لولا أن النظام الفيدرالي في دولة اكبر من قارة يتسم بقدر عظيم من المرونة يجعل من كل"ولاية" دولة شبه مستقلة، لدمرت الحروب الأهلية الولايات المتحدة الأميركية منذ زمن بعيد. ولقد سمح هذا النظام الفريد في بابه بأن يصل إلى سدة الرئاسة تشكيلة غريبة من المرشحين، بينهم الكاوبوي الجاهل والمثقف المميز بلونه الأسمر وبعض جذوره الإسلامية، والمتحدر من عائلة كاثوليكية في مجتمع بروتستنتي بأكثريته المعززة باليهود، وصاحب الرؤيا التاريخية ليحكم بنظام " دعه يعمل، دعه يمر".
النظام هو الأقوى.. وكان على الرؤساء التاريخيين أن يواجهوا نظامهم في محطات فاصلة، كما كينيدي في كوبا، أو أن يفضحوا طبيعته الامبريالية وعداءه للشعوب الأخرى كما في حالة جورج بوش الابن في العراق خاصة والمنطقة العربية وأفريقيا عموماً.
ومع اختلال التوازن الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والخلل البنيوي في الاتحاد الأوروبي الذي ضاق ببريطانيا وضاقت به، واندثار حركات التحرير في معظم أسيا وأفريقيا، وانبثاق صين مختلفة عن تراث المؤسس ماوتسي تونغ، انفتح الكون أمام الهيمنة الأميركية شبه المطلقة على مقدرات الشعوب بدولها الضعيفة وغير المؤهلة لحماية استقلالها.
من هنا فان وصول رجل مختل التوازن، محترف المضاربة، لا يعرف العالم، يخوض الانتخابات بمنطق المقامر، ويتخذ القرارات من موقع المسؤولية على طريقة التجريب، إنما يشكل خطراً عظيماً على العالم كله بعنوان الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً وقد كشفت الانتخابات الرئاسية الأخيرة فيها أن وحدتها قابلة للارتجاج، وان علاقاتها بمحيطها تقوم على الخوف أكثر مما تقوم على حسن الجوار والاستعداد للتعاون بدلاً من الهيمنة والفرض.
وليس مما يطمئن العرب أن يكون الاتصال الهاتفي الأول بين ترامب وبعض قادتهم في السعودية ومصر، بينما يجدد الرئيس الأميركي الجديد تعهده بنقل السفارة الأميركية في الكيان الصهيوني إلى القدس المحتلة تلبية لطلب السفاح نتنياهو الذي يطالب مجتمعه بمحاكمته على فساده.
ليست العلة في وصول ترامب إلى موقع صاحب القرار في أقوى دولة في العالم.. فتلك مسؤولية الأميركيين الذين لم يغادروا شارع الاعتراض منذ لحظة إعلان فوزه بالرئاسة.. لكن ما يعنينا هو غياب" العرب" واندثار قدرتهم على إثبات حضورهم وحماية حقوقهم في بلادهم.. فكيف وبعض أباطرتهم الوارثين أو القافزين إلى السلطة بالدبابات من فوق رأس "الانتفاضة" المجيدة يبادرون إلى نفاق هذا المضارب الذي وصل إلى سدة الرئاسة نتيجة انعدام السياسة في المجتمع الأميركي متعدد الأعراق، المتمايزة بيئاته إلى حد التناقض، والذي ارتاح إلى انه سيد الكون بلا منازع، كائناً من كان الرئيس ومن كانت الإدارة ومستوى الأداء.
نتحدث عن العرب، وقد ألغى "النظام" الأمة، وتاه أبناؤها بين المهجر والمقهر، في انتظار فجر جديد يعيدهم إلى دورهم المفتقد.
الفيديو من تصوير الصحافية الجزائرية دايخة الدريدي مع نص بعنوان "انتفاضة في المطارات الأمريكية". النص بالفرنسية