النقاش حول ملف التعليم مطروح في المغرب بحدة، بسبب ما يسجله من تراجع في مؤشر الجودة وتخبطات يراها خبراء تربويون نذير كارثة تربوية وتعليمية
أرقام صادمة ومراتب متأخرة
تقارير وأرقام رسمية وأخرى دولية، تكشف أن المشاكل تتناسل عاماً بعد عام، ولم تجد طريقاً للحل على الرغم من خطط الإصلاح والدعم المالي الحكومي والأجنبي. منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، حذرت في تقرير رصد التعليم لعام 2016 من أنّ المغرب لن يتمكن من تحقيق أهدافه الخاصة بشأن التعليم قبل 50 عاماً تقريباً، مؤكدة أنه في حال الاستمرار في السياسات الحالية، فإن تعميم إتمام التعليم الابتدائي لن يتحقق قبل العام 2065. وصنفت اليونيسكو المغرب في مراتب متأخرة في لائحة البلدان التي تتوفر على أحسن المدارس، إذ احتل المركز 73 من أصل 76 بلداً شمله الإحصاء.
بيد أن المنظمة الأممية ترى أن عملية دعم التعليم في البلد أدت إلى تحقيق مكاسب مهمة، ويتعلق الأمر ببرنامج "تيسير" المخصص لدعم الأسر الفقيرة وسكان المناطق القروية، الذي استفاد منه 825 ألف تلميذ خلال العام الدراسي 2013/2014. كما نوّهت بمبادرة "مليون محفظة" التي حظي بها حوالي 4 ملايين تلميذ.
وعلى الرغم من الدعم السخي المقدم للتعليم المغربي من قبل دول أجنبية، والمقدر وفق تقرير اليونيسكو بـ162 مليون دولار أمريكي عام 2014، ويستهدف بالأساس محاربة الهدر المدرسي (ترك المدرسة)، إلّا أنّ تلك الأموال لم تجد طريقها بشكل أوسع نحوالفئات المستهدَفة.
فقد بينت وثيقة رسمية صادرة عن وزارة التربية الوطنية، تحت عنوان "نجاعة الأداء" (نشر موقع "لكم" الإخباري بعضا من سطورها)، أنّه على الرغم من الاعتمادات المالية الضخمة، إلّا أنّ النتائج لم تكن مُرْضية، إذ أنّ نسبة انقطاع التلاميذ في التعليم الإعدادي سجّلت ارتفاعاً، وانتقلت من 2.5 في المئة العام 2014 إلى 2.8 في المئة العام 2016. أمّا التعليم الثانوي فيشهد تصاعداً في الهدر، إذ انتقلت نسبته من 11.9 في المئة عام 2014 إلى 14.4 في المئة عام 2016، وستبلغ ما يقارب 16 في المئة مع حلول سنة 2018. كما أنّ التلاميذ الذين ينتقلون في المستويات الثلاثة (الابتدائي، الإعدادي، والثانوي) بدون تكرار (أو رسوب) هي في تراجع من 10.1 في المئة العام 2014 إلى 8.7 في المئة لعامي 2016 و2017. أمّا الذين ينتقلون بتكرار في الصفوف فتفوق نسبتهم 30 في المئة، وهو مؤشر سيظلّ ثابتاً حتى عام 2018.
والخصخصة هي إحدى المعضلات التي يتخبط فيها القطاع، ويقدر خبراء تربويون عدد الأساتذة المنتقلين إلى الخاص بنحو 30 ألف سنويّاً، وهو ما يدفع مصالح الوزارة إلى دمج وضم الأقسام، وتكليف الأساتذة بالتدريس في أكثر من مؤسسة تعليمية، واستكمال الساعات بمؤسسة تعليمية أخرى، والزيادة في الأقسام المشتركة، والتكليف بصفوف في مستويات غير تلك الأصلية.
وتبقى طرق التدريس المعتمدة في المدارس أسّ المعضلات. فـ"على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين منهجية التدريس بالمغرب، إلا أنّها لا تزال تعتمد على الحفظ والتكرار وتكريس السلطة أكثر من اعتمادها على الاكتشاف وإعمال العقل لدى المتعلمين" (وفق تصريح الأنثربولوجي الفرنسي والباحث اللغوي جيلبر غرانغيوم لصحيفة لوموند الفرنسية).
حلم يراود نشطاء فيسبوكيين
على جدران وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات محمومة عبر هاشتاغات وتدوينات تنادي بتعليم عمومي مجاني وذي جودة. "مدرسة عمومية موحّدة ومجانية لجميع أطفال الشعب المغربي وبجودة تعليم عالية" هوعنوان حملة فيسبوكية تفاعل معها المغاربة في أيلول /سبتمبرالماضي، بالتزامن مع بداية الموسم الدراسي. الحملة الفيسبوكية كانت ترمي إلى تحريك المياه الراكدة، والمطالبة بمجانية التعليم وحل مشكلة الاكتظاظ في الصفوف الدراسية، والتذكير بالمعاناة التي يكابدها أساتذة التعليم والتلاميذ في الأرياف والمناطق النائية. تناقل المغاربة على جدرانهم الزرقاء عبارات الحملة بشكل واسع، والتي تقول "أحلم بمدرسة عمومية مجانية وموحدة وبجودة عالية لكل الأطفال المغاربة.. أريد أن يكون لأبناء المغاربة، أغنياء كانوا أو فقراء، في المدن وفي البوادي وفي الصحراء وفي الجبال، الحق في التعليم نفسه وبالجودة نفسها".
وطالب النشطاء الجهات المعنية بالتعليم بـ"تجويد المناهج التربوية ومُحتواها، وتحسين ظروف أسرة التعليم وتوفير شروط الإبداع والتميز، ومراقبتها ومحاسبتها، مع توفير الظروف الملائمة للتلاميذ، وتخصيص الوقت الكافي للتطوع والمبادرة، وممارسة مختلف الفنون الإبداعية، والابتعاد عن المعرفة الكمية ".
وكانت الأمم المتحدة قد أبدت قلقها من خطورة تنامي مؤسسات التعليم الخصوصي، وذلك بعد أن دقّت جمعيات ومنظمات مغربية ناقوس الخطر إثر إغلاق 191 مؤسسة تعليمية رسمية (حكومية) بالمغرب ما بين عامي 2008 و2013.