لم يكن الشاب يحيى السامرائي (26 عاماً)، يعلم أن عرض صور عملاقة لحفل خطوبته على واجهة مول بغداد وسط العاصمة، سيطيح به في شرك المساءلة بتهم تتعلق بالاحتيال.
كان الشاب العشريني يدير ما يسميها مجموعة شركات السامرائي للتجارة العامة، ويطرح نفسه كرجل أعمال ومستثمر في مشاريع صغيرة ومتوسطة جذبت الكثير من المساهمين والمشتركين، كما ينظم مؤتمرات وإيفنتات لانطلاق وافتتاح مشاريع أغلبها مطاعم ومراكز تجميل في العاصمة، ما ساهم في جذب المزيد ممن يوظفون أموالهم لديه للحصول على أرباح شهرية.
ويكشف مصدر مسؤول لـ”العالم الجديد”، أن “السامرائي مارس عمليات احتيال على عدد كبير من المساهمين، إذ كشفت التحقيقات أن معظم المشاريع التي يديرها وهمية، وحتى المقر الرئيسي للشركة كان مستأجراً وليس ملكا له، إذ كان يضع لوحات تحمل اسم الشركة أمام واجهات المشاريع لغرض التصوير فقط”.
عراق الـ 56
07-04-2017
وفي خطوة أثارت اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي، وضع السامرائي صورة لحفل خطوبته على مول بغداد الشاهق وسط العاصمة في منتصف تشرين الأول أكتوبر 2023، وهو أمر أثار الانتباه حول السامرائي، بحسب المصدر، وفي تشرين الثاني نوفمبر من العام ذاته، داهمت قوة أمنية مقر شركته وتم إجراء التفتيش ليضبط نحو 50 سجلا يحتوي على أسماء المستثمرين في الشركة بمبالغ خيالية.
يؤكد المصدر أن “الشركة يديرها مدير مكتب وأربع موظفات جرى تدوين أقوالهم أمام محكمة تحقيق الكرخ، وأشاروا إلى جمع مبالغ تصل إلى 15 مليار دينار وتم التصرف بها من قبل مدير الشركة وتم شراء 6 أماكن بأعمال مختلفة”.
ويخضع الآن السامرائي، إلى التحقيق بتهم الاحتيال، ويلفت المصدر إلى أن “الكثير من الشركات الوهمية تصطاد الضحايا بصنع بروبغاندا إعلامية واستغلال مشاهير الفن ومواقع التواصل للترويج، وهو ما يمنح الكثير من المواطنين الذين يبحثون عن الربح السهل الشعور بالأمان لتوظيف أموالهم لديها”.
وتزايدت في الآونة الأخيرة، شركات تشغيل الأموال في العراق واستقطبت عددا كبيرا من الزبائن، وبحسب معلومات تقصت عنها “العالم الجديد”، فإن معظم هذه الشركات تعرض على الزبون هامشا للربح يتراوح من 25 إلى 85 ألف دينار شهريا لقاء إيداع مليون دينار لديها، ويزداد هامش الربح مع زيادة الأموال المودعة لديها.
وعرف العراق منذ تسعينيات القرن الماضي هذه الشركات وشبيهاتها، وأشهرها شركة “سامكو” التي نشطت إبان الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق، إذ خلفت هذه الشركة عشرات الضحايا الباحثين عن كسب سهل.
من جهته، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمل هذه الشركات الاحتيالية يخضع لأحكام المادة 456 من قانون العقوبات الخاصة بالنصب والاحتيال والتي تصل عقوباتها إلى الحبس”.
ويحذر التميمي من “التعامل مع هذه الشركات، إذ يجب على المواطن أن يكون نبيها وحذرا تجاه هذه العروض، خاصة أن عمل هذه الشركات يعتمد على الإغراء بالمال والأرباح، وعلى من يواجه هذه الحالات أن يبلغ السلطات المختصة فور معرفته بها، لأن الأجهزة الأمنية بدأت بحملات واسعة للحد من هذه الشركات التي بدأت تمارس عملها بشكل واسع”.
مفهوم القطاع الخاص في العراق
11-04-2019
ويضيف أن “هناك أصولا وقواعد حتى تمارس الشركات عملها في العراق سواء كانت استثمارية أو إنتاجية إذ يجب أن تكون مسجلة وفق القانون لدى مسجل الشركات في وزارة التجارة، كما أن هناك فروعا لشركات أجنبية تعمل في العراق وفق القانون رقم 2 لسنة 2017، وحتى لو كانت هذه الشركات تعمل بالأنترنت كشركات التسويق الهرمي، فإن هناك دائرة تابعة للداخلية للرقابة على الشركات العاملة بالأنترنت”.
وعلى الرغم من أن التداول عبر المنصات الرقمية أحد الوسائل الربحية التي ظهرت حديثاً، ويلجأ إليها الشباب في مختلف بلدان العالم، إذ تنظم هذه العملية وفق قانون وشروط تحمي العميل وأمواله، لكن الحال في العراق يبدو مختلفا، إذ يتعرض الكثيرون لجملة من عمليات النصب والاحتيال بعد أن ظهرت شركات وهمية تسرق أموالهم.
إلى ذلك، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك أعمالا مختلفة لشركات الاستثمار، منها ما تدعي أنها تستحصل الأموال للاستثمار في بورصات عالمية، وهذا النوع رائج بالفترة الأخيرة ويسحب مبالغ ضخمة جدا، وهو غير مشرعن ولا مسجل في هيئة الأوراق المالية”.
ويضيف حنتوش، أن “هناك أيضا شركات داخلية، تأخذ الأموال وتوظفها في مشاريع وتقوم بتوزيع أرباح، وهذه الشركات إذا كانت مسجّلة لدى مسجل الشركات فهو نشاط شرعي، وليس ممنوعا، لأنها تقوم بإدخال شركاء وتتقاسم الأرباح”.
ويرى أن “المواطن يلجأ لهذه الشركات لسببين؛ الأول أن العمليات المصرفية ضعيفة في العراق، فنشاط المصارف رديء على مستوى عملية استثمار الودائع، والمدخرات تبقى ساكنة لدى المواطنين فيلجؤون لهذه الشركات لأن نسبة أرباحها أعلى، على الرغم من أن نسبة المخاطرة أكبر”.
ويشير إلى أن “السبب الثاني هو أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العراق مشوبة بالفشل، إذ تفتقد البلاد لأجواء الاستثمار، ونسبة نجاح هذه المشاريع لا تتجاوز 20 بالمئة، كما أن ثقافة امتلاك الأسهم المباشرة للدخول في السوق المالي ضعيفة”.