيرة، في تلك المدن المذكورة، كوجهات كبرى للمغاربة متوسطي الحال في الشمال. فيما يذهب آخرون، خاصة من مغاربة الخارج إلى "الحسيمة" و"السعيدية" في الشرق. وكلما ابتعدتَ عن منطقة ذات شعبية، وجدت الفوضى أكثر، وهي سخرية الأشياء.
المتجولون الجدد... السفر على "باب الله"
31-08-2023
فالمنازل غير المهيكلة سنّت قانون بين "البائع والشاري يفتح الله"، لتصل الأسعار إلى أعلى أسقفها. فشقة بثلاث غرف على البحر، في عمارة عادية لا سياحية، تجدها بما يفوق 80 دولاراً في اليوم ، بينما في أماكن مهيّئة لن تفوق 50 دولاراً في عز الموسم، بشرط الحجز المبكر. في المناطق غير المهيكلة، مثل "بليونش" و"القصر الصغير"، ليس هناك محلات تستجيب لكل حاجيات المقيمين. ولا أماكن ترفيه تستجيب للحاجة إلى أماكن للخروج والسهر والأكل ليلاً.
ضعف البنية السياحية
على الرغم من تكرار الحال نفسها، تبقى الحلول أقل من المنتظر دوماً. فقلة عدد ليالي المبيت المنظَّمة والمتاحة في الفترة نفسها، وضعف تأهيل المرافق السياحية كالمطاعم والمقاهي والأسواق لاستقبال كمية كبيرة من السياح في وقت وجيز، تضيّع كثيراً من وهج العطلة. فالشاطئ جزء من الصفقة فقط، واستغلال الليل في أنشطة ترفيهية، جزء أساسي من روح العطلة، لكن أين؟ يبقى الترفيه الليلي خاضع لاجتهاد الأسر، وغالباً يتوقف الأبناء بعد سن معينة عن مرافقة الأسرة بسبب الملل. فالشباب يبحث عن حلول أخرى أكثر نشاطاً.
أكثر المهن المنتعشة في جل الشواطئ الشمالية، هي "كراء الشمسيات"، على الرغم من الإجراءات، التي تعلن عنها الجهات المسؤولة عن تحرير الشواطئ من مافيات "الشمسيات"، التي تحتكر الشاطئ بأن تفرشه بشمسياتها، وطاولاتها فيضطر الناس للاستئجار.
العطلة تقوم في جزء كبير منها على الاستهلاك، حيث تكون الأسر أقل صرامة مع الأطفال فيما يُصرف في الترفيه. لكننا لا نجد ملاهي، ولا ألعاب، ولا حدائق ألعاب تستجيب لهذه الحاجة. فهشاشة السياحة الصيفية، التي لا تدوم أكثر من أسابيع قليلة، تعرقل عملية إنشاء بنية سياحية دائمة. ويؤدي ذلك إلى اقتصار التأهيل على مطاعم مؤقتة مثلاً. والدليل على ذلك فشل مشروع "مارينا المضيق"، الذي جُهز ببنية مطاعم ومقاهي يُفترض أن تعمل على مدار العام، مما يُبقي المدينة محل إقبال للزوار من المناطق المحيطة في نهاية الأسبوع. لكن تعرضت البنية للانهيار لأسباب غير مفهومة، ثم أجهزت عليها سنتا الإغلاق خلال وباء "كورونا". فصارت المارينا خاوية على عروشها بينما عرفت أياماً زاهية في سنواتها الأولى. مع العلم أن هناك ندرة شديدة في المقاهي السياحية، وكانت "المارينا" حلاً مناسباً.
مع العلم أن هذه المدن والبلدات الشاطئية - ومعظمها صغير - تعتمد على موسم الصيف كمصدر وحيد للدخل خلال السنة.
مهن صيفية تخلق الفوضى
أكثر المهن المنتعشة في جل الشواطئ الشمالية، هي "كراء الشمسيات"، على الرغم من الإجراءات التي تعلن عنها الجهات المسؤولة عن تحرير الشواطئ من مافيات الشمسيات، التي تحتكر الشاطئ بأن تفرشه بشمسياتها، وطاولاتها فيضطر الناس للاستئجار.
الأمر يضايق الذين يحملون شمسياتهم حيثما ذهبوا على الرغم من أن عددهم يقل، خاصة الأسر كبيرة العدد. فاستئجار "شمسية" بمرافقها يومياً، يكلف مبلغاً لا استغناء عنه. خاصة أن بعض المناطق تصل فيها الأسعار إلى 100 درهم، أي 10 دولارات لنصف يوم تحت "شمسيات" الشمال.
تعتمد الأسر متوسطة الدخل على الادخار من أجل قضاء عطلة الصيف، فلأسبوع واحد على البحر، عليها وضع مبالغ مهمة كل شهر على جنب. لكن التضخم القياسي للأسعار، يجعل المهمة أكثر صعوبة سنة بعد أخرى، خاصة مع الطوارئ المختلفة. فمجيء عيد الأضحى مثلاً قبل العطلة أربك الأمور.
المهن الثانية، هي بيع الحلويات والمثلجات والفطائر، التي تتطلب من أصحابها قضاء يوم كامل يجولون الشواطئ من أقصاها إلى أقصاها، عشرات المرات. ومع مشاق العملية صاروا أكثر إلحاحاً، فيقف طفل أو بالغ منهم فجأة، وسط شابتين مستلقيتين على الرمال، أو يندسّ وسط أسرة، مستغلاً رغبة الأطفال الدائمة في الحلويات والألعاب، ليضطر الأهل إلى شراء أي شيء لإيقاف بكاء الأطفال.
مقابر طنجة السياحية
28-08-2022
الفوضى رفيقة الازدحام المفضلة، لذا تحتاج الشواطئ في هذه الفترة إلى ضوابط وإلى شرطة بحرية. فملّاك الشمسيات يحجزون أفضل الأماكن، وجميع الشباب يعنّ لهم لعب الكرة، فيستحيل الاستلقاء بسلام، بينما أنت مهدد بتلقي كرة طائشة في أي حين، وكذلك لا يمكن المشي والشاطئ محجوز بلاعبي الكرة الطارئين.
هشاشة الادخار
تعتمد الأسر متوسطة الدخل على الادخار من أجل قضاء عطلة الصيف، فلأسبوع واحد على البحر، عليها وضع مبالغ مهمة كل شهر على جنب. لكن التضخم القياسي للأسعار، يجعل المهمة أكثر صعوبة سنة بعد أخرى، خاصة مع الطوارئ المختلفة. فمجيء عيد الأضحى مثلاً قبل العطلة أربك الأمور. وتسليم رواتب شهر حزيران/ يونيو مسبقاً، لمساعدة الأسر على تولي تكاليف العيد، مما تسبب في إضعافٍ أكثر لقدرة عدد كبير من الأسر على التخييم، ولن نستغرب من تخلي بعضها عن العطلة أو تقليلها من مدتها.