... ولن ترضى إسرائيل عن نظام السيسي

"التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر جيد ولم يكن يوماً أقوى مما هو عليه اليوم". بحسب وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتينيتز، وهو من حزب الليكود ومقرب من نتنياهو، الذي يقول أيضاً إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "أغرق عدداً لا بأس به من الأنفاق بين غزة وسيناء. لنقل إن السيسي عندما قام بهذا الأمر إنما فعل ذلك بناء على طلبنا وبسبب الضغوط التي مارسناها".
2024-01-20

ميساء شكري

كاتبة صحافية من مصر


شارك
محور فيلادلفيا

ينتزع البواب - حارس العمارة أو خادمها - في القاهرة صلاحيات وتحكمات أكثر مما يقوم به نظام السيسي (المتباهي بقوته) على معبر رفح، متنَفس الفلسطينيين على العالم، وهم المحاصَرين في قطاع غزة. لكن في الوقت الذي تتجه فيه أنظار كثيرين إلى معبر رفح، خاصّةً بعد ادعاء إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بأن مصر هي المسؤولة بشكل تام عن تشغيله، في محاولة لتفادي اللوم بسبب حصارها وتجويعها للفلسطينيين، وتحويله إلى السلطات المصرية، من المهم رسم صورة أكبر لسياسات السيسي الحدودية، وما أسفرت عنه من تقارب حميم مع إسرائيل خلال نحو 10 سنين.

سياسة "تمام يا أفندم"

تَدرَّج السيسي في الجيش من قائد كتيبة مشاة وصولاً إلى نائب مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع ثم مديراً لها قبل أشهر قليلة من "ثورة يناير 2011". وهو يُعتبر أول رئيس مصري يعترف بشكل علني بوجود تعاون أمني وثيق مع إسرائيل في شبه جزيرة سيناء، وذلك خلال مقابلة له مع برنامج (60 دقيقة) على شبكة "سي.بي.إس" الإخبارية الأمريكية في يناير /كانون الثاني 2019.

سبق ذلك تصريح لوزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتينيتز، وهو من حزب الليكود ومقرب من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، يقول إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "أغرق عدداً لا بأس به من الأنفاق بين غزة وسيناء. لنقل إن السيسي عندما قام بهذا الأمر إنما فعل ذلك بناء على طلبنا وبسبب الضغوط التي مارسناها"، مضيفاً أن "التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر جيد ولم يكن يوماً أقوى مما هو عليه اليوم".

أسفرت سياسات السيسي منذ كان وزيراً للدفاع في 2013، ثم رئيساً للجمهورية منذ 2014 وعلى مدار قرابة 10 سنوات عن تدمير نحو 3 آلاف نفق على الشريط الحدودي بين مصر وغزة، وتهجير عشرات الآلاف من المصريين من قراهم ضمن إقامته لمنطقة عازلة، وتدمير الآلاف من المباني السكنية والتجارية.

بلغ التنسيق بين نظام السيسي والحكومة الإسرائيلية ذروة غير مسبوقة، فقد كشفت نيويورك تايمز عن قيام إسرائيل بتنفيذ أكثر من 100 غارة جوية على أراضي سيناء المصرية، ضمن التعاون في ما يعرف ب"الحرب على الإرهاب" من جانب الطرفين وذلك في الفترة من تموز/يوليو 2015 وحتى نهاية 2017.

جاءت هذه التصريحات مناقضة للتوجه الذي دعا إليه إيلي أفيدار عضو الكنيست الإسرائيلي في مقال له بجريدة الشروق المصرية، بمجرد إعلان السيسي عن ترشحه للمرة الأولى لرئاسة الجمهورية، إذ قال أفيدار أنه "يجب علينا ألا نحتضن الرئيس المصرى كى لا يتحول هذا الاحتضان إلى عبء عليه وعلى حكومته فى الشارع".

منطقة عازلة وتهجير المصريين

تمثلت سياسة نظام السيسي منذ انقلابها المدعوم شعبياً آنذاك والذي أطاح بحكم الرئيس محمد مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين في 3 تموز/ يوليو 2013، في تشديد القبضة الأمنية على المناطق الحدودية للبلاد، ليتحقق عبر ذلك العديد من الأهداف، منها تجفيف منابع التنقلات العابرة للحدود للأفراد، وموارد التمويل، وربما السلاح لجماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، إضافة إلى تسويق النظام لنفسه حول إمكانياته الأمنية في تحجيم الهجرة غير الرسمية عبر البحر الأبيض المتوسط على امتداد حدود مصر الشمالية باتجاه أوروبا. ويأتي على رأس الأهداف ضمن عمليات حوكمة الحدود المصرية، زيادة التنسيق مع جانب الحكومة الإسرائيلية، بما يتضمنه من خنق وضغط على "حركة حماس" التي تحكم القطاع منذ انتخابات 2006، وممارسة حصار أكبر على أكثر من 2 مليون و200 ألف فلسطيني من سكان القطاع.

وقد أسفرت سياسات السيسي منذ كان وزيراً للدفاع في 2013، ثم رئيساً للجمهورية منذ 2014 وعلى مدار قرابة 10 سنوات عن تدمير نحو 3 آلاف نفق على الشريط الحدودي بين مصر وغزة، وتهجير عشرات الآلاف من المصريين من قراهم ضمن إقامته لمنطقة عازلة، وتدمير الآلاف من المباني السكنية والتجارية. بلغ عدد المباني التي تم تدميرها بين تموز/ يوليو2014 وآب/ أغسطس 2015، ما لا يقل عن 3225 مبنى على طول الحدود مع قطاع غزة، إضافة إلى أكثر من 3600 بيت وبناية خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى 15 نيسان/ أبريل 2018، وبالإخلاء القسري لآلاف الأشخاص من مدينة رفح المصرية، لتصبح خاوية على عروشها.

كأن أجواء هزيمة 1967 وأشباحها قد عادت من جديد إلى أهالي سيناء، الذين عانوا هذه المرة مرارات التهجير القسري بأوامر قيادات الجيش المصري وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وليس نتيجة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي كما حدث حينها. ووفقاً لأحد الصحافيين القلائل الذين نجحوا في توثيق وتغطية بعض مجريات تفجير قوات الجيش المصري لمنازل المصريين في رفح المصرية في 2014، فقد سرد أحد المتضررين شهادته بأن ضابطاً من الجيش طرق باب منزله، وأخبره بضرورة المغادرة خلال ساعات، على أن يقوم صاحب المنزل بتدميره بمعرفته، نظراً لأن الذخيرة من متفجرات T.N.T قد نفذت من الضابط بعد تفجيره عدة منازل أخرى قبل ذلك .

بعد كل هذه القرابين، وعلى الرغم من المناشدات والتظاهرات العالمية المنددة بالإبادة والحصار على الفلسطينيين في غزة، والمطالبات بفتح معبر رفح، وادعاء مسؤولين مصريين بأن من يعرقل الفتح الكامل وتمرير المساعدات الإنسانية هو الجانب الإسرائيلي، بإصراره على التحجيم الشديد لأعداد وكميات المساعدات التي تعبر إلى القطاع، أو من المصابين الذين يخرجون منه للعلاج، تأتي إسرائيل ببجاحة معهودة، لتحاول إخلاء مسؤوليتها من الحصار الشامل على القطاع، ضمن مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية في الدعوى المرفوعة ضدها من جانب دولة جنوب أفريقيا والتي تتهمها بالإبادة الجماعية في غزة.

يبدو أن اعتبار نظام السيسي "أكبر حليف استراتيجي لإسرائيل في المنطقة"، غير كافٍ! فقررت هذه أنها لن تتحمل المسؤولية وحدها أمام محكمة العدل الدولية. ولم ينفع التهجير القسري، وتدمير المنازل، وإبادة مدينة رفح المصرية من على وجه الخريطة، والسماح لإسرائيل بتنفيذ طلعات جوية وغارات على سيناء، فقررت تل أبيب أن الشريط الحدودي الضيق بين مصر وقطاع غزة يحتاج إلى نشر قواتها فيه مرة أخرى!

ليس هذا فحسب، إذ لم تكتفِ إسرائيل برمي التهم على الجانب المصري، وإنما صرّح نتنياهو برغبة إسرائيل في إعادة احتلال "محور فيلادلفيا" (أو محور صلاح الدين وهو منطقة عازلة تقرر إنشاؤها وفق "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية" في العام 1979). ويبلغ طول هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، 14 كلم بعرض 100 متر من الجانبين وهو يمتد من معبر كرم سالم الى البحر الابيض المتوسط. ويشكل ذلك تحدٍ للسيادة المصرية، ومخالفة للاتفاقيات والتفاهمات السابقة بين الجانبين.

وكأن لسان حال الحكومة الإسرائيلية بعد سنوات شهدت ذروة التفاهم بينها وبين نظام السيسي، واعتباره أكبر حليف استراتيجي لها في المنطقة، بأن كل هذا غير كافٍ، وفي حال المثول أمام محكمة العدل الدولية، لن أتحمل المسؤولية وحدي، وعلى الرغم من كل التهجير القسري، وتدمير المنازل، وإبادة مدينة رفح المصرية من على وجه الخريطة، والسماح لإسرائيل بتنفيذ طلعات جوية وغارات على سيناء، فإن الشريط الحدودي الضيق، بين مصر وقطاع غزة يحتاج إلى نشر قوات إسرائيلية فيه مرة أخرى، غير مبالين كثيراً بصورة حليفهم الاستراتيجي أمام شعبه.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...