دشّنت أربع منظمات حقوقية حملة بعنوان "بتحصل" لمناهضة الاغتصاب في مصر. وجاء الإعلان في بيان موحد لمنظمات "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف"، "مركز نظرة للدراسات النسوية"، "مؤسسة المرأة الجديدة"، و"مؤسسة قضايا المرأة المصرية". وحذرت تلك المنظمات من وجود "مناخٍ معادٍ لحقوق النساء ومنظماتها"، وأعلنت أن الحملة تهدف بالأساس إلى كسر الصمت والتواطؤ تجاه قضية الاغتصاب.
تأتي حملة "بتحصل" في إطار حملة "16 يوم" التي أطلقتها الأمم المتحدة خلال الفترة من 25 تشرين الثاني / نوفمبر الموافق لليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة إلى العاشر من كانون الأول / ديسمبر الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان. وقد اختارت المنظمات الأربعة موضوع الاغتصاب باعتباره قضية شائكة يسودها سكوت مجتمعي وتعتيم مؤسسي، وغياب آليات محاسبة من الدولة علاوةً على قصور القوانين التي تجرّم أشكال الاغتصاب المختلفة وتحد من وقوع تلك الجريمة. ويعود سبب تسمية الحملة بهذا الاسم إلى شيوع الاغتصاب في أماكن متعددة وبأشكال مختلفة. فظاهرة الاغتصاب "بتحصل" في الشارع أو البيت أو مكان العمل، ويقوم بها أناس مختلفون، أقرباء أو غير أقرباء، وهي "بتحصل" في أي وقت ولكل الأعمار، وكذلك "بتحصل" بين كل الطبقات الاجتماعية.
فيديو"التربية الجنسية في المدارس"كجزء من حملة #بتحصل لمناهضة #الاغتصاب في اطار حملة #16يوم لمناهضة العنف ضد المرأة - https://t.co/oiYg75k5fk
— Nazra (@NazraEgypt) December 4, 2016
وأقامت الحملة "عروض حَكي" عن التجارب المتعلقة بالاغتصاب، وعرض أفلام، بالإضافة إلى نشر مقاطع مصوّرة وأوراق بحثية، من أجل المساهمة في إنهاء "التطبيع" مع تلك الجريمة وإزالة السكوت عنها. فوفق إحصائيات "المركز المصري لحقوق المرأة"، فإن عدد النساء اللاتي يتعرضّن للاغتصاب سنوياً في مصر وصل إلى أكثر من 200 ألف امرأة. ويرافق هذا العنف مشاكل متعددة صحية ونفسية واجتماعية بينما يتعامل المجتمع مع الضحية على أنها تحمل فضيحة تستوجب التعتيم والتستُّر، مما يزيد الطين بلّة ويجعل المغتصبة ضحية مزدوجة للعنف الجنسي والتعامل المجتمعي المغلوط.
وقد صنفت مصر الأولى عربياً في ممارسة العنف ضد المرأة في 2015، طبقاً لمؤسسة "تومسون رويترز"، في حين يوضح تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2015 أن مصر ضمن أسوء عشر دول في مجال المساواة بين الجنسين. بينما تغيب التقارير الرسمية المحدثة والشاملة في هذا الشأن.
الجهود الحكومية غير كافية
في منتصف عام 2014، أعلن المجلس القومي للمرأة، بالتعاون مع عدد من الوزارات المعنية، عن استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، تضمنت ثلاث مراحل، هي "المنع، و"الحماية"، و"التدخل"، كذلك تضمنت حملات توعية وإعادة تأهيل للجناة وللضحايا. وبرغم شموليتها إلا أنها يؤخذ عليها أنها خرجت دون تنسيق مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، وكذلك فإنها لم تتح أيّ فرصة لمثل تلك المنظمات من أجل تقييمها ومتابعتها.
هناك بُعد نفسي مرتبط بقضية الاغتصاب يتطلب توافر خدمات للمغتصَبات، ومنها تدريب الأطباء للتعامل معهن وتفعيل الدليل الإرشادي للتعامل مع الضحايا الناجيات من العنف الذي وضعته وزارة الصحة وصندوق الأمم المتحدة للسكان
ومؤخراً، قدّم المجلس القومي للمرأة مشروع قانون إلى مجلس النواب، يركز على تجريم كل أشكال العنف ضد النساء، وكذلك نصّ على إعادة تأهيل المعنّفة والتخفيف من معاناتها وتعويضها عمّا يلحق بها من أضرار مادية أو أدبية، بالإضافة إلى توفير المحاكمة المنصفة للجريمة التي تعرضت لها. والجديد الذي يقدمه مشروع القانون أنه وسّع من الإطار التجريمي الخاص بالعنف ضد المرأة، وأكّد على الحماية القانونية للشاهد في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، كذلك استحدث إنشاء صندوق لحماية ضحايا جرائم العنف. ومن جانب آخر، وفي محاولة لتشجيع الجهد غير الحكومي، نصّ مشروع القانون على إلزام الدولة بدعم وتشجيع المجتمع المدني على إنشاء الجمعيات التي تهدف إلى مكافحة العنف ضد المرأة.. فيما تعيش تلك المنظمات أجواء مضطربة! حتى أن المنظمات الأربع التي دشنت حملة "بتحصل" أرفقت في البيان الخاص بالحملة ضيقها من تقييد عمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، ومنها التحفظ على أموال عزة سليمان رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية ومنعها من السفر، كما أمر إغلاق مركز النديم من قبل وزارة الصحة، بينما المديرة التنفيذية والمؤسّسة لمركز "نظرة" للدراسات النسوية ممنوعة من السفر..
توصيات
حرص الدولة على توفير المناخ الملائم لمنظمات المجتمع المدني المَعنية بالمرأة من أجل تمكينها من العمل بكل طاقتها، هو واحدٌ من الآليات الهامة في سبيل تقليل عدد الضحايا من المتعرضات لكافة أشكال العنف بما في ذلك الاغتصاب. وحملة "بتحصل" ألقت حجراً في المياه الراكدة، وكانت المنظمات الأربعة القائمة على الحملة قد أصدرت بياناً ختامياً فيه عدد من التوصيات أبرزها يتعلق بالبُعد التشريعي، وخاصةً بما يتعلق بتعديل المواد الخاصة بالاغتصاب في قانون العقوبات المصري، حيث المادة (267) تركز على تعريف شديد القصور للاغتصاب يستبعد أشكال متنوعة للاغتصاب مثل الاغتصاب الشرجي مثلاً، وهو ما يعتبر خللاً قانونياً.
كذلك فإن هناك بُعداً نفسياً مرتبطاً بقضية الاغتصاب يتطلب توافر خدمات للمغتصبات، ومنها تدريب الأطباء للتعامل معهن وتفعيل الدليل الإرشادي للتعامل مع الضحايا الناجيات من العنف الذي وضعته وزارة الصحة وصندوق الأمم المتحدة للسكان. ومن جانب آخر فإنه من الهام الحفاظ على خصوصية المغتصبات من خلال تجهيز أقسام الشرطة والمستشفيات ومصلحة الطب الشرعي بغرف خاصة لهن، كما الحفاظ على سرية البيانات وخصوصية المغتصبات خلال جميع خطوات التقاضي، وعدم نشر أي تفاصيل التحقيقات السرية الخاصة بذلك.
وفي ظل عدم وجود قاعدة بيانات رسمية للمغتصبات أو المتعرضات للعنف، فتوصي هذه الجمعيات بسنّ تشريع يوجب إنشاء قاعدة بيانات كافية من أجل الوقوف على حجم المشكلة والرصد الفعال لها والتعامل بجديّة مع أبعادها المختلفة.