إعداد وتحرير: صباح جلّول
"إلى السوريين غير الشرعيين... غادروا فوراً.. وقد أعذر من أنذر"... "إلى اللبنانيين المخالفين. ممنوع تأجير السوريين غير الشرعيين وممنوع تشغيلهم في المحلات والمؤسسات. أنتم ترتكبون خيانة عُظمى، وقد أعذر مَن أنذر".
هذا هو محتوى المناشير التي رُميت في 14 أيّار/ مايو 2024 في شوارع منطقة السيوفي شرقي بيروت تحذيراً وتهديداً للسوريين وللبنانيين الذين يقبلون مشاركتهم العمل والسكن. ليست هذه أول أو آخر التحركات العدائية المتصاعدة ضد اللاجئين السوريين في لبنان، خصوصاً في الآونة الأخيرة التي تعددت فيها طُرق التعبير عن مستويات مقلقة من العنصرية، وبشكل علني غير موارِب، من الشوارع إلى قنوات الإعلام الجماهيري ووصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
جاء الردّ ممّن يرفضون هذا المنطق من اللبنانيين، فاختار مواطنون مجهولون الطريقة نفسها لإيصال رسالتهم. رموا على الطرقات ذاتها مناشير مختلفة مساء الاثنين في 20 أيّار/مايو. تعتذر المناشير من اللاجئين السوريين والأجانب اللذين يتعرضون للعنصرية على أيّ ظلمٍ لحق بهم "لأننا نعرف معنى التهجير والحرب" كما ذكرت بعض المناشير، فيما كُتب على منشور آخر "المجرم الحقيقي هي الدولة وسلطة 4 آب (أي التي تسببت بانفجار المرفأ في الرابع من آب/أغسطس 2020 ولم تحاسب عليه) وليس اللاجئ السوري". وجاء في آخَر "نرفض كلبنانيين أن تحرّضنا السلطة على بعضنا البعض وعلى السوريين حتى تتهرّب من مسؤولياتها"، واستعان منشور آخر بجملة من سِفر اللاويين في الكتاب المقدس: "وإذا نزل عندكَ غريبٌ في أرضكم فلا تظلموه".
يحتل موضوع النزوح السوري حيزاً كبيراً من النقاشات السياسية في لبنان في السنوات الأخيرة. وهو موضوع ذو طفرات، يخبو قليلاً ثم يعود لينفجر في الكلام السياسي والإعلامي كلّما ازدادت البلاد تأزّماً وكلّما دعَت الحاجة الأطراف السياسية اللبنانية إلى إيجاد طريق مختصر (ومُجْدٍ) لتسجيل مواقف يعتبرونها "وطنية" تشدّ عَصب الساحات وتتفنّن في إقناع اللبنانيين بأن هناك اسماً واضحاً معيّناً لسبب مأساتهم، ألا وهو "السّوري".
لبنان: ملهاة سوداء
25-02-2021
محنة لبنان
03-09-2020
فإذا كان الخبرُ سرقةً أو جريمةً أو اعتداءً قام به – واقعاً - شخص يصدف أنه سوري الجنسية، صار الموضوع حديث البلد وشغله الشاغل، على أساس أنّ هذا الفعل القبيح هو صنيعة "السوري"هكذا بالمطلق، أيّاً كان، فتستحيل جموع اللاجئين والمقيمين السوريين جسماً واحداً "لبّيساً"- أي جاهزاً للبسِ أيّ وصمة أو جرم. في المقابِل، لا تُعامَل بالطريقة نفسها الجرائم التي يرتكبها لبنانيون، فتُعطى أسباباً موضوعية، كالانتقام والطمع وغيرها، ولا يكون سببها جنسية مرتكبِها أو "طبيعته" الإجرامية، كأنه مصنوعٌ من طينة أخرى..
تَحوّل موضوع اللجوء السوري إلى لبنان منذ سنوات، وثمّ بشكلٍ خاص بعد الانهيار الاقتصادي عام 2019، إلى شماعة يعلّق عليها لبنان الرسمي فشل مؤسساته وانهيار اقتصاده وتآكل مجتمعه، ويعلّق عليها لبنان الشعبي أيضاً خساراته وإحباطاته، وعجزه حيال الفساد المهول الشائع، ومخاوفه من المجهول. وفي هذه الأثناء، وفيما الأصابع تتجه نحو اللاجئ، تستمر الأزمات اللبنانية بالتوالد، مع استمرارٍ عجيبٍ لانسحاب الدولة اللبنانية من القيام بالحدّ الأدنى من مسؤولياتها، أو من القيام بأية محاولة لمعالجة بعض أوجه الأزمة. ويوظّف الجميع بلا استثناء، من كل الجهات الرسمية والحزبية والشعبية، المعادون لهم كما المدافعين عنهم، الملف السوري لغاياتٍ سياسية وطائفية خبيثة.
في الواقع، دخلت مئات ملايين الدولارات لبنان تحت عنوان هذا الملف، ووعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين –أو بالأحرى حاولت رشوة لبنان - بتقديم مساعدة مالية بقيمة مليار يورو مقسّطة على أربع سنوات، تحت عنوان "دعم الاستقرار في لبنان". تلك دعوة يعرف الجميع ضمناً أن ترجمتها "أبقوا اللاجئين بعيدين عن أوروبا"، فيبتهج مسؤولو لبنان بالمساعدات المتدفقة في بلد لم يعد فيه مسالك للمال، ويتابعون في الوقت نفسه تحريضهم على اللاجئين من جهة أخرى، أو استخدامهم كورقة ضغط لطلب المزيد من المال أو لمآرب سياسية، متخذين خيارات تضرّ باللبنانيين والسوريين معاً، ولا تقدم أية حلول سوى إجراءات مجحفة من قبيل الترحيل القسري لبعض اللاجئين ممن لا يملكون أوراقاً ثبوتية، أو اقتراح صياغات هزيلة كقافلة ما سُمّي بـ"العودة الطوعية" التي أطلقت في 14 أيار/ مايو 2024، والتي لم يعد عبرها سوى 330 لاجئاً، إذ يعتبر القسم الأعظم من اللاجئين أن عودتهم غير آمنة أو مضرّة بظروفهم.
سوريا: هل حقاً عاد اللاجئون فرحين؟
20-12-2018
ومعلوم ان الحدود البرية الوحيدة للبنان هي مع سوريا، وانها تمتد هلى طول البلاد وعرضها وتلفّها، وان حالة التسيب والعسف القائمة في سوريا تسمح بكثير من الاشياء، ومنها موجات عبور الحدود أو التسرب منها، ذهاباً واياباً، ومنها "تجارات" متنوعة، تشمل كل شيء، تجري بين البلدين وتستفيد منها جماعات لبنانية كما سورية... البلدان يعيشان أزمات طاحنة، والسلطات فيهما مفككة ومتهالكة ومخترقة بالفساد.. وهذه الحال لا يمكن أن تنتج وضعاً سوياً.
وهيَ معادلات يخسر فيها السوريون واللبنانيون معاً، غير أنّ اللاجئين السوريين يحملون أوزارَ انهيار بلدهم وبلدهم المضيف معاً ويتحمّلون عنصرية محلية متزايدة تأتي على شكلِ "فشّات خلق" مريعة ومعيبة مثل ضرب عمال التوصيل وأشخاص أبرياء في حوادث متفرقة.