تلاشي الكهرباء الحكومية في اليمن يضيء على رقعة ظلام واسعة

صارت المؤسسة العامة للكهرباء آخر شاهد على سياسات الرعاية الاجتماعية، التي وُجدت في اليمن، ثم تآكلت بفعل سياسات الخصخصة والانفتاح الاقتصادي والفساد المرافق لذلك. كانت سياسة مؤسسة الكهرباء تقوم على تحديد سعر منخفض للاستهلاك المنزلي وسعر مرتفع للاستهلاك التجاري. وكانت تحدد سقفاً أعلى للاستهلاك المنزلي، وفي حال تجاوزه يصير السعر تجارياً. لكن هذا كله تلاشى وبات من الماضي. لقد غرقت اليمن في ظلام الحرب وتجارها.
2024-05-27

وسام محمد

كاتب من اليمن


شارك
مرضى في ساحة احدى مستشفيات عدن انقطع عنها الكهرباء

مع عودة الصيف القائظ في اليمن، يعود الحديث عن الكهرباء الغائبة والمعاناة التي يتكبدها السكان، خاصة في المناطق اليمنية الساحلية والصحراوية ذات الطقس الرطب شديد الحرارة.

مطلع أيار/ مايو الحالي، أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن، عن أن محطة الرئيس "بترومسيلة" (كبرى محطات توليد الكهرباء في المدينة) سوف تخرج عن الخدمة بسبب نفاد الوقود. وفعلاً غرقت مدينة عدن في الظلام خلال الأيام التالية، ووصلت ساعات الانقطاع المتواصل إلى 12 ساعة في اليوم، ما أدى إلى خروج سكان مدينة عدن في سلسلة من الاحتجاجات وإشعال إطارات السيارات في ليل عدن المظلم.

أدت الحرب المتواصلة في اليمن ـ والتي دخلت عامها العاشر أواخر آذار/ مارس الماضي، إلى مفاقمة مشاكل الكهرباء، فيما صار الناس في مناطق سيطرة جماعة الحوثي يعتمدون على الطاقة الشمسية والكهرباء التجارية عالية الكلفة. وفي مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، يعتمد الناس أيضاً على الطاقة الشمسية وعلى كهرباء حكومية متقطعة...

مقدمات تلاشي الكهرباء الحكومية

خلال السنوات التي سبقت اندلاع الحرب في اليمن، كانت مشاكل الكهرباء تتصدر الأزمات التي يعاني منها البلد، والسبب في ذلك، هو الاستهداف المتواصل لأبراج الكهرباء[1]. فقبل ثورة "فبراير 2011"، كان رجال القبائل، الذين لديهم مطالب عند الحكومة، يقودون تلك العمليات. لكن بعد الثورة، وخلال الثلاثة أعوام التي سبقت اندلاع الحرب، تكثفت عمليات الاستهداف، وكانت وزارة الكهرباء في الحكومة الانتقالية تتهم علي عبد الله صالح صراحة بأنه يقف خلفها، بواسطة رجال قبائل موالون له، بهدف عرقلة عملية الانتقال السياسي واثارة الشارع ضد الحكومة.

خلّفت أعمال استهداف خطوط نقل الطاقة أضراراً كبيرة بالمعدات والآلات، وتجاوزت خسائر الحكومة جراء تلك الاعتداءات 33 مليار ريال (153,5 مليون دولار). أما الإشكالية الأخرى، فهي أن مسؤولين كبار في الدولة وشخصيات نافذة ظلت لسنوات ترفض تسديد فواتير الكهرباء، فظلت مديونية الكهرباء تتراكم ووصلت إلى 293 مليون دولار، قرابة نصفه مديونية عند مواطنين يرفضون التسديد، إلى جانب مشاكل الربط من خارج العدّاد في ظل ضعف الرقابة، ونسبة الفاقد الكبيرة بسبب سوء واهتراء شبكات التوصيل.

كان سعر الكيلووات في الاشتراك المنزلي 4 ريالات، والتجاري 20 ريالاً، بينما سعر التكلفة 25 ريالاً، وكان مطروحاً رفع سعر الكيلووات إلى 30 ريالاً (سعر الدولار قبل اندلاع الحرب كان 215 ريالاً)، لتجاوز خسائر مؤسسة الكهرباء، وجعلها تربح 5 ريالات لكل كيلووات.

ولم تكن أسعار الكهرباء هي المشكلة الكبرى، ولكن الانقطاعات المتكررة. أما اليوم فقد أصبحت المشكلة في التكاليف الباهظة، التي يتكبدها المواطنون الباحثون عن بدائل من خلال منظومات الطاقة الشمسية، أو الربط بكهرباء توفِّرها شركات خاصة بأسعار عالية في ظل توجه نحو الخصخصة، إلى جانب بقاء مشاكل الانقطاعات المتكررة للكهرباء، في المناطق التي لا تزال تتوافر فيها كهرباء حكومية. ويعود السبب إلى الفشل الإداري والفساد الهائل في هذا القطاع الحيوي.

بداية عهد الطاقة الشمسية

انعدام المشتقات النفطية في الأشهر الأولى من الحرب، أغرق اليمن في ظلام واسع. توقفت محطة مأرب الغازية عن العمل ولم تعد الكهرباء متاحة سوى لمن يستطيعون شراء الوقود بأسعار باهظة من السوق السوداء، لتشغيل مولداتهم الصغيرة (وصل سعر ليتر البترول الواحد إلى 15 دولاراً)، كأصحاب المحلات التجارية. حينها برزت ظاهرة التصدق بالكهرباء، كما وصف الصحافي الراحل محمد عبده العبسي، وذلك من خلال مد توصيلة كهربائية في الشارع. وكان من الشائع مشاهدة التجمعات على الأرصفة من أجل شحن الهواتف، لتمتد الطوابير بعد ذلك من أجل الحصول على الغاز وسلال الإغاثة وأقراص الخبز.

بعد أشهر من الظلام، بدأ عهد الطاقة الشمسية، وأخذت الألواح السوداء اللامعة تنتشر في الأسواق اليمنية، ثم صارت السلعة الأولى من حيث إقبال الناس عليها. فقد أعادت الأضواء إلى المنازل ووفرت شحناً للهواتف. وأخذ الريف المحروم من الكهرباء يردم الهوة التي ظلت قائمة بينه وبين المدن. ومع انتشار ألواح الطاقة الشمسية، تخلقت بالتدريج قائمة من الاحتياجات، إذ بدأت تنتشر الشاشات المسطحة ذات الاستهلاك البسيط مقارنة بما تستهلكه أجهزة التلفاز الكهربائية، فاتجه الناس إلى شراء تلك الشاشات، ثم ظهرت الأجهزة الأخرى التي تعتمد على الطاقة الشمسية.

مسؤولون كبار في الدولة وشخصيات نافذة ظلت لسنوات ترفض تسديد فواتير الكهرباء، فظلت مديونية الكهرباء تتراكم ووصلت إلى 293 مليون دولار، قرابة نصفه مديونية عند مواطنين يرفضون التسديد، إلى جانب مشاكل الربط من خارج العدّاد في ظل ضعف الرقابة، ونسبة الفاقد الكبيرة بسبب سوء واهتراء شبكات التوصيل.

ولأن سوق الطاقة الشمسية ظلت بلا رقابة سواء فيما يتعلق بالأسعار أو الجودة، فقد أدى ذلك إلى قيام التجار بفرض الأسعار التي يريدون، إذ بلغت تكاليف شراء منظومة طاقة شمسية عادية (لوح وبطارية ومنظِّم وأسلاك ولمبات)، حوالي 300 دولار، إلى جانب انتشار أنواع رديئة، اضطرت كثيرين إلى إدخال تحسينات دائمة على هذه المنظومة، وأحياناً تغييرها. ومع توقف الأعمال بسبب الحرب وتوقف الدخل، استنزف السكان مدخراتهم، فضلاً عن الحوادث المتكررة جراء انفجار البطاريات، بسبب انعدام الخبرة في التعامل معها.

وفيما وصف الانتشار الهائل للطاقة الشمسية في اليمن، بأنه "ثورة" تسهم في خفض انبعاث الكربون الضار بالبيئة، بحسب "برنامج التنمية والطاقة"، إلا أن غياب السياسات المنظِّمة لسوق الطاقة الشمسية، ورداءة المنتجات التي تصل إلى اليمن أفقد هذه الثورة فعاليتها، وصار الناس يميلون إلى تفضيل الاشتراك في الكهرباء التجارية، ذات الفعالية على الرغم من كلفتها العالية.

ظهور الكهرباء التجارية

عندما بدأت الكهرباء التجارية في الظهور منذ العام 2017، وجد الناس فيها بديلاً، لهذا واصلت انتشارها. ومع حلول العام 2019، صارت المحطات التجارية منتشرة في كل المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وفي مدينة تعز المحاصرة. عند إدخال التيار إلى المنازل، تفرض شركات الكهرباء التجارية على المشتركين شراء العدَّادات التي تقوم بتوفيرها (عدادات صينية يقال إنها غير دقيقة)، وتبلغ قيمتها ما بين 12 إلى 30 ألف ريال (20 – 50 دولاراً)، كما تفرض اشتراكاً شهريّاً قد يصل إلى 18 ألف ريال. وتقوم بعض الشركات التجارية بتحصيل الفواتير كل أسبوع، وبعضها كل 15 يوماً، ومن لا يسدد يُفصل عنه التيار على الفور. وقد ظل مالكو شركات الكهرباء يحددون تسعيرة التيار، كلٌ على هواه، فكان سعر الكيلووات يتجاوز 350 ريالاً يمنياً (سعر الدولار في صنعاء 527 ريالاً).

برزت ظاهرة التصدق بالكهرباء، كما وصفها الصحافي الراحل محمد عبده العبسي، وذلك من خلال مد توصيلة كهربائية في الشارع. وكان من الشائع مشاهدة التجمعات على الأرصفة من أجل شحن الهواتف، لتمتد الطوابير بعد ذلك من أجل الحصول على الغاز وسلال الإغاثة وأقراص الخبز.

أخذت الألواح السوداء اللامعة تنتشر في الأسواق اليمنية، ثم صارت السلعة الأولى من حيث إقبال الناس عليها. فقد أعادت الأضواء إلى المنازل، ووفرت شحناً للهواتف. وأخذ الريف المحروم من الكهرباء يردم الهوة التي ظلت قائمة بينه وبين المدن.

بعد أعوام من الأسعار المتضاربة، التي ظلت تستثمر حاجة الناس إلى الكهرباء، صدر قرار بتوحيد سعر كيلووات الكهرباء بـ 257 ريالاً (حوالي نصف دولار)، لكن مع سياسة مزدوجة إزاء شركات الكهرباء الخاصة، حيث يجري التشديد على البعض وإجبارها على تطبيق التسعيرة، والتساهل مع تلك التي تكون مملوكة لأشخاص يتبعون جماعة الحوثي، أو يرتبطون بقيادات عليا فيها، بل ويسمح لهذه الشركات بأن تشغل مولداتها وسط الأحياء السكنية، من دون توافر أدنى شروط ومعايير السلامة. كشف تحقيق صحافي[2] عن أن 11 محطة كهربائية في مدينة صنعاء القديمة، المدرجة من قبل منظمة "اليونسكو" ضمن "قائمة التراث العالمي"، صارت تمثل خطراً على المباني الأثرية، علاوة على الإزعاج والتلوث البيئي ومخاطر اندلاع حرائق. أشار التحقيق أيضاً إلى وجود ثلاث محطات داخل بساتين تتبع وزارة الأوقاف، قامت بتأجيرها.

تجني جماعة الحوثي أرباحاً طائلة من هذه الشركات، من خلال الضرائب التي تفرضها عليها، وأيضاً من خلال تأجير البنية التحتية التابعة للدولة، والشركات التي تتبعها. غير أنها لم تكتفِ بذلك، إذ استغلت التذمر عند بعض مالكي المولدات، الذين يجري التشديد عليهم في تطبيق التسعيرة المحددة، وعرضت عليهم المؤسسة العامة للكهرباء بأن يبيعوا التيار لها مقابل أرباح بسيطة لكنها ثابتة عن كل كيلووات، بينما تتولى المؤسسة تشغيل هذه المولدات وبيع الكهرباء للمواطنين. وهو ما حدث! فقد صارت المؤسسة الحكومية هي الأخرى تبيع الكهرباء بأسعار الشركات التجارية نفسها!

تتجلى المعاناة أكثر في محافظة الحُديدة الساحلية، حيث يتسم الطقس بدرجة حرارة عالية، توازيها ظروف اقتصادية سيئة للغاية. سقط كثير من الضحايا بسبب ذلك، وقبل عامين أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إعلامية، تسلط الضوء على معاناة السكان. على إثر ذلك، أعلنت السلطات في صنعاء عن "صندوق دعم كهرباء الحُديدة"، من خلال استقطاع مبالغ على الواردات والبضائع التي تدخل ميناءها. وبتمويل من الصندوق، أقيم مشروع للطاقة الشمسية المتجددة، والتي دشنت إنتاجها أواخر العام 2023، من خلال بيع الطاقة للمؤسسة العامة للكهرباء بسعر 70 ريالاً للكيلووات، كون المشروع مستقلّاً، ويتبع "صندوق كهرباء الحُديدة"، الذي بدوره يتبع رئاسة الجمهورية. غير أن مؤسسة الكهرباء الحكومية، قامت بالبيع للسكان بسعر شركات الكهرباء التجارية نفسه، أي 250 ريالاً لكل كيلووات[3].

متاهة الفساد

قبل الحرب، عندما كانت خطوط نقل الطاقة في مأرب تتعرض لهجمات متواصلة، كان الحل المقترح لتجاوز مشاكل الكهرباء على المستوى الوطني هو أن يصير لكل محافظة محطة كهرباء خاصة، بحيث تعتمد المحافظات على نفسها، ولا تبقى مرتبطة بمحطة واحدة مركزية، طالما والحكومة غير قادرة على مواجهة المخرِّبين. وعندما صار الأمر كذلك بقوة الواقع الذي فرضته الحرب، وصارت بعض المحافظات معنية بمواجهة إشكالية الكهرباء، زاد الأمر سوءاً. صار لكل محافظة مشاكلها الخاصة المتعلقة بالكهرباء. يوضح هذا أن الخلل يكمن في طبيعة الإدارة الحكومية الغارقة في الفساد.

مع انتشار ألواح الطاقة الشمسية، تخلّقت بالتدريج قائمة من الاحتياجات، حيث بدأت تنتشر الشاشات المسطحة ذات الاستهلاك البسيط مقارنة بما تستهلكه أجهزة التلفاز الكهربائية، فاتجه الناس إلى شراء تلك الشاشات، ثم ظهرت الأجهزة الأخرى التي تعتمد على الطاقة الشمسية.

لرداءة أجهزة الطاقة الشمسية، اتجه الناس إلى الكهرباء التجارية، التي تُوفِّرها مولدات كبيرة بأسعار متفلتة من الرقابة، وهي أنشأت شركاتها الخاصة. وتجني جماعة الحوثي أرباحاً طائلة من هذه الشركات، من خلال الضرائب التي تفرضها عليها، وأيضاً من خلال تأجير البنية التحتية التابعة للدولة، والشركات التي تتبعها.

وصفت مذكرة [4] قدمها رئيس مجلس النواب إلى رئيس الحكومة، في آب/ أغسطس 2023، قطاع الكهرباء، بـ "الثقب الأسود لابتلاع المال العام نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد"، إذ أنفقت الحكومة 3 ملايين دولار في اليوم لتوفير الكهرباء في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

استندت المذكرة إلى تقرير برلماني[5]، وصف وضع الكهرباء الحكومية بـ "المشهد البائس" وقال إنه مؤشر بالغ الخطورة على غياب الرشد، وفقدان التوازن في سياسة الإنفاق للموارد المتاحة، التي تتم خارج مسارات الخطط والرؤى والقرارات والقوانين النافذة. وخارج الأولويات الحيوية والمكرسة للإدارة الرشيدة للخدمات العامة ذات العلاقة بالحياة المعيشية للمواطنين. أشار التقرير إلى أن الدولة تكبدت خلال ثلاث سنوات خسائر مقدارها 575 مليون دولار، بسبب الاستمرار في التعاقد مع شركات بيع الطاقة بوقود الديزل عالي الكلفة. أدى ذلك إلى انخفاض القدرة التوليدية إلى أدنى معدل لها، وارتفاع نسبة العجز إلى 75 في المئة خلال صيف 2023، وإلى توقف المحطات العاملة بين الحين والآخر، وإلى وفيات بين السكان. كانت القدرة الإنتاجية للطاقة المولَّدة من محطة "بترومسيلة" تصل إلى 264 ميجاوات، إلا أن عدم توفير الوقود الكافي للمحطة جعلها تنتج فقط ما بين 50 إلى 60 ميجاوات فقط.

ومع تجدد أزمة الكهرباء هذا العام، قال رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك، إن كهرباء عدن تستهلك وحدها 2 مليون دولار يومياً. وإن الكهرباء تستهلك ما نسبته 31 في المئة من ايرادات الدولة سنويّاً، أما السبب فيعود إلى شراء الوقود بالأمر المباشر، وبأسعار كبيرة، إذ يصل سعر الطن الوقود إلى 1200 دولار، بينما سعره الحقيقي لا يتجاوز 763 دولاراً[6].

تعد مدينة تعز المحاصرة، النقطة التي تلتقي عندها سياسة الخصخصة الحوثية والإهمال الحكومي، حيث تنتشر فيها محطات الكهرباء الخاصة، التي تعتمد على الشبكة الحكومية، والتي صارت تحظى بمباركة السلطات المحلية، التي لم تسعَ إلى إعادة الكهرباء الحكومية، على الرغم من أن احتياجها لا يتجاوز وفقاً لما يؤكده خبراء 30 ميجاوات. وبما أن وضع الحصار يقيّد السكان، ويمنعهم من الاحتجاج الفعال، فإن الحكومة المعترف بها، لا تهتم باحتياجاتهم.

في كل الانحاء

تشمل أزمة الكهرباء باقي المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" والحكومة المعترف بها دولياً، حيث تغطي الكهرباء الحكومية أقل من 40 في المئة من الاحتياج الفعلي، بما في ذلك في محافظتي حضرموت وشبوة الغنيتين بالنفط. لهذا فإن الاحتجاجات على الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي، في سائر المحافظات اليمنية الجنوبية، بمثابة ظاهرة متكررة.

قال رئيس وزراء الحكومة المعترف بها دولياً، أحمد عوض بن مبارك، إن كهرباء عدن تستهلك وحدها 2 مليون دولار يومياً. وإن الكهرباء تستهلك ما نسبته 31 في المئة من إيرادات الدولة سنويّاً، أما السبب فيعود إلى شراء الوقود بالأمر المباشر وبأسعار كبيرة، إذ يصل سعر الطن الوقود إلى 1200 دولار، بينما سعره الحقيقي لا يتجاوز 763 دولاراً.

كشف تحقيق صحافي عن أن 11 محطة كهربائية في مدينة صنعاء القديمة، المدرجة من قبل منظمة "اليونسكو"، ضمن "قائمة التراث العالمي"، صارت تمثل خطراً على المباني الأثرية، علاوة على الإزعاج والتلوث البيئي ومخاطر اندلاع حرائق. أشار التحقيق أيضاً إلى وجود ثلاث محطات داخل بساتين تتبع وزارة الأوقاف، قامت بتأجيرها.

يعود جذر أزمة الكهرباء في المحافظات اليمنية الجنوبية إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للكهرباء، والنقص في أعمال الصيانة ما أدى الى تدهور المعدات، وإلى أزمات الوقود المتكررة. غير أن السبب الأبرز كما هو الحال في عدن يعود الى الفساد المستشري في قطاع الكهرباء الحكومي حيث يجري شراء الطاقة أو الوقود من الشركات الخاصة. وتتجلى السمة البارزة للفساد في إبرام عقود شراء الطاقة أو الوقود من الشركات الخاصة دون مناقصات. وقد امتد الأمر الى مشاريع إنشاء وتشغيل بعض المحطات الجديدة.

في ظل هذا الوضع، صارت المؤسسة العامة للكهرباء آخر شاهد على سياسات الرعاية الاجتماعية، التي وُجدت في اليمن، ثم تآكلت بفعل سياسات الخصخصة والانفتاح الاقتصادي والفساد المرافق لذلك. كانت سياسة مؤسسة الكهرباء تقوم على تحديد سعر منخفض للاستهلاك المنزلي وسعر مرتفع للاستهلاك التجاري. وكانت تحدد سقفاً أعلى للاستهلاك المنزلي، وفي حال تجاوزه يصير السعر تجارياً. أي أنه كانت تجري مراعاة الفقراء ومحدودي الدخل، وحتى الطبقة الوسطى، بينما التجار والأغنياء الذين يمتلكون كثيراً من الأجهزة، ويستهلكون مزيداً من الطاقة، فكان عليهم دفع أسعار أعلى. لكن هذا كله تلاشى وبات من الماضي. لقد غرقت اليمن في ظلام الحرب وتجارها.

______________________

  1. - انظر"الكهرباء في اليمن"، أحمد ذكري ، السفير العربي https://assafirarabi.com/ar/2450/2012/08/22
  2. - نورا الظفيري، مولدات كهربائية تهدد صنعاء القديمة ومعالمها، المشاهد، 18 كانون الثاني/ يناير 2024.
  3. - بسيم الجناني، كهرباء الحُديدة وسياسة التربح، نشوان نيوز، 15 مايو/ أيار 2024.
  4. - الثقب الأسود: انهيار منظومة الكهرباء في اليمن، مركز صنعاء، 8 كانون الأول/ ديسمبر 2023.
  5. - تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق بشأن ما أثير من ادعاء مخالفات في قطاعات: (النفط، الكهرباء، الاتصالات والقضايا المالية)، 24 آب/ أغسطس 2023.
  6. - في لقاء مع رئيس الوزراء، قناة اليمن الفضائية، 15 أيار/ مايو 2024.

مقالات من اليمن

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...

للكاتب نفسه