طلاب ومصابون وأسر فلسطينية في مصر.. الحدود ليست تراباً بل خذلان وقهر

"كنا ندفع إيجارات سكن ونسدد اقساط الجامعة بمبالغ باهظة تصل الى 1500 دولار في الفصل الواحد، ومصاريف شخصية تتخطى المئة دولار شهرياً، كانت ترسلهم أسرنا بصورة دورية لنا. لكن مع اشتعال الأوضاع في غزة وفقدان التواصل مع الأسر واستشهاد الكثير منهم، أصبح الطلاب في مصر بلا دعم ولا أمان. تعرض بعضنا للطرد من السكن ولم نتلقَ أي دعم من الجامعات أو الهيئات الحكومية المصرية".
2023-12-27

إيمان محمد

صحافية من مصر


شارك
نقل جرحى من غزة الى مصر

يبرر البعض صمت النظام المصري عن الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني والجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني بخشية النظام من التورط في الحرب في ظل الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعانيها مصر، من تراكم الديون الخارجية وحالة عدم الاستقرار السياسي. إلا أن الامر يتجاوز ذلك اذا ما نظرنا في منهجية تعامل الحكومة المصرية مع الفلسطينيين الوافدين إلى مصر، سواء كانوا جرحى أو طلابا يدرسون في الجامعات المصرية، أو مزدوجي الجنسية. إذ  يبدو أن خط الخذلان من الحكومات العربية ممتد من معبر رفح المغلق في وجه المساعدات الموجهة إلى أطفال فلسطين الذين يعانون الحرب والجوع والعطش الى الطلاب الفلسطينيين الذين وصل عددهم وفقاً لوزير التعليم العالي المصري الى ما يزيد عن 6 آلاف طالب مسجل في الجامعات المصرية. 

ويقول أنس (اسم مستعار) وهو طالب في كلية طب جامعة الزقازيق: "منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ونحن نعاني بمرارة خوفاً على أهلنا الذين تتم إبادتهم في غزة دون موقف يذكر من الدول العربية، إضافة إلى أوضاعنا التي نعيشها في مصر، حيث كنا مستقرين في مساكن بجوار الجامعات وندفع إيجارات ونسدد اقساط الجامعة بمبالغ باهظة تصل الى 1500 دولار في الفصل الواحد، أي ما يقرب من 150 ألف جنيه مصري في العام الدراسي، ومصاريف شخصية تتخطى المئة دولار شهرياً، كانت ترسلهم أسرنا بصورة دورية لنا. لكن مع اشتعال الأوضاع في غزة وفقدان التواصل مع الأسر واستشهاد كثير منهم، أصبح الطلاب في مصر بلا دعم ولا أمان. تعرض بعضنا للطرد من السكن وظللنا أياما بلا طعام أو شراب ولم نتلق أي دعم من الجامعات أو الهيئات الحكومية المصرية، بل طلب منا تجديد الاقامة. وبعد ضغط من الشخصيات العامة والبرلمانية تم تأجيل المصاريف الدراسية وليس إلغاؤها، وهو ما زاد من قلق الطلاب الفلسطينيين، خاصة واننا لا نعرف إلى متى سيكون التأجيل، وإذا عادت إدارات الجامعات للمطالبة بالمصاريف، فمن أين سنأتي بها ونحن الذين تقطعت بنا سبل التواصل مع أسرنا الذين يعيشون تحت النار في فلسطين".

وعلى الرغم من الوضع المزري الذي حاول أنس وصفه، الا ان هناك بعض المبادرات الفردية والشعبية الخالصة لتقديم يد المساعدة للطلاب الفلسطينيين من خلال بعض الشخصيات العامة والأفراد الذين استطاعوا تجميع القليل من الأموال واعطائها للطلاب لتغطي فقط كلفة الطعام والشراب.

على الرغم من تقدم عشرات النواب في البرلمان المصري بطلبات احاطة[1] في مجلس الشعب مطالبين بإصدار قرار من الحكومة المصرية بإلغاء المصاريف الدراسية وتقديم الدعم الكامل للطلاب، إلا أن تصريحات المسؤولين في الحكومة حول تقديم كافة سبل الدعم للطلاب الفلسطينيين في مصر ما زالت مجرد حبر على ورق لا معنى لها ولا قيمة.

وكعادته اتخذ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قراراً مخالفا لتوجه الدولة في تأجيل المصروفات الدراسية لحين انتهاء الحرب في فلسطين فقرر إلغاء المصاريف[2]. وليس ذلك فحسب بل قام بتوفير مصاريف شخصية للطلاب الفلسطينيين في جامعة الأزهر بقيمة 2500 جنيه شهرياً وفتح لهم المدينة الجامعية في الأزهر للسكن دون أي مقابل.

على مستوى الجرحى والمصابين والحالات المرضية، فلا توجد إحصاءات رسمية وبيانات حول أعداد الفلسطينيين الذين دخلوا مصر في حين تقول التقديرات غير الرسمية أن الاعداد لم تتجاوز المئات، بينما تطلق وزارة الصحة وأطباء المستشفيات الفلسطينية نداءات استغاثة للجانب المصري بغاية سرعة إدخال الحالات الحرجة التي تصل إلى سبعة آلاف جريح في حالة خطرة.

وعلى الرغم من قلة الأعداد التي دخلت مصر، وعلى الرغم من الاهتمام داخل المستشفيات الحكومية من قبل الأطباء، فإن هناك إجراءات غير مفهومة من قبل وزارة الصحة بدءاً من منع الزيارات عن المصابين ومنع دخول الصحافيين، والتضييق على الزائرين حتى من الأقارب من الدرجة الأولى، ومنع دخول هواتف الموبايلات.

ليس الطلاب فقط هم من يعانون وجع الخذلان من الحكومة المصرية، فهناك ايضاً مئات الأسر من مزدوجي الجنسية الذين فروا من نيران الحرب هرباً الى الشقيقة الكبرى، حصن الأمان لهم على مدار السنين، ليجدوا حالة من الجفاء والإهمال والبيروقراطية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وهز كيان جيش الاحتلال على أيدي المقاومة الفلسطينية، ورد الكيان الصهيوني بارتكاب المجازر في حق الشعب الفلسطيني، وتهجير الفلسطينيين  حين اضطر المئات منهم الى النزوح الى مصر، فوجدوا امامهم الشارع!

تقول ماري يوسف، وهي فلسطينية تحمل الجنسية المغربية: "ولدت في غزة وتربيت فيها، إلا أن أبي يحمل الجنسية المغربية، وعندما اشتدت الحرب وقصفت منازلنا ورأينا الموت كل دقيقة في شمال غزة، قررنا النزوح الى مصر وسمح لنا بذلك على اعتبار أن مصر مجرد محطة نمر بها اربعة ايام كحد اقصى على ان نغادر الى المغرب بعد ذلك، دون مراعاة لكوننا خرجنا بالملابس التي نرتديها وليس معنا أي أموال تمكّننا من السفر الى المغرب، ولا نملك مكانا نبيت فيه ولا ثمن طعام لأطفالنا".

تشير ماري الى أنهم دخلوا من معبر رفح واستطاعوا الوصول الى القاهرة بفضل سائق مصري تبرع بإيصالهم علهم يجدون أي دعم من الحكومة المصرية، او السفارة المغربية، فما كان من الجميع الا التجاهل التام واغلاق كافة الابواب أمامهم. تستكمل: "ظللنا في الشارع يومين ومعنا اطفال وكبار في السن، إلى أن تعاطف معنا بعض المارة الذين وصلونا بصحافيين وشخصيات عامة استطاعوا بالكاد أن يوفروا لنا سكنا وبعض المصاريف الشخصية. ولكن الأمر كان صعباً للغاية، وهو ما دفعني انا واشقائي الى العودة إلى غزة مرة أخرى فور إعلان الهدنة ظناً منا أنها ستكون نهاية الحرب، الا اننا الآن تحت القصف والقتل في كل دقيقة. ولكن وفي كل الاحوال فلو متنا فسنموت ببلدنا وبكامل كرامتنا".

اتخذ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قراراً مخالفاً لتوجه الدولة بتأجيل المصروفات الدراسية لحين انتهاء الحرب في فلسطين، فقرر إلغاء المصاريف. وليس ذلك فحسب، بل قام بتوفير مصاريف شخصية للطلاب الفلسطينيين في جامعة الأزهر بقيمة 2500 جنيه شهرياً وفتح لهم المدينة الجامعية في الأزهر للسكن دون أي مقابل.

وعلى مستوى الجرحى والمصابين والحالات المرضية، لا توجد إحصاءات رسمية وبيانات حول أعداد الفلسطينيين الذين دخلوا مصر، في حين تقول التقديرات غير الرسمية أن الاعداد لم تتجاوز المئات بينما تطلق وزارة الصحة وأطباء المستشفيات الفلسطينية نداءات استغاثة للجانب المصري بغاية سرعة إدخال الحالات الحرجة التي تصل إلى سبعة آلاف جريح في حالة خطرة. وعلى الرغم من قلة الأعداد التي دخلت مصر، وعلى الرغم من الاهتمام داخل المستشفيات الحكومية من قبل الأطباء، فإن هناك إجراءات غير مفهومة من قبل وزارة الصحة بدءاً من منع الزيارات عن المصابين ومنع دخول الصحافيين، والتضييق على الزائرين حتى من الأقارب من الدرجة الأولى، ومنع دخول هواتف الموبايلات. 

تقول مروة حسن (اسم مستعار) وهي مصابة وتقيم في إحدى مستشفيات القاهرة، أنه منذ دخولها من معبر رفح تم التعامل معها مثلما يعامل المساجين، حيث منع عليها الموبايل ومنع عليها التواصل مع ذويها، اضافة الى منع المرافقين من الخروج من باب المكان المغلق على المصابين بأحد أدوار المستشفى، واذا سمح لأحد بالزيارة فيتم تفتيش الحقائب وحجز تليفونات الزائرين ومنعهم من التجول داخل المستشفى أو الخروج من غرفة المريض والاختلاط بأيٍ من الموجودين. اضافة الى عدم توفير أية رعاية نفسية سواء للمريض أو المرافق، وكأن ما رأيناه من قتل ودمار وفقدان لأبنائنا واشقائنا لا يستلزم تقديم خدمات الدعم النفسي.

الأمر كان صعباً للغاية، وهو ما دفعني انا واشقائي الى العودة الى غزة مرة أخرى فور إعلان الهدنة ظناً منّا أنها ستكون نهاية الحرب. إلا أننا الآن تحت القصف والقتل في كل دقيقة. ولكن وفي كل الاحوال فلو متنا فسنموت ببلدنا وبكامل كرامتنا".

قالت مروة ان المرافقين يُمنعون من النزول أو التجول خارج المستشفى لأسباب لا يعرفها أحد.

وكان وزير الصحة قد أصدر قراراً بمنع الزيارة عن المصابين والجرحى[3] في المستشفيات، ومنع التصوير بقرار رسمي صادر عن وزارة الصحة، واكتفت الحكومة بتنظيم زيارات من قبل مسؤولين من بينهم نقيب الصحافيين وبعض أعضاء مجلس النقابة، بينما منع الصحافيون من الاتصال بالمصابين، وتقدم ما يقرب من 70 صحافيا بطلب الى نقابتهم للسماح لهم بزيارة المصابين للقيام بعملهم. 

______________________

1- طلب إحاطة للحكومة لإعفاء الطلاب الفلسطينيين من المصروفات الدراسية | قناة صدى البلد elbaladtv.net)
2- شيخ الأزهر يعفي طلاب فلسطين من المصروفات الدراسية.. وصرف مبلغ مالي شهريّاً لهم | المصري اليوم almasryalyoum.com))
3- "منع تصوير المصابين الفلسطينيين".. تفاصيل اجتماع النواب مع وزير الصحة elfagr.org))

مقالات من مصر

للكاتب نفسه

… وكم من علاء! عن الاعتقال في مصر

إيمان محمد 2021-09-23

تؤكد الدكتورة عايدة سيف الدولة، الطبيبة النفسية، والاستاذة الجامعية، والحقوقية البارزة، ومديرة برنامج تأهيل ضحايا العنف والتعذيب في "مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب"، أن بعض المساجين - حتى بعد فترة...