لطخة تلوث بلد الحضارات

قررت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية تحديد 30 حزيران/ يونيو من العام 2024 موعداً نهائياً لإغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان، والتي يبلغ عددها 24 مخيماً، يسكنها نازحون من مناطق مختلفة، أغلبهم من سنجار.
2024-03-24

فؤاد الحسن

كاتب من العراق


شارك
مدينة سنجار المدمرة، العراق

في النهاية، سيُغلق ملف النازحين، وستُغلق المخيمات، لا يهم ما سيحدث بعدها، أو كيف سيحدث ذلك، المهم أن تُزال هذه اللطخة التي تلوث وجه البلد في المحافل الدولية. نحن في مخيماتنا عار على البلد، مخيمات تشوه صورة الحضارة، وبلد الحضارات. يجب التخلص منها بأي ثمن. سنكون بضاعة للانتخابات القادمة، سنصبح درجاً تدوس عليها أقدام المتنفذين لتسلق هرم السلطة... مرة أخرى، ومرة أخرى.

قررت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية تحديد 30 حزيران/ يونيو من العام 2024 موعداً نهائياً لإغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان، والتي يبلغ عددها 24 مخيماً، يسكنها نازحون من مناطق مختلفة، أغلبهم من سنجار.

في 2014 وتحت حكم المالكي، احتل تنظيم "داعش" أجزاء من العراق، أهمها محافظة نينوى، وثاني أكبر مدينة من حيث التعداد السكاني بعد بغداد: الموصل. بفعل همجية هذا التنظيم واغتصاب أعضائه للنساء والفتيات الصغيرات وقتل الرجال وتجنيد الأطفال، نزح المواطنون إلى محافظات أخرى، وذهب أغلبهم، إلى إقليم كردستان. بُنِيَتْ مخيمات النازحين، وبينما انشغلت الدولة بمساعدة التحالف الدولي في المعركة ضد داعش، تم تدمير أغلب البنى التحتية في المدن التي جرت فيها الحرب، وشنگال (أو سنجار) القضاء التابع للموصل، مثال على ذلك الدمار.

الوضع الفعلي

تسكن سنجار أغلبية إيزيدية، وبلغ عدد الذين شردوا بفعل تلك الحرب حوالي 700 ألف إيزيدي، بحسب الأمم المتحدة[1].

استرقت 6,500 من النساء والأطفال ولا يزال ما يقارب 150 ألفاً من الذين عادوا إلى المدينة والقرى التابعة لها يعانون من انعدام أبسط مقومات العيش[2].

بسبب الخلل والفساد في الأيدي المتحكمة بالدولة والجيش، وتفضيل الأرقام في الحسابات البنكية على أرقام المواطنين، فشلت مؤسسات الدولة في حماية المناطق المسؤولة عنها، وفتح الباب لتشكل ميليشات فرضت هيمنتها وسيطرتها على المناطق التي قاتلت فيها، وحصلت على امتيازات برلمانية ووزارات وأجنحة عسكرية وإدارية ومدنية، ولا يمكن تعدادها هنا لأنَّها كثيرة، وكل يوم تتشكل ميليشيا جديدة تصارع على السلطة.

اجتياح تنظيم داعش لمناطق عدة تسبب في نزوح ما بين 6 إلى 7 ملايين عراقي، فصارت مخيمات النازحين في إقليم كردستان ملاذاً لهم. وانخفضت نسبة الأقليات الدينية في العراق، فصارت نسبة المسيحيين أقل من 0.5 في المئة[3].

ملف النازحين في العراق أشبه بالورقة الرابحة الرئيسية في لعبة استغلال معاناة الشعب لتحقيق مصالح سياسية، وقد اعتاد الوزراء والمدراء ورؤساء الوزراء على زيارة مخيمات النازحين لمرة واحدة - في حال فعلوا - لتعزيز ثقة الشعب الذي يعتبر قيام السياسي بواجبه وعمله إنجازاً. وهو ما فعله رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي زار مخيم قاديا للنازحين في دهوك في 2020، واطلع على "أوضاع النازحين في المخيم"، كما لو أن أوضاعهم سر يحتاج إلى الكشف عنه أو مراقبته عن قرب لمعرفة الخفايا! ونشرت قناة الرشيد الفضائية تفاصيل زيارة الرئيس السابق للمخيم وكتبت ناقلة عن مكتب رئيس الوزراء: "ووعد رئيس الوزراء بتلبية كل المتطلبات التي يحتاج إليها النازحون في مخيم قاديا وباقي المخيمات، مؤكداً حرص الحكومة الشديد على العمل الجاد لإعادة جميع النازحين إلى مناطقهم، وتوفير الأجواء المناسبة للاستقرار".

مقالات ذات صلة

وهذا يستوجب تعليقاً وسؤالاً: هل يحتاج رئيس الوزراء الذي يعرف أوضاع البلاد إلى زيارة مخيم النازحين وإطلاق الوعود بتلبية متطلباتهم في حين يعرف هو نفسه أنّ السيطرة على الميليشات وتأمين مناطق النازحين التي سيطرت الميليشات على أغلبها يفوق قدرة رئيس الوزراء؟ وإن كان العكس هو الصحيح، والرئيس قادر على اتخاذ أي قرار بما يتناسب مع المصلحة العامة، فما دور الميليشيات في هذه المناطق؟

اجتياح تنظيم داعش لمناطق عدة تسبب في نزوح ما بين 6 إلى 7 ملايين عراقي، فصارت مخيمات النازحين في إقليم كردستان ملاذاً لهم. وانخفضت نسبة الأقليات الدينية في العراق، فصارت نسبة المسيحيين أقل من 0.5 في المئة من المواطنين.

في حين يعرف الجميع أن البلد، وحتّى المناطق التي لم تشهد الحرب الأخيرة، يعاني من انعدام أبسط مقومات العيش، وأن البطالة متفشية، حيث تزداد المناطق الفقيرة فقراً، وتزداد "المنطقة الخضراء" خضرة.

ولأن بعض المخيمات فقدت صبغتها القانونية في الأنبار على الرغم من بقاء النازحين فيها، وأخرجت من دائرة الهجرة والمهجرين. ويؤكد تقرير لقناة "الجزيرة"[4] أنه "لم يتم إغلاق ملف النزوح بل تمت شرذمته، وهدر حقوق النازحين وحرمانهم من التعويضات التي وعدت بها الدولة، وتم تعريض الأمن المجتمعي بهذه الطريقة للخطر". إذ أن العوائل في مخيمات النازحين في الأنبار وصلاح الدين التي فقدت الصبغة القانونية والشرعية، حرمت من الدعم الدولي والمساعدات الإغاثية.

تقرير لhuman rights watch [5] في 2021 أشار إلى أنه" في آذار/ مارس 2021، صادقت الحكومة العراقية على "الخطة الوطنية لإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية المحررة" والتي وضعتها وزارتا التخطيط والهجرة والمهجرين. لكن الحكومة أغلقت 16 مخيماً على مدى الأشهر السبعة الماضية، وتركت ما لا يقل عن 34.801 نازحاً من دون ضمان قدرتهم على العودة إلى ديارهم بأمان، أو تأمين مأوى آمن آخر، أو الحصول على خدمات ميسورة التكلفة."

هل يحتاج رئيس الوزراء الذي يعرف أوضاع البلاد إلى زيارة مخيم النازحين وإطلاق الوعود بتلبية متطلباتهم في حين يعرف هو نفسه أنّ السيطرة على الميليشات وتأمين مناطق النازحين التي سيطرت الميليشات على أغلبها يفوق قدرة رئيس الوزراء؟ وإن كان العكس هو الصحيح، والرئيس قادر على اتخاذ أي قرار بما يتناسب مع المصلحة العامة، فما هو دور الميليشات في هذه المناطق؟

صرحت وزارة الهجرة أنَّها "أجلت موعد إغلاق مخيمات النازحين شهراً آخر"، وهذا يطرح سؤالاً: إذا كانت السلطات التي تتولى حكم البلد منذ 2003 بكل مؤسساتها لا تستطيع التعامل مع الميليشيات وردعها، والسيطرة على تطور أجنحتها العسكرية العلنية، كيف تتوقع من الشعب، بعد عشر سنوات قضاها في مخيمات النازحين، التعامل مع الميليشيات؟

وقال ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق: "يجب أن نجد حلاً مشرفاً للإيزديين النازحين. لا يمكنهم البقاء في المخيمات. هذه ليست حياة. اعتصر الألم قلبي لرؤية هؤلاء النازحين الإيزديين يعيشون في هذا الوضع. لذلك نحن بحاجة إلى إيجاد حل. أحد هذه الحلول هو العودة لمن يريد ذلك، ولكن هناك من لا يستطيع أو لا يريد العودة إلى سنجار. لذلك، علينا إيجاد يعض الحلول لهم مثل إعادة دمج السكان المحليين والاستقرار خارج المخيمات أو تحويل المخيمات إلى أماكن إقامة رسمية حتّى يتمكنوا من عيش حياة كريمة"[6].

مقالات ذات صلة

ولكن ما فات أغلب الجهات المسؤولة عن ملف النازحين داخلياً في العراق هو وجود ميليشيات تسيطر على الوضع الأقتصادي والأمني، مدعومة من دول خارجية، تمارس عملياتها، علناً أو سراً. يستمر القصف التركي على المدينة، فكيف يمكن لمواطنين عانوا التهجير والخطف والاغتصاب والقتل والسبي وأسواق النخاسة وتجنيد الأطفال وتدمير البنى التحتية للمدينة العودة بشكل "طوعي" كما تقول وزارة الهجرة والمهجرين؟ مع الأخذ بعين الاعتبار بقاء مقابر جماعية غير مفتوحة إلى حد اللحظة، وغياب المختطفات والمغيبات - المغيبين جراء هجوم تنظيم داعش.

طرد النازحين من مخيم عربت بالسليمانية

بعد قرار وزارة الهجرة بإغلاق مخيم عربت للنازحين في السليمانية، وإجبارهم على مغادرته، صرحت وزيرة الهجرة والمهجرين بأنه "جرى إغلاق مخيم عربت في محافظة السليمانية كثاني مخيم يًغلق في إقليم كردستان منذ نزوح عام 2014، بعد إعادة آخر دفعة من النازحين إلى مناطقهم في محافظة صلاح الدين".

مصادر من داخل المخيم أكدت أن "النازحين أجبروا على مغادرته، بعد وصول معلومات عن انتهاء العقد بين مالك الأرض التي يقع فيها مخيم عربت ووزارة الهجرة العراقية"[7]. والمشكلة أن أغلب النازحين من مناطق تابعة لمحافظة صلاح الدين التي تسيطر عليها فصائل مسلحة، وقد استُولي على منازلهم في مناطقهم. ويبدو أن "إغلاق المخيم يعود إلى أن جهات تريد الحصول على الأرض التي يقع فيها".

الخطة المعلنة لإغلاق مخيمات النازحين خيالية، لا تتماشى مع الواقع. فالمناطق التي جرت فيها الحرب ما تزال بحاجة إلى بناء وإزالة آثار الحرب.

وكيف يمكن أن يعود النازحون إلى "ديارهم" إذا كانت ديارهم أسوأ من خيمة؟ كيف يمكن لوزارة الهجرة تخيل اختيار المواطن للخيمة بدلاً من بيته، إذا كان بيته كما تدعي الوزارة آمناً وصحياً وتتوافر فيه فرص العمل؟

صرحت وزارة الهجرة أنَّها "أجلت موعد إغلاق مخيمات النازحين شهراً آخر"، وهذا يطرح سؤالاً: إذا كانت السلطات التي تتولى حكم البلد منذ 2003 بكل مؤسساتها لا تستطيع التعامل مع الميليشيات وردعها، والسيطرة على تطور أجنحتها العسكرية العلنية، كيف تتوقع من الشعب، بعد عشر سنوات قضاها في مخيمات النازحين، التعامل مع الميليشيات؟ وإن كانت الدولة لا تستطيع حل مشكلة البطالة ونقص الخدمات الأساسية والبنية التحتية والإعمار والصحة والتعليم، فكيف تتوقع من الشعب النازح التعامل مع كل ذلك؟

العوائل في مخيمات النازحين في الأنبار وصلاح الدين، التي فقدت الصبغة القانونية والشرعية، حُرمت من الدعم الدولي والمساعدات الإغاثية.

الخطة المعلنة لإغلاق مخيمات النازحين خيالية، لا تتماشى مع الواقع. فالمناطق التي جرت فيها الحرب ما تزال بحاجة إلى بناء وإزالة آثار الحرب. وكيف يمكن أن يعود النازحون إلى "ديارهم" إذا كانت ديارهم أسوأ من خيمة؟ كيف يمكن لوزارة الهجرة تخيل اختيار المواطن للخيمة بدلاً من بيته، إذا كان بيته كما تدعي الوزارة آمناً وصحياً وتتوافر فيه فرص العمل؟

متى سنشهد حكومة لا تقوم على أساس المحاصصة، والمناطقية، والحزبية، والطائفية، والدين؟

في 13 شباط/ فبراير 2024 وجهت وزارة التربية الاتحادية العراقية كتاباً إلى ممثلياتها في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، أشارت فيه إلى قرار مجلس الوزراء، وإلى أنَّه بالاستناد الى ذاك القرار قررت وزارة التربية إغلاق ممثلياتها في المحافظات المذكورة. في حين يعاني الكادر التدريسي في البلد كله من نقص في التعيينات والتخصصات، ويعتصم المحاضرون المجانيون في عدد من المحافظات مطالبين بتعيينهم، ويعاني الطلبة من نقص في الكتب، فيضطروا إلى استنساخها، كما يعانون من البنية التحتية للمدارس..

مقالات ذات صلة

وفي النهاية، سيتم إغلاق مخيمات النازحين ونشر عودتهم "الطوعية" إلى مناطقهم، من دون تغيير الوضع الأمني والاقتصادي والخدمي. سيحتفلون بفتح المقابر الجماعية في سنجار، وسيعتبرون ذلك إنجازاً وخدمة، سيدفنون عظام الموتى في مقابر تليق بهم، سيدفنون الأحياء في مناطقهم السابقة، لأن الموت في مخيمات النازحين وصمة عار تضر بسمعة البلد. سيطورون الاتصالات وينفذون المشاريع الخدمية كما وعدت الحكومة، سيبنون مستشفى وجامعة وسيرصفون الشوارع ويعيدون إعمار البيوت المفجرة والمهدمة، سيعيدون المدارس إلى الخدمة والحياة إلى المدينة، سيفعلون كل ما وعدوا به، سيجهزون المدينة كي تكون بأبهى صورة لاستقبال موت آخر. وسيكممون الأفواه التي تنطق ضد الحكومة ورجالاتها، فذلك مساس بسيادة الدولة... في حين يقول أطفال المخيم: نموت برداً.

______________________

  1. https://shorturl.at/rGRV9
  2. https://news.un.org/ar/story/2020/08/1059182
  3. https://shorturl.at/ceBP0
  4. بحسب مقال نشرته قناة الجزيرة، لعلياء الأنصاري مديرة منظمة بنت الرافدين
    https://shorturl.at/qMV36
  5. https://reliefweb.int/report/iraq/camp-departure-follow-survey-september-2019-19-november-2020-round-28
  6. https://www.rudawarabia.net/arabic/interview/12032024
  7. https://shorturl.at/oKOU4

مقالات من العراق

"شنكَال"؟

فؤاد الحسن 2024-12-23

لا يقبل الدين الإيزيدي الراغبين في الانتماء إليه، الذين لم يولدوا لأبوَين إيزيديين. وهو بذلك، كديانة، ليست تبشيرية، ولا نبي أو رسول للإيزيديين، وهذا ما يجعل علاقتهم مباشِرة مع خالقهم،...

سجون "الأسد" وسجون "صدام حسين"

ديمة ياسين 2024-12-12

لا أزال إلى اليوم لا أستطيع النظر طويلاً إلى الصور التي التُقِطتْ لوالدي في أول يوم له بعد خروجه من المعتقل، وهو يجلس تاركاً مسافة بيننا وبينه، وتلك النظرة في...

بغداد وأشباحٌ أخرى

نبيل صالح 2024-12-01

عُدتُ إلى بغداد ولم أعد. تركتُ قُبلةً على قبر أُمي ورحلتُ. ما حدث ويحدث لبغداد بعد الغزو الذي قادته جيوش الولايات المتحدة الأمريكية، هو انتقامٌ من الأسلاف والتاريخ معاً.

للكاتب نفسه

"شنكَال"؟

فؤاد الحسن 2024-12-23

لا يقبل الدين الإيزيدي الراغبين في الانتماء إليه، الذين لم يولدوا لأبوَين إيزيديين. وهو بذلك، كديانة، ليست تبشيرية، ولا نبي أو رسول للإيزيديين، وهذا ما يجعل علاقتهم مباشِرة مع خالقهم،...

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...