تصاعد وتيرة حراك الجامعات في العالم، الداعم لغزة وما رافقه من قمع مؤسسي عنيف، يكشف مجدداً عن زيف الحكومات والإدارات التي تتشدق بحقوق الإنسان وهي تكيل بمكيالين. لكن الحراك العنيد والمبدع، على الرغم من القمع، قد كشف لنا أيضاً عن الوضع المزري، الذي وصلت إليه الحركة الطلابية في منطقتنا، بتخلفها عن مواكبة هذه الظاهرة العالمية.
تاريخياً، لم تتوقف حركة الطلاب المصريين يوماً، عن أداء دورها في مناصرة الشعب الفلسطيني، ودعم حقه في تقرير مصيره. فكانت القضية الفلسطينية في مختلف محطاتها دافعاً رئيسياً لتفجر الاحتجاجات في الجامعات المصرية، بالإضافة إلى نضالات مهمة، خيضت في سبيل استعادة الأراضي المحتلة، حين التفّت موحدة بعد هزيمة 1967 حول مطلب الاستعداد لحرب التحريرالشعبية، وتحقيق النصر على إسرائيل.
"رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تاني".. هكذا غنى "الشيخ إمام" الكلمات التي كتبها الشاعر "أحمد فؤاد نجم"، بداية السبعينيات على خلفية الانتفاضة الطلابية في عام 1972، والتي لعبت "جماعة أنصار الثورة الفلسطينية" دوراً بارزاً فيها، وهي مجموعة طلابية كانت تنشط في كلية الهندسة جامعة القاهرة آنذاك.
مصر وجنازتان مهيبتان
30-05-2024
صارت حال الركود هي التي تهيمن على المشهد الطلابي اليوم في مصر، نتيجة القمع المميت والضربات المتتالية، التي تلقتها الحركة الطلابية من قبل السلطة الحاكمة. وقد تأثرت كذلك بما هو موجود خارج أسوار الجامعة، من تراجع عام للحركة السياسية عموماً والاحتجاجية منها على وجهٍ خاص.
محاصرة النشاط الطلابي
بعد السيطرة على الحكم في عام 2013، سعي النظام العسكري إلى إخضاع الجامعات وتفريغها من أي نشاط طلابي. كما قام تدريجياً بتضييق الخناق على الكتل الطلابية المنظّمة، إلى أن تم إفراغ مساحات التحرك الجامعي تماماً من أي صوت قد يسبب إزعاجاً للسلطة السياسية.
قامت الحكومة خلال العام نفسه، بإصدار قرار يسمح لرؤساء الجامعات، باستدعاء قوات الأمن المتمركزة في نقاط ثابتة أمام بوابات الجامعات، والدخول إلى الحرم الجامعي لمواجهة الاحتجاجات والتظاهرات الطلابية، مما أدى إلى تعرض الطلاب والطالبات إلى شتى أساليب التنكيل الأمني، وصولاً إلى ارتكاب الشرطة جرائم قتل للطلاب داخل ساحات الجامعة. ففي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، سقط الطالب بجامعة القاهرة "محمد رضا"، في ساحة كلية الهندسة، برصاص الشرطة أثناء فض مظاهرة، فيما رصدت تقارير مقتل 17 طالباً آخر، في محيط المنشآت الجامعية خلال العام الدراسي نفسه، كما شهد العام الدراسي 2014-2015 مقتل 3 طلاب.
وبدعوى تأمين المنشآت العامة، صدر قرار جمهوري في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 يُلزِم قوات الجيش بمشاركة الشرطة في عمليات التأمين، وإحالة الجرائم ضد المنشآت، ومنها الجامعات إلى النيابة العسكرية. وكانت نتائج القرار إحالة عدد من الطلاب إلى المحكمة العسكرية، واقتحام الجيش المتكرر لجامعة المنصورة.
يُذكر أن الأمن الإداري المسؤول عن تأمين الجامعات، قد حل محل الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية بعد "ثورة يناير 2011"، تنفيذاً للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية في عام 2010، الذي قضى بطرد وحدات الحرس الجامعي، باعتبارها تمثل قيداً على حرية الطلاب والأساتذة والباحثين. إلا أن وزارة التعليم العالي قامت في عام 2014 بالتعاقد مع شركات أمن خاصة مملوكة لقيادات أمنية، لتولي مهام التأمين، فقامت عناصر أمن هذه الشركات بالمشاركة في مطاردة الطلاب في التظاهرات، والقبض عليهم بغرض تسليمهم للشرطة.
قامت الحكومة خلال العام 2013، بإصدار قرار يسمح لرؤساء الجامعات، باستدعاء قوات الأمن المتمركزة في نقاط ثابتة أمام بوابات الجامعات، والدخول إلى الحرم الجامعي لمواجهة الاحتجاجات والتظاهرات الطلابية، مما أدى إلى تعرض الطلاب والطالبات إلى شتى أساليب التنكيل الأمني، وصولاً إلى ارتكاب الشرطة جرائم قتل للطلاب داخل ساحات الجامعة.
إلى جانب ذلك، تخلو انتخابات الاتحادات الطلابية من المنافسة، في ظل حظر ممارسة المجموعات الطلابية للأنشطة السياسية، وهيمنة مبادرة "طلاب من أجل مصر" المدعومة من السلطة على العمل داخل الجامعات منذ تأسيسها في عام 2017، إضافة إلى اكتساحها نتائج الانتخابات كل عام.
وفي الوقت نفسه، تمّ اعتماد "اللائحة الطلابية الجديدة"، من قبل المجلس الأعلى للجامعات، والتي تضع شروطاً للترشح في انتخابات الاتحاد، تهدف من خلالها إلى منع الطلاب المعارضين، ومن بين هذه الشروط ألا يكون الطالب منتمياً إلى تنظيم أو كيان أو جماعة تأسست خلافاً للقانون، وألا يكون قد وقع عليه جزاء تأديبي.
التضامن مع فلسطين "عمل إرهابي"
في مطلع أيار/ مايو 2024، أعلن طلاب مصريون عن تأسيس حركة "طلاب لأجل فلسطين" في الجامعات والمعاهد المصرية، والغاية من ذلك تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، في ظل العدوان على قطاع غزة، وقاموا بتوجيه دعوة إلى عموم الطلاب، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي للالتحاق بالحركة.
سهام صبري: مناضلة شجاعة من مصر
09-12-2021
أحمد رزة: حتى لا يندثر تاريخ هؤلاء وللتعلم من سيرتهم
05-10-2023
وجاء في البيان التأسيسي للمجموعة : "طلاب مصر كانوا وسيظلون الضمير الحي المعبِّر عن آلام وآمال شعبنا، كامتداد لحركة طلابية عريقة كانت دائماً في طليعة القوىٰ الوطنية والمعبّر الأصيل عنها. فعلى امتداد تاريخ الحركة الطلابية المصرية، ومنذ نشأتها، كانت قضية الاستقلال ورفض الاستعمار هي الباعث والمحرك الرئيسي لنضالات طلاب مصر". وطالبت وزارة التعليم العالي بحظر دعاية منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل داخل الحرم الجامعي، كما ناشدت بضرورة مساندة الطلاب الفلسطينيين في مصر، وإعفائهم من المصروفات الدراسية.
بمجرد الإعلان عن الحركة، قابلت الأجهزة الأمنية ذلك بردة فعل مسعورة ضد عدد من الطلاب، وألقت القبض عليهم تباعاً، بسبب المشاركة في إنشاء كيان طلابي. وكانت أسرة الطالب في أكاديمية الفنون "زياد البسيوني"، قد كشفت عن واقعة اعتقاله بعد اقتحام أفراد من الأمن الوطني منزله وبعثرة محتوياته، فيما جرى القبض على طالبين آخرين من محافظة المنصورة، وهما "مازن دراز"، و"محمد إبراهيم". وقررت النيابة حبس الطلاب الثلاثة، ووجهت إليهم تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
بدعوى تأمين المنشآت العامة، صدر قرار جمهوري في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 يُلزِم قوات الجيش بمشاركة الشرطة في عمليات التأمين، وإحالة الجرائم ضد المنشآت، ومنها الجامعات إلى النيابة العسكرية. وكانت نتائج القرار إحالة عدد من الطلاب إلى المحكمة العسكرية، واقتحام الجيش المتكرر لجامعة المنصورة.
في عام 2014 قامت وزارة التعليم العالي بالتعاقد مع شركات أمن خاصة مملوكة لقيادات أمنية، لتولي مهام التأمين، فقامت عناصر أمن هذه الشركات بالمشاركة في مطاردة الطلاب في التظاهرات، والقبض عليهم بغرض تسليمهم للشرطة.
ومع إحكام القبضة الأمنية على العمل الطلابي داخل الجامعات الحكومية، يقتصر وجود تحركات داعمة لفلسطين على الجامعة الأمريكية في القاهرة، حيث قام الطلاب بتنظيم عدة مظاهرات ضد سياسات الإدارة، معتبرين أن الجامعة تمول الإبادة التي يتعرض لها شعب غزة، بالتعاون مع الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، رافعين لافتات مكتوب عليها "فلوسنا رايحة فين؟".
فعاليات تحرِّكها السلطة
اعتادت السلطة على استخدام ورقة التظاهر منذ بداية الحرب في غزة، ولكن في التوقيت المناسب وبالشكل الذي تحدِّده، لخلق مشهد تستطيع من خلاله أن تروج لدعايتها، مستعينة بأحزاب الموالاة في الحشد من أجل تأييد الرئيس وإظهار الموقف الرسمي المصري، باعتباره مسانداً للشعب الفلسطيني. الحال نفسها داخل أسوار الجامعة، وعلى غرار حزب الأغلبية المقرب من السلطة، "مستقبل وطن"، تتولى مبادرة "طلاب من أجل مصر" مهمة تنظيم هذا النوع من الفعاليات.
بحسب تصريحات لوزير التعليم العالي المصري، فإن عدد الطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية، يبلغ قرابة 6 آلاف طالب وطالبة. تتراوح المصروفات الدراسية للعام الدراسي الواحد من 3 إلى 7 آلاف دولار، وتتفاوت بحسب الجامعة التي يلتحق بها الطالب.
قرر شيخ الأزهر "أحمد الطيب" إعفاء طلاب فلسطين الدارسين في جامعة الأزهر ومعاهد البحوث الإسلامية، البالغ عددهم 444 طالباً وطالبة، من المصروفات الدراسية، وصرف لهم مبلغاً مالياً شهرياً، وفتح لهم أبواب السكن في مهاجع الطلاب في تلك المعاهد.
كانت هذه "المبادرة" قد نظمت حملة في عدد من الجامعات، تحت عنوان "أسبوع التبرع بالدم لصالح الأشقاء الفلسطينيين" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتمّ إبرازها على أنها تأتي في إطار دعم الدولة المصرية للشعب الفلسطيني، وتنفيذاً لتوجيهات الرئيس السيسي.
الطلبة الفلسطينيون في جامعات مصر
أثرت الحرب بشكل مباشر علي الطلاب الفلسطينيين في الخارج، ومن بينهم المسجلون في جامعات مصرية، والذين يعيشون في قلق دائم على عائلاتهم، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي. وإلى جانب انعكاس الحرب على أوضاعهم النفسية، تأثرت قدراتهم المادية على دفع الرسوم الدراسية، وتحمّل تكاليف المعيشة في مصر، بعد انقطاع المساعدات المالية، التي كانت تصل إليهم من أهاليهم.
بحسب تصريحات لوزير التعليم العالي المصري، فإن عدد الطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية، يبلغ قرابة 6 آلاف طالب وطالبة. تتراوح المصروفات الدراسية للعام الدراسي الواحد من 3 إلى 7 آلاف دولار، تتفاوت بحسب الجامعة التي يلتحق بها الطالب.
ونظراً لهذا الظرف الاستثنائي، انطلقت المناشدات من قبل طلاب فلسطينيين مقيمين في مصر، موجهة إلى وزارة التعليم العالي ورؤساء الجامعات، لإعفائهم من الرسوم الدراسية. وفي استجابة منه لهذه المطالبات، قرر شيخ الأزهر "أحمد الطيب" إعفاء طلاب فلسطين الدارسين في جامعة الأزهر ومعاهد البحوث الإسلامية، البالغ عددهم 444 طالباً وطالبة، من المصروفات الدراسية، وصرف لهم مبلغاً مالياً شهرياً، وفتح لهم أبواب السكن، في مهاجع الطلاب في تلك المعاهد.