أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، تعديلًا على قانون الشرطة يمنح المجلس الأعلى للشرطة الحق في عدم تنفيذ أحكام القضاء بعودة أي ضابط مفصول بسبب اللياقة الطبية أو الاعتبارات الأمنية أو غيرها للخدمة. وحدد التعديل الذي أصدره الرئيس برقم 4 لسنة 2024 آلية وحيدة لتنفيذ الأحكام القضائية النهائية الباتة في هذا الشأن؛ تتمثل في مطالبة المحكوم له بالعودة للعمل قبل مضي سنة من تاريخ الحكم، على أن تتوفر فيه عند التنفيذ الشروط اللازمة لشغل الوظيفة.
اعتبر قضاة وقانونيون التعديل شاذًا على البنية التشريعية المصرية، حيث يجعل الشرطة جهازًا سياديًا قراراته تعلو حجية على أحكام القضاء، ويفتح الباب أمام جهات حكومية أخرى لسن تشريعات لوقف تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها.
وزارة الداخلية من جانبها، حددت الهدف من التعديلات وقت عرضها على لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب في يناير الماضي، برغبتها في تحقيق التوازن بين حجية الأحكام القضائية وموجبات العمل الأمني وشغل الوظائف القيادية والإشرافية، والذي يعتمد على العديد من العناصر، أهمها تراكم الخبرات الأمنية، على اعتبار أن ابتعاد الضابط المفصول عن العمل الشرطي لمدة طويلة يفقده الكثير من الخبرات، ويفوت عليه التدريب والتأهيل النفسي والوظيفي الذي تنفذه الوزارة لضباطها.
"الداخلية" أساس الحكم والحداثة في مصر
29-07-2015
وأوضحت الوزارة أن التعديل الأخير وما سبقه من تعديلات أخرى أصدرها الرئيس العام الماضي، غرضها بالأساس تحقيق الانضباط وعدم الإخلال بالهياكل الوظيفية التي تقوم على الأقدمية بين أفراد هيئة الشرطة، وذلك لكون فصل أي ضابط من الخدمة يتبعه تعيين ضابط آخر بأقدمية مختلفة في وظيفته، ولكن عند عودة الضابط المفصول بعد عدة سنوات إلى وظيفته تنفيذًا لحكم قضائي، يختل ترتيب الأقدمية.
وأصدر السيسي في يناير العام الماضي تعديلات أخرى على القانون تعفي المجلس الأعلى للشرطة من ذكر أسباب قراراته بإنهاء خدمة أو تأديب الضباط أو نقلهم إلى وظيفة مدنية لاعتبارات أمنية.
كما فسر عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أشرف المقرحي، لـ«مدى مصر»، الهدف من التعديلات في إلزام ضباط الشرطة الصادر لهم أحكام قضائية نهائية من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بالعودة إلى عملهم، وإلغاء قرار وزير الداخلية بفصلهم من الخدمة بالإسراع في المطالبة بتنفيذ تلك الأحكام خلال سنة واحدة فقط، وبعده يسقط حقهم في العودة للعمل وتنفيذ الحكم القضائي. وقال المقرحي إنه قبل التعديلات، «كان الضابط المفصول بيشتغل في شركات الأمن في مصر أو برا وبعد ما ياخد حكم من مجلس الدولة يقعد سنتين أو تلاتة وبعدها يجي ينفذ». ولذا، تهدف التعديلات إلى إلزام الصادر له حكم العودة بالمطالبة بتنفيذه خلال سنة وبعد ذلك يسقط حقه في المطالبة بتنفيذ الحكم.
في المقابل، رئيس إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا، قال لـ«مدى مصر»، إن التعديل الأخير على قانون الشرطة وما سبقه من تعديلات أقرها الرئيس والبرلمان العام الماضي تجعل المجلس الأعلى للشرطة سيد قراره، وسلطة فوق سلطات الدولة، وقراراته أعلى من أحكام القضاء. يضم المجلس الأعلى للشرطة أقدم ضباط في هيئة الشرطة، إضافة إلى رئيس إدارة الفتوى المختص بمجلس الدولة، ويختص المجلس بمعاونة وزير الداخلية في تنظيم هيئة الشرطة وتسيير شؤون أعضائها.
وشدد القاضي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، على أن المادة التي أدخلها السيسي على قانون الشرطة مؤخرًا تتضمن عددًا من المخالفات الدستورية هي: التمييز بين الحاصلين على أحكام خاصة بإنهاء الخدمة وغيرهم من الحاصلين على أحكام أخرى وهذا إخلال بمبدأ المساواة.
كما أهدر القانون الجديد، بحسب القاضي، حجية الأحكام التي هي من النظام العام، مخالفًا للمادة 100 من الدستور، التي تعرف الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية بـ«الجريمة».
وأضاف الرئيس بالمحكمة الإدارية العليا أن القانون الجديد خالف المبادئ القانونية المستقرة منذ أبد الدهر في أن الأحكام القضائية لا تسقط بالتقادم، وتظل واجبة النفاذ، طالما أن الحق الصادرة بإقراره لم يسقط بالتقادم.
أما المخالفة الرابعة، فحددها المصدر في ربط تعليق القانون لتنفيذ حكم القضاء على توافر شروط شغل الوظيفة، كما أنه مكن «الداخلية» من عدم تنفيذ أي حكم قضائي بعودة ضابط مفصول للخدمة بحجة عدم توافر شروط العمل بالشرطة فيه.
مدير مؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير، المحامي طارق خاطر، اتفق مع المصدر القضائي، وأضاف لـ«مدى مصر» أن القانون يجعل وزارة الداخلية جهة سيادية تفصل أي ضابط (أقل من رتبة لواء) يعمل داخلها دون مراجعة قضائية.
ولفت خاطر إلى أن المعروف تشريعيًا أن هناك حقوقًا معينة تسقط بالتقادم، مثل مرور عدد من السنوات دون المطالبة بها، فمثلًا الحقوق المتعلقة بالدعاوى المدنية تسقط بعد 15 سنة، وبالدعاوى الجنائية تسقط بعد عشر سنوات، ولكن لأول مرة ينص على التقادم بشأن حكم قضائي، حسب خاطر.
وأشار مدير «مؤسسة الحق» إلى أن الصيغة التنفيذية للحكم القضائي يدون عليها ختمًا مكتوبًا عليه: «على كل الجهات الحكومية التي يطلب منها أو يناط بها تنفيذ الحكم أن تعاون على تنفيذه حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة»، موضحًا: « لما تعمل مادة بتقول لو متنفذش خلال سنة يسقط. وتعلق تنفيذ الحكم على شرط رغم أن الحكم القضائي فصل في المنازعة من جميع جوانبها، فنحن بصدد تعديل تشريعي شاذ، يسقط أحكام القضاء ويعتبرها كأن لم تكن».