حملات تستهدف اللاجئين في مصر.. من يقف خلفها؟

سبق أن قامت حسابات تقول عن نفسها انها "قومية مصرية"، بشن هجومٍ على شخصيات سياسية معارضة إلى جانب أنها دائماً ما تشارك في الحملات المؤيدة لسياسات السلطة، يُذكر أن تلك الصفحات اعتمدت في خطابها الرافض لتوطين اللاجئين، على استدعاء نماذج أوروبية يمينية متطرفة وسياسات حكومية معادية للمهاجرين واللاجئين.
2024-02-01

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
لاجئون سودانيون في مصر أمام عيادة طبية

حملات كبيرة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، تضمنت خطاباً معادياً لوجود اللاجئين والمهاجرين المقيمين داخل البلاد. وعلى الرغم من أن هذه الحملات ليست الأولى من نوعها، إلا أنها هذه المرة كانت أكثر قوة وانتشاراً، مستهدفة ترحيل اللاجئين من مصر تحت ذرائع شتى.

خرجت دعوات تطالب بطرد هؤلاء اللاجئين، وانتشرت تدوينات وتعليقات تحمل كثيراً من العنصرية. ظلت مصر على مدار عقود تستقبل أصحاب الجنسيات المختلفة من دول عدة، ومع ذلك فإنه في كثير من الأحيان، يعيش اللاجئون ظروفاً بائسة في المناطق الفقيرة داخل المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، ويشكلون مجتمعات معزولة في مبانٍ سكنية صغيرة مكتظة. وليست الدولة المصرية هي من توفر لهم الرعاية، بل المفترض أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي من تتحمل مسؤولية خدمات الحماية بجانب منظمات الإغاثة الأخرى، وذلك بموجب مذكرة تفاهم موقعة مع الحكومة المصرية، على أن تقوم المفوضية بأعمال التسجيل والتوثيق وإعادة التوطين.

تزامن انطلاق هذه الحملة المريبة مع إعلان مجلس الوزراء في 8 كانون الثاني/ يناير 2024 عن البدء في إجراءات تهدف إلى التدقيق في أعداد اللاجئين من مختلف الجنسيات بغاية حساب تكلفة ما تتحمله مصر من أجل استضافتهم.

كان استعراض ما تقدمه الدولة المصرية من خدمات وما تتحمله نظير رعاية الضيوف، أبرز ما استهدف رئيس الوزراء تصديره خلال اجتماع عقد مع مجموعة من الوزراء في الحكومة. في السياق ذاته، يتحدث أعضاء في المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة عن عدم تلقي مصر الدعم الكافي من المؤسسات الدولية، ليتناسب مع حجم اللاجئين الموجودين على أراضيها.

التقديرات الحكومية تفيد بأن أعداد اللاجئين والمهاجرين في مصر قد يصل إلى أكثر من 9 ملايين شخص، حسب ما جاء في تصريحات صادرة عن وزير الصحة والسكان، لافتاً إلى أن هذا العدد يمثل ما نسبته 8.7 في المئة من حجم سكان مصر. بينما تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر موقعها، أن مصر تستضيف ما يقرب من 473 ألف لاجئ مسجلين من 62 جنسية مختلفة[1] ، وحملة الجنسية السودانية هم الأكثر عدداً بسبب ظروف الحرب في بلادهم، يليهم حملة الجنسية السورية. في حين أن أحدث تقرير للبنك الدولي صادر في حزيران/ يونيو 2023 يقول إن عدد اللاجئين في مصر بلغ حوالي 281 ألف لاجئ فقط.

من الواضح أن هناك صعوبة في الوصول إلى بيانات دقيقة، وقد يعود سبب ذلك إلى وجود عدد من اللاجئين غير المسجلين بشكل رسمي كونهم دخلوا إلى البلاد بطريقة غير نظامية، أو أنه قد يتم تصدير بعض الأرقام عمداً لأغراض سياسية. دعت وزارة الداخلية، تحت شعارات "ضمان الحقوق والحماية"، اللاجئين المقيمين إلى تسجيل بياناتهم ضمن إجراءات إلزامية تهدف إلى حصر الأعداد وتوفيق الأوضاع.

اللاجئون في مرمى التحريض

شنت الحملات التي انطلقت بشكل منهجي واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، حسابات غالباً ما تكون وهمية، تقود خطاباً عنصرياً تحريضياً عبر "هاشتاغات" تدعو إلى مقاطعة المحال التجارية للسوريين، والمطالبة بإغلاقها. لجأ القائمون على الحملة أيضاً إلى نشر أخبار كاذبة تتحدث عن ضبط لحوم فاسدة داخل مطاعم مملوكة للسوريين، واتهامهم بتجارة المواد المخدرة على الرغم من عدم وجود أي دليل على هذه المزاعم.

يأتي التحريض في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، والرغبة في تحميل اللاجئين تبعاتها. واعتبر البعض ترحيلهم من البلاد "أحد الواجبات الوطنية".

التقديرات الحكومية تفيد بأن أعداد اللاجئين والمهاجرين في مصر قد يصل إلى أكثر من 9 ملايين شخص، حسب وزير الصحة والسكان، لافتاً إلى أن هذا العدد يمثل ما نسبته 8.7 في المئة من حجم سكان مصر. بينما تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر موقعها، أن مصر تستضيف ما يقرب من 473 ألف لاجئ مسجلين من 62 جنسية مختلفة.

من الواضح أن هناك صعوبة في الوصول إلى بيانات دقيقة، وقد يعود سبب ذلك إلى وجود عدد من اللاجئين غير المسجلين بشكل رسمي كونهم دخلوا إلى البلاد بطريقة غير نظامية، أو أنه قد يتم تصدير بعض الأرقام عمداً لأغراض سياسية.

وخلافاً لما يتم نشره، فإن الدراسات والتقارير الاقتصادية تشير إلى أن اللاجئين السوريين قد أسهموا بشكل إيجابي في الاقتصاد المصري في العديد من المجالات. فوفقاً لتقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في عام 2023، يقدر أن هؤلاء اللاجئين يسهمون في الناتج المحلي الإجمالي المصري بنحو 2.2 مليار دولار سنوياً. كما يقدّر أن اللاجئين السوريين في مصر قد أوجدوا أكثر من 150 ألف فرصة عمل للمصريين، وذلك بحكم مشاركتهم فى مختلف الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات.

من بين الادعاءات المضللة، نشر تدوينات على موقع "إكس" تتهم عدداً من السوريين والفلسطينيين المقيمين في مصر باحتكار مواد غذائية، وتخزين كميات كبيرة من السكر الذي بات سلعة شحيحة في السوق المصري. كما تمّ تدشين حسابات تصفهم ب"الهكسوس"، وأحد هذه الحسابات حمل اسم "توطين الهكسوس نكبة". وبالإضافة إلى المعلومات الخاطئة، فقد تم نشر عدداً من الصور والفيديوهات المفبركة، التي تُظهر السوريين في مواقف سلبية، وذلك على صفحات تروِّج للعنف والكراهية.

حسابات "قومية"

ليست القومية ذات الطبيعة العروبية أو الناصرية كما اعتدنا عليها، لكنها قومية مصرية متطرفة في خطابها، ظهرت رافضة لكل من لا ينتمي إليها، وتدعو إلى التمييز ضد الأقليات والشعوب الأخرى. وبرز هذا التوجه خلال إطلاق حملات دعائية سابقة، تروج للحضارة المصرية القديمة وتفوق "العرق" المصري.

فريق منصة "متصدقش" لتدقيق المعلومات نشر تحليلاً عن الحملة بالتعاون مع مجتمع التحقق العربي (AFH)، كشف أن من يقود حملة المجموعات قومية التوجه هم من المناصرين للرئيس عبد الفتاح السيسي وهي بمعدل أكثر من 45 ألف حساب.

وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في عام 2023، يقدر أن اللاجئين يسهمون في الناتج المحلي الإجمالي المصري بنحو 2.2 مليار دولار سنوياً. كما يقدّر أن اللاجئين السوريين في مصر قد أوجدوا أكثر من 150 ألف فرصة عمل للمصريين، وذلك بحكم مشاركتهم فى مختلف الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات.

سبق أن قامت تلك الحسابات نفسها، بشن هجومٍ على شخصيات سياسية معارضة إلى جانب أنها دائماً ما تشارك في الحملات المؤيدة لسياسات السلطة، يُذكر أن تلك الصفحات اعتمدت في خطابها الرافض لتوطين اللاجئين، على استدعاء نماذج أوروبية يمينية متطرفة وسياسات حكومية معادية للمهاجرين واللاجئين.

الموقف الرسمي: كتلة من التناقضات

"حملات مرفوضة تماماً ولا تعبر عن وجهة نظر الحكومة أو الشعب المصري"! هكذا قالت تصريحات المتحدث باسم مجلس الوزراء. يميل الخطاب الرسمي إلى الخلط بين مفهوم المهاجر وبين مفهوم اللاجئ . أما المواطن البسيط الذي يتلقى هذه التصريحات، فلا يمكنه أن يفصل بين من هو مهاجر غادر حدود بلاده لأي سبب من الأسباب، سعياً وراء العمل أو الدراسة على سبيل المثال، وبين من هو لاجئٌ فرَّ من وطنه نتيجة تعرضه للاضطهاد أو لانتهاكات خطيرة تهدد سلامته، أو حتى طالبي اللجوء الذين يسعون إلى الحصول على الحماية ولم يتم تحديد وضعهم بعد.

استندت الحكومة المصرية في تصريحاتها عن أعداد اللاجئين إلى ما جاء في تقرير المنظمة الدولية للهجرة، والذي أفاد بوجود حوالي 9 ملايين "لاجئ ومهاجر"[2] ، فالأعداد المعلنة لا تشمل اللاجئين فقط. وتصدير هذه الأعداد من غير تفسير الفارق بين طبيعة اللاجئين والمهاجرين قد يتسبب في إيجاد حال من الوعي الزائف، الذي يتصور أن وجود هؤلاء يمثل عبئاً ويسهم بشكل رئيسي في تدهور الوضع المعيشي.

فريق منصة "متصدقش" لتدقيق المعلومات نشر تحليلاً عن الحملة بالتعاون مع مجتمع التحقق العربي (AFH)، كشف أن من يقود حملة المجموعات قومية التوجه هم من المناصرين للرئيس عبد الفتاح السيسي وهي بمعدل أكثر من 45 ألف حساب.

تعبير الحكومة عن رفضها لحملات تطالب بترحيل اللاجئين من مصر، يتناقض مع حقيقة ما تمارسه هي نفسها بحق اللاجئين وطالبي اللجوء. بحسب تقرير لمنصة اللاجئين في مصر، فإن السلطات قامت بترحيل ما لا يقل عن 70 لاجئاً إرتيريّاً وإعادتهم إلى بلادهم مرة أخرى، في الفترة من 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 إلى آب/ أغسطس 2022

ترى "منصة اللاجئين في مصر" أن إعلان الجريدة الرسمية في آب/ أغسطس 2023 عن القرار الحكومي رقم 3326، بشأن توفيق أوضاع الأجانب المقيمين في مصر بصورة غير رسمية، وإلزامهم بدفع مبلغ مالي هو ألف دولار أمريكي أو ما يعادله من البنوك وشركات الصرافة المعتمدة، وإيداع المبلغ في الحساب المخصص لذلك، بشرط وجود مستضيف مصري يكون مسؤولاً أمام السلطات مسؤولية كاملة، جاء من منظور استغلالي وعقابي من غير أي مراعاة لأوضاع من لا يمكنه توفير هذا المبلغ، في مخالفة لنص القانون رقم 82 لسنة 2016 وتعديلاته التي تعتبر أنه لا يجوز أن يتعرض المهاجر المهرب إلى أي مسؤولية عقابية بأي شكل من الأشكال نظراً لكونه ضحية.

وكانت السلطات المصرية قد فرضت قيوداً على دخول السودانيين الفارين من النزاع الدائر إلى مصر، بعد صدور قرار في حزيران / يونيو 2023، يلزم جميع السودانيين بعدم الدخول إلى البلاد إلا بعد الحصول على تأشيرة مسبقة، ويُلزم القرار أيضاً كبار السن والأطفال والنساء بذلك، عكس ما كان معمولاً به من قبل. وهي قرارات تزيد من الحصار داخل مناطق الحرب خاصّةً وأن ما يحدث في هذه المناطق يرتقي إلى جرائم الإبادة. وهي التي أدت إلى تفاقم سوء الوضع الإنساني وزيادة عدد الوفيات بين العالقين على الحدود.

تعبير الحكومة عن رفضها لحملات تطالب بترحيل اللاجئين من مصر، يتناقض مع حقيقة ما تمارسه هي نفسها بحق اللاجئين وطالبي اللجوء. بحسب تقرير لمنصة اللاجئين في مصر، فإن السلطات قامت بترحيل ما لا يقل عن 70 لاجئاً إرتيريّاً وإعادتهم إلى بلادهم مرة أخرى، في الفترة من 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 إلى آب/ أغسطس 2022 على الرغم من أن إريتريا بلد معروف بشيوع انتهاكات حقوق إنسان خطيرة فيه.

سياسة الترحيل القسري لم تطل الإريتريين فقط، بل أكدت تقارير لمنظمات حقوقية دولية ترحيل عدد من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وفي هذه الحال فاللاجئ، سواء رحل إلى مناطق نفوذ النظام السوري أو مناطق خارج سيطرته، سيكون معرضاً لمخاطر الملاحقة أو ربما الموت. ومن المهم الإشارة إلى أن عمليات الترحيل كان يسبقها تعرض اللاجئين إلى الاحتجاز التعسفي، الذي قد يصل إلى التعرض للتعذيب داخل مقرات الأجهزة الشرطية بسبب شكوك أمنية. ويحدث كل ذلك من غير أي تدخل يذكر من المؤسسات الدولية المعنية بحمايتهم.

______________________

  1. تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر، https://www.unhcr.org/eg/ar/about-us/refugee-context-in-egypt
  2. تقرير المنظمة الدولية للهجرة: "اللاجئون والهجرة في مصر: تقييم عام 2023"

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه