صوت من مصر يبحث عن العدالة الإجتماعية

بيان "عايزين نعيش" يرفض دعاوى الحكومة بأن قراراتها "دوا مر مالوش بديل" ويؤكد أن بدائل أكثر عدالة ومسؤولية كانت متاحة وممكنة، بدل الإضرار المباشر بحياة ملايين المصريين.
2017-01-22

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
محسن أبو العزم - مصر

غلاء غير مسبوق والمزيد آتٍ، حيرة لا محدودة ومآسي مع نفاذ الرواتب قبل انقضاء منتصف الشهر، أصوات منحازة للدولة تخرج على المواطنين ليل نهار، تعطي نظريات حول أن هذا هو الدواء المر، وأنه لا مفر. قرارات اقتصادية تخرج بليل وتحول الحياة الى جحيم. والهدف تقليل عجز الموازنة دون الاقتراب من شرائح بعينها. كل ذلك كان لا بد أن يدفع المئات من المهتمين بالشأن العام فى مصر، ممن يؤمنون بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، للتفكير في مسلك اجتماعي يساعد الناس على التقارب والتباحث بهدف خلق طريق جديد.
 

"عايزين نعيش" ـ  التسمية الأكثر تعبيراً ـ هو ما توافقت عليه تلك المجموعات الناشطة بالعمل السياسي للتعبير عن حملة تضم عدداً من الروابط والمجموعات النقابية والعمالية. وخلال مؤتمرها التأسيسي منذ أيام، تقدم بمداخلات أصحاب عدد من المهن الهامة التي تعاني من أزمات كبرى فى ظل القرارات الاقتصادية الأخيرة، والتي طالت الجميع: أطباء وعمال وصيادين..
هي "صوت متحيز للشقيان يدور عن حلول عملية ويرفض الدعاوى إللي بتقول القرارات دي دوا مر مالوش بديل" هكذا يقول شعار الحملة. دعم الاحتجاجات إحدى أهدافها المعلنة فى مواجهة سلطة تزيد بشكل مستمر فى إصدار قوانين وقرارات تحيك من حولها السواتر الأمنية وتجرم كل أشكال التظاهر والاحتجاج. تدور النقاشات دوماً، تتجادل الأصوات دون توقف ثم تتفق جميعهاً أنه ليس عنها بديل.
 

ملاك الشاذلي - مصر

ملفات حادة

سياسات الدواء، الحد الأدنى للأجور، التضخم،  قانون العمل، الاحتجاجات العمالية، هي أهم العناوين التي طرحت في المؤتمر التأسيسي بهدف تعيين المشكلات التي تهز كل بيت مصري الآن. وقد مثّلت المحاكمات العسكرية لعمال شركة "الترسانة البحرية" نموذجاً لما يواجهه العامل حين يطالب بحقه، حيث تم تخيير 24 عاملا متهماً بقيادة الإضراب بين السجن أو تقديم الاستقالة، في حين تشير إحصاءات عن أوضاع العمال خلال عامي 2015 ـ 2016 الى ما معدله 115 احتجاج سنوي.

وإن طال الغلاء كل شيء، لكن الدواء يبقى الملف الأكثر حساسية، خاصة بعد إعلان السلطات، وفى إطار نتائج قرار "تعويم الجنيه" ووصول سعر الدولار الرسمي بالبنوك إلى 20 جنيه، عن تحرير سعر الدواء. الخطوة متوقعة، لكن ما لم يتوقعه المصريون هو أن يتم تحريك سعر 5000 صنف دوائي مرة واحدة، ليتضاعف سعرها وهي لعلاج أمراض هامة ومنتشرة، وسط صراع مصالح آخر يدور بين أصحاب الصيدليات والشركات الكبرى، يدفع المريض ثمنه.
ومن الدواء للغذاء، حيث أعلنت وزارة التموين مؤخراً عن إلغاء 14 مليون بطاقة تموينية وخروج أصحابها من غطاء الدعم الغذائي، فى إطار تنقيح جداول المستفيدين. الرقم صادم بينما يتحسس الجميع جيبه وهو يخشى أن تشمله الكشوف بداية الشهر القادم،  هذا فى حين أهتمت  رئاسة الوزراء بإصدار بيان رسمي ينفي إشاعة إمكانية زيادة الحد الأدنى للأجور، وقالت أنها ملتزمة بالحكم القضائي الذي صدر قبل عام وحدده ب1300 جنيه. وهو ما يدفع الآن أوساط قانونية للتفكير بتحريك دعوى قضائية جديدة تلزم الدولة برفع الحد الأدنى بشكل متوازي مع ارتفاع الأسعار.
 

المئات من المهتمين بالشأن العام في مصر وبضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية اندفعوا للبحث عن مسلك يساعد الناس على إيجاد طرق لمواجهة الغلاء المريع وانهيار المؤسسات، فكانت شهادات ومبادرات.

يحدث هذا كله بينما يتابع المواطن عبر التلفاز، وبشكل شبه يومي، أخبار توقيف موظفين عموميين وقضاة وضباط  بتهم تلقي رشاوى تصل الى 100 مليون جنيه، إضافة الى استمرار المزايا الاجتماعية والمادية التى تتمتع بها شرائح بعينها في المجتمع، وعلى رأسها العسكريين ورجال الشرطة والقضاء ورجال الأعمال وكبار الاستشاريين والموظفين.

أصوات جادة

فى مواجهة كل هذا، اهتمت حملة "عايزين نعيش" بإظهار المحاولات الشعبية لمواجهة سياسات الإفقار والتمييز تلك، بإلقاء الضوء على تجارب عديدة من جنوب مصر لشمالها كالصيادين ومزارعي القصب  وعمال مصانع السكر. "معاً لإنقاذ مصانع السكر الوطنية من الاغلاق" هي احد الحملات التي تحدث عنها عامل من مدينة الفيوم، وهي تطالب بوقف الاستيراد من الخارج ودعم المصانع من أجل مواجهة الارتفاع غير المبرر في أسعار السكر في البلاد.
أما صياد من شمال مصر فقد أعطى معلومات هامة عن الفجوة الكبيرة بين حجم ما يمثله اقتصاد الصيد في مصر وأوضاع العاملين فيه، فقال أن عدد الصيادين فى مصر لا يقل عن 3.5 مليون صياد يعملون في 13 مليون فدان من المسطحات المائية ("المزارع السمكية")، إلا أن تحكّم رجال أعمال أغلبهم موظفون كبار سابقين بالدولة، بحركة نقل وبيع وتخزين الأسماك، وسيطرتهم على كثير من المزارع السمكية، بينما تقوم السلطات بإغلاق المزارع السمكية الصغيرة المملوكة لأفراد،  أدى لحالة إفقار واسعة فى بيوت الغالبية العظمي من الصيادين.
 

اهتمت الحملة بإظهار المحاولات الشعبية لمواجهة سياسات الإفقار والتمييز، بإلقاء الضوء على تجارب عديدة من جنوب مصر لشمالها، كالصيادين ومزارعي القصب وعمال مصانع السكر.

مُزارع من صعيد مصر تحدث باسم "رابطة مزارعي قصب السكر" فقال أن سعر طن قصب السكر تترتب عليه مصروفات هي أعلى من مردوده، وأن الفدان الواحد من قصب السكر يعطي 40 طناً، والطن الواحد ينتج 120 كيلو سكر، وذلك فقط هو ما يحاسب عليه المزارع دون النظر لكلفة الزراعة والمبيدات وإعداد الأرض والري بالماكينات، مما يؤدي لتراكم المديونية على المزارعين، وهو ما دفع المزارعين لتشكيل رابطة تعبر عنهم وترفض البيع بالأسعار المفروضة عليهم التي لا تًراعي حجم الخسائر التي تقع عليهم كل عام.
 

رباب نمر - مصر

خارج الصندوق

الأمر أصعب من الوقوف عند أسلوب واحد أو دون ابتكار الجديد. هذا لسان حال الجميع. البحث وراء خلق روابط وتعاونيات هو أحد أهم أهداف تلك الحملة. مناقشات هامة تشهدها صفحات التواصل الاجتماعي حول كيفية التواصل البشري للخروج بأفكار تعاونية تشاركية بسيطة تساعد على تحسين الدخول أو تقليل كلفة المصاريف المعيشية.
"أتوبيس أوسيم التعاوني" هو أحد المشاريع التي تحولت من فكرة الى واقع مع إيجاد رابطة يتشارك فيها أبناء منطقة "أوسيم"، حيث تمّ الاتفاق مع عدد من سائقي الميكروباصات والأتوبيسات على توفير الخدمة اليومية للأهالي مقابل اشتراك سنوي في الجمعية التعاونية لا تزيد قيمته عن نصف ما يصرف عادة على النقل، ويحقق بالوقت نفسه للسائقين دخل ثابت.
الناشط اليساري خالد عبد الحميد، فتح نقاش واسع على صفحته الفيسبوك، فظهرت العديد من الأفكار البسيطة الجديدة، مثل تأسيس رابطة بين عدد من الجيران لشراء مستلزمات البقالة من بائعى الجملة لا التجزئة وتوزيعها على بعضهم البعض، وكذلك الاستفادة من البروتوكول الدولي الذى وقعته الحكومة بشراء الطاقة الكهربية المولّدة من أشعة الشمس، فتم البدء عبر روابط شابة فى عمل دورات تدريبية لبعض الأسر على كيفية التشارك لشراء جهاز واحد لتجميع الأشعة وتوليدها، وعقد اتفاق مع وزارة الكهرباء من أجل الشراء.. وتظهر غير ذلك عشرات الأفكار كزرع الأسطح والشرفات بالخضروات  الرئيسية.. أفكار تستهدف خلق منفذ للحياة وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين حتى يتمكنوا من المواجهة والمطالبة بحقوقهم.
"عايزين نعيش" كلمة تعبر عن لسان حال ملايين المصريين قبل أن تكون مجرد ترجمة لأفكار مجموعة ناشطة.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...