إعداد وتحرير: صباح جلّول
"لن يعود مجمع الشفاء إلى كونه مستشفى"، جزمَ متحدث عسكري من جيش الاحتلال الإسرائيلي في مقابلة إذاعية بُعيد خروج جيش الإبادة من مجمع الشفاء الطبي في أول نيسان/ أبريل 2024، مخلِّفاً وراءه أرضاً محروقة بكل ما للكلمة من معنى: مجمعاً خرجت جميع مبانيه وأقسامه عن أيّ نوع من الخدمة الطبية، إنشاءات متفحمة، مئات الشهداء والجثث المتحللة، وسيلاً من قصص الرعب التي تردّدها العيون المذهولة في ساحات الشفاء قبل الألسن، كأنها استكمال لأهوال صبرا وشاتيلا وتل الزعتر...
رغماً عنه، صار المجمّع الطبي الواقع في منطقة الرمال غرب غزّة، رمزاً للمدينة والقطاع. رغماً عنه، لأنّ أسطورته حاكتها المجزرة، في مكانٍ وُضع أساساً لتضميد الجرح وشفاءِ الألم. لكن حيث شقّ الغزّيون مرّة سبيلاً للنجاة، صنع الاحتلال ساحةً للموت.
____________
ملف خاص
إلى غزة وأهلها
____________
"لن يعود"، قال الإسرائيليون منذ بضعة أسابيع فقط، إلى أن تُطالِع المرء صورةٌ على إحدى الشبكات الإخبارية لبوابة المشفى كُتب في أسفلها "مستشفى الشفاء ينهض كالعنقاء". فترى شباب وشابات غزة – وأولادها وشيبها أيضاً – تطوّعوا لإصلاح ما تيسّر بما توفّر (وما توفّر قليل). صحيحٌ أن الشفاء لم يعد ما كانه، بوصفه المؤسسة الطبية الأكبر والأهم والأوسع تخصصاً في غزة، لكنه أيضاً لم يسمح بمحو ما كان عليه دوره وبإخراجه من دائرة الوجود كما تمنى العدو. بهمّة أبناء غزة والأهالي النازحين، أعيد تأهيل بعض الغرف والممرات والأقسام، وجُهّزت باليسير الذي وُجد من معدات بسيطة ومحاليل، نظّفوا عدداً من الأروقة والغرف، وقاموا بطلاء بعض الحيطان وبناء بعض الحيطان. حَمل الأمانة أولئك الذين هم في ظروف تهدّ الحيل وتُنهك الروح والبدن، وهو ما يجعل عملهم التطوعي هذا جباراً بشكلٍ مضاعف.
****
"إنها حربٌ على المستشفيات والقطاع الطبي"، كرّر الطبيب غسان أبو ستة مرات عدّة من داخل غزة ثم خارجها. وكذلك قالت جمعيات صحية لا حصر لها.
في مستشفى الشفاء وحده، قتل الاحتلال أكثر من 350 عاملاً وعاملة في القطاع الصحي، ودُمرت كامل وحدات العناية المركزة وأقسام الطوارئ والجراحة العامة وجراحة العظام وغيرها. سُحقت وقُصفت 130 سيارة إسعاف.
تتوقع تقارير الأمم المتحدة وعدة منظمات دولية أن إعادة بناء وترميم الشفاء ستتطلب نحو عشرين عاماً. يستمرّ الاحتلال باستعمال الألم والمعاناة كسلاح ضدّ فلسطينيي غزّة، ويستمرون هم في محاولاتهم الحثيثة لاستعادة نذرٍ من حياة لا تنفكّ تنفلت من بين اليدين.