كانت سلطنة عُمان إحدى مفاجآت موجة الحراك الشعبي التي اجتاحت العالم العربي في الأعوام الثلاثة الماضية. قامت تظاهرات مطلبية، فقُمعَت بالحديد والنار بحجّة أن السلطان سارع إلى تنفيذ رزمة إصلاحات اجتماعية ــ اقتصادية ــ سياسية. وبعد مرور عامين على اندلاع الحراك الاحتجاجي في السلطنة الخليجية، يفنّد الناشط العماني نبهان الحنشي، في سلسلة مقالات لـ«المفكرة القانونية»، ماهيّة هذه «الإصلاحات»، ليخلص إلى أنها كانت مجرّد «جرعات تخدير» للشعب لا أكثر على جميع الصعد، إلا إذا سمّينا «المكرمات» السلطانية التي جاءت على شكل رواتب للباحثين عن عمل مثلاً، إصلاحاً.
يحاول الحنشي العودة إلى التسلسُل الزمني لحركة الشارع و«إصلاحات» السلطة من دون الوقوع في مطبّات السرد التاريخي. عودة ضرورية للتذكير بأنّ المراسيم الأولى التي اتخذها السلطان في النصف الثاني من شباط/فبراير 2011، اقتصرت على تبديل حكومي كان أقرب إلى لعبة الشطرنج، إذ لم تتعدَّ نقل وزير من منصب إلى آخر. خطوات اعتبرها الشارع بمثابة إهانة أو استفزاز، فصعّد المتظاهرون من حراكهم بموازاة زيادة قوات الأمن من منسوب قمعها، مع سقوط أولى ضحايا التظاهرات الشعبية. عندها، ما كان أمام السلطان، في آذار/مارس من ذلك العام، إلا إصدار عدد من المراسيم أبرزها: 1ـ توفير 50 ألف وظيفة، مع راتب موقت لكل باحث عن عمل مسجل لدى وزارة القوة العاملة لا يتعدى 150 ريالاً (390 دولاراً). 2ـ إعادة تشكيل مجلس الوزراء، مع وجوب اختيار خمسة وزراء للدولة من مجلس الشورى، علماً بأنّ مجلس الشورى لم يكن يتمتع بصلاحيات هامة، إذ كان دوره شبيهاً بدور المجالس البلدية في البلدان الأخرى. 3 ـ زيادة طفيفة على رواتب موظفي القطاع العام. 4 ـ توسيع عدد الطلبة من حَمَلة الشهادة العامة (الثانوية العامة)، ليصلوا إلى ما يقرب 30 ألف طالب وطالبة يدرسون على نفقة الحكومة كل سنة.
أما بالنسبة للمطالب بتعزيز صلاحيات السلطة التشريعية وانتزاع بعضها من قبضة السلطان، فقد التفّ عليها هذا الأخير عن طريق إصدار مرسوم قضى بتشكيل لجنة لتنظر في الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس الشورى، قبل أن يمحو بنفسه مضمون ذلك المرسوم من خلال قيامه بتحديد هذه الصلاحيات، التي ظلّت استشارية، بشكل انفرادي من دون تشكيل اللجنة المعلن عنها.
في المقابل، كانت الخطوات التي أرادت السلطة من ورائها زيادة إحكام القبضة على المجتمع، عديدة، وجميعها كانت طبعاً تحت عنوان «الإصلاح». ففي أيار/مايو 2011، صدرت مجموعة من المراسيم الهادفة لتعزيز القبضة الأمنية، من خلال إعطاء الأمن العام صلاحية التحقيق في الجرائم التي تقع على أمن الدولة، إضافة إلى الجرائم التي ورد ذكرها في قانون مكافحة الإرهاب، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الادعاء العام. أما القرار الأمني الأخطر وفق الحنشى، فكان ذاك الذي أعطى الحق لأي جندي باعتقال أي مواطن تحت أية تهمة لفترة 15 يوماً قبل تحويله للتحقيق أو المحاكمة، فضلاً عن مجموعة قرارات أخرى رأى فيها الناشطون العُمانيون والحقوقيون «لبنة قانون طوارئ مقنَّع».
ويشير الحنشي إلى الشق الأخطر من النيات القمعية التي تُرجمَت بمراسيم تعديل قانون المطبوعات والنشر الذي بات بنسخته الجديدة «يتيح للسلطة الأمنية التدخل في العمل الصحافي والنشر العام، والقبض على أي مواطن يمارس نشاطاً حقوقياً أو ينتقد عمل السلطة».
وبرغم أن جزءاً كبيراً من المطالب يتمحور حول التخفيف من صلاحيات السلطان، إلا ان شيئاً من ذلك لم يحصل، فظل هو رئيس السلطة التنفيذية الخارج عن أي رقابة أو محاسبة.
وفي ما يتعلق بمرسوم تأمّل فيه البعض خيراً، أي ذاك الذي أمر بإنشاء مجالس بلدية منتخَبة، فقد ظل فارغاً، بما أن دور البلديات بقي محصوراً في إبداء الآراء في المجالات التنموية والتطويرية، لتبقى السلطة التقريرية محصورة بيد الحكومة... ومن خلفها السلطان.
في الخلاصة، أُجهِض الحراك العُماني سريعاً، ليبقى السلطان، المحصَّن من «الاعابة»، رئيساً لكل شيء: القوات المسلحة والشرطة والقضاء والسلطة التنفيذية... وكل ذلك بغطاء دستوري قانوني اتخذ صفة «الإصلاح».
عن المفكرة القانونية
www.legal-agenda.com
11 آذار/مارس 2013