الأعاصير في اليمن: التغير المناخي والتداعيات الكارثية

برسم قمة المناخ COP 28 في الامارات التي سيطر عليها اباطرة النفط والغاز، فأنكروا وجود كل عناصر المشكل، في علامة على التراجع المريع في كل ما انجز وحفر مساره خلال السنوات السابقة، على الرغم من الصعوبات الجمة!
2023-12-14

عبده منصور المحمودي

استاذ جامعي وشاعر وناقد، اليمن


شارك
اعصار مدمر في اليمن

يخوض اليمن معركته الخاسرة مع التغير المناخي الذي استجد في هيئة حالٍ مدارية، أُطْلِق عليها اسم "تيج Tej"، العائد في اشتقاقه اللغوي إلى اللغة الهندية، حاملاً فيها الدلالة على صفة السرعة، في المذكر والمؤنث على حدٍّ سواء (السريع/ السريعة).

مسار إعصار "تيج Tej"

ما بين التاسع عشر والرابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصدر مركز التنبؤات الجوية والإنذار المبكر في اليمن عشر نشرات تحذيرية خاصة بمتابعة إعصار "تيج"، الذي بدأ يتكوّن في منطقةَ ضغطٍ جويٍّ منخفض Low pressure Area جنوب شرق بحر العرب، مصحوباً برياحٍ تصل أعلى سرعة لها إلى 15 عقدة. ثم تطورت منطقة الضغط الجوي المنخفض إلى منخفض جوي عميق Depression Deep جنوب شرق بحر العرب، ووصلت أعلى سرعة رياح مصاحبة إلى 30 عقدة والهبات إلى 40 عقدة.

بعدها تطور المنخفض الجوي العميق إلى عاصفة إعصارية Cyclonic Storm في جنوب غرب بحر العرب، وتراوحت أعلى سرعة رياح مصاحبة لها من 70 إلى 80 عقدة، أما الهبات فقد وصلت إلى 90 عقدة. وكانت العاصفة الإعصارية هذه على بعد 670 كم تقريباً عن محافظة "أرخبيل جزيرة سقطرى".

تطورت العاصفة الإعصارية إلى عاصفة إعصارية شديدة Severe Cyclonic Storm في جنوب غرب بحر العرب، وتراوحت أعلى سرعة رياح مصاحبة لها بين 90 وبين 100كم/ساعة، فيما وصلت الهبات إلى 110كم/ ساعة. واقترب مركز العاصفة من محافظة "أرخبيل جزيرة سقطرى"، فصار يبعد عنها بما مقداره 550 كم.

يُعد اليمن واحداً من أكثر بلدان العالم عرضة للخطر، في ظل عجزه عن تعزيز قدراته الكفيلة بتمكينه من التصدي لآثار التغير المناخي ، منذ أن اندلعت فيه الحرب التي دخلت عامها التاسع، وأودت حتى آخر العام 2021 بحياة 377 ألف شخص، وألحقت بالاقتصاد الوطني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، وزادت من حدّة استشراء الفقر، إذ يعيش 43 في المئة من اليمنين في حال فقر مدقع.

بعد ذلك تطورت العاصفة الإعصارية الشديدة إلى عاصفة إعصارية شديدة جدّاً Very Severe Cyclonic Storm في جنوب غرب بحر العرب، مع رياح عاتية ومدمرة مصاحبة لها، تراوحت من 125 إلى 135كم/ ساعة، ووصلت الهبات إلى 150كم/ساعة.

وحانت مرحلة الذروة، مع تطور العاصفة الإعصارية الشديدة جدّاً إلى عاصفة إعصارية عاتية Extremely Severe Cyclonic Storm في وسط غرب بحر العرب، مع رياح عاتية ومدمِّرة مصاحبة لها، تراوحت من 180 إلى 190 كم/ساعة، ووصلت الهبات إلى 210 كم/ساعة. بعدها استمرت هذه العاصفة الإعصارية العاتية في شمال غرب بحر العرب، مع رياح عاتية ومدمرة مصاحبة لها متراوحة من 170 إلى 180 كم/ساعة، ووصلت الهبات إلى 200كم/ساعة.

كانت الذروة الإعصارية تلك متصاحبة مع امطار كثيفة هطلت بغزارة على "أرخبيل جزيرة سقطرى"، ثم وصلت أعلى مستويات الغزارة في محافظة "المهرة"، التي تفاوتت فيها كمية الأمطار بين 200 و400 ملم. ثم بدأ الإعصار بعد ذلك في مسار تراجعه وصولاً إلى تلاشيه.

جهود رسمية وأضرار

بمعية مراحل التطور هذه وقبلها، حاول الجانب الرسمي مواكبتها، والعمل على تحاشي الممكن من تداعياتها، فكانت السلطة العليا (الشرعية المعترف بها دوليّاً) في صدارة هذه المواكبة، متمثلة في قيام رئيس مجلس القيادة الرئاسي بزيارة غير معلنة إلى محافظة المهرة، لمتابعة مجريات الحدث المناخي الطارئ.

كما كانت السلطات المحلية، في المحافظات الثلاث المشمولة بتهديد الإعصار (حضرموت، المهرة، أرخبيل جزيرة سقطرى) قد أعلنت عن رفع حالة التأهب، واتخاذ عدد من التدابير، كمنع الصيد، وفتح وتوسيع المجاري الضيقة، وإيجاد معالجات عاجلة تضمن انسيابية حركة السيول ومياه الأمطار، مع تحذيرات متكررة للمواطنين تتضمن ضرورة اتخاذهم أقصى درجات الحيطة والحذر. وإعلان وقف العملية التعليمية في مدارس وجامعات محافظة "المهرة".

لم تكن هذه الاستعدادات كافية للحيلولة دون آثار الإعصار وما يترتب عليها من أضرار بشرية ومادية. ففي محافظة "أرخبيل جزيرة سقطرى"، هطلت أمطار غزيرة على كثير من المناطق، وتدفقت السيول الجارفة، فغمرت وادي "عيهفت"، ووادي "إيرة" جنوبي الجزيرة، وتسببت في توقف حركة المرور وسط مدينة "حديبو" مركز المحافظة. كما فُقِد التواصل مع السكان شرقي الجزيرة نتيجة لانقطاع الاتصالات.

وفور وصول الإعصار إلى محافظة "المهرة"، توالت تداعياته الكارثية، إذ غمرت السيول الشوارع وكثيراً من المنازل، وانقطعت خدمتا الاتصالات والإنترنت في أنحاء واسعة من المحافظة، بعدما تعرض كابل الألياف الضوئية للأضرار وسقطت عدد من أبراج الاتصالات في المناطق المحاذية للشريط الساحلي. كما لم يكن في استطاعة الهلال الأحمر اليمني فرع "المهرة" مواجهة هذه التداعيات، لذلك ناشد الحكومة بإرسال طائرات لإنقاذ العالقين، بعد أن عجزت فرق الطوارئ والسيارات التابعة له عن الوصول إلى المتضررين من الإعصار.

السلطات المحلية، في المحافظات الثلاث المشمولة بتهديد الإعصار (حضرموت، المهرة، أرخبيل جزيرة سقطرى) أعلنت عن رفع حالة التأهب، واتخاذ عدد من التدابير، كمنع الصيد، وفتح وتوسيع المجاري الضيقة، وإيجاد معالجات عاجلة تضمن انسيابية حركة السيول ومياه الأمطار، مع تحذيرات متكررة للمواطنين تتضمن ضرورة اتخاذهم أقصى درجات الحيطة والحذر. وإعلان وقف العملية التعليمية في مدارس وجامعات محافظة "المهرة".

وأعلنت السلطة المحلية في محافظة "المهرة"، مدينة "حصوين" مدينة منكوبة. كما ورد عن مصادر محلية في المدينة إعلانٌ عن وفاة أسرة كاملة، مكونة من 7 أشخاص جراء انهيار منزلها على رؤوسهم. وإلى ذلك، فقد سجلت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة، نزوح 1031 أسرة، تضم 7217 فرداً، منها 600 أسرة في مدينة الغيضة، وأكدت هذه الوحدة التنفيذية أن هذا العدد غير نهائي وقيد التحديث، متوقعة أن يصل العدد إلى 20 ألف أسرة نازحة. مع الإشارة إلى أن 60 في المئة من أسر مدينة "الغيضة" متضررة، وأن أكثر المنازل فيها غمرتها السيول، وكثيراً من الأسر فقدت الغذاء والمأوى.

معركة الأعاصير الموازية

لم يكتف العام 2015 بكارثيته التي قدمها لليمن، على طبقٍ من الحرب، عشية الخامس والعشرين من آذار/ مارس، وإنما عززها بعد أشهر بمعركة مناخية، حملها إعصاران اثنان ("تشابالا" و"ميغ") لا يفصل بينهما سوى أسبوع واحد.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته، ضرب اليمن إعصار "تشابالا"، الذي وُصِف بأنه أقوى إعصار تعرضت له الجزيرة العربية على الإطلاق. اقترن بهطول أمطار شديدة الغزارة، تدفقت سيولاً جارفة، ألحقت أضراراً بالمنازل السكنية في أربع محافظات: (حضرموت، شبوة، المهرة، أرخبيل جزيرة سقطرى)، كما تعرضت المرافق الصحية لأضرار جسيمة في عدد من المدن الرئيسة (1). وإلى ذلك، تسبب الإعصار في وفاة 8 اشخاص، وإصابة 100، ونزوح أكثر من 40 ألف شخص من سكان المناطق الساحلية في وسط وشرق اليمن (2).

إعصار "تشابالا"، اليمن 2015. صورة من الأقمار الصناعية

بعد أيّامٍ قليلة من تلاشي إعصار "تشابالا" في اليمن، أعلنت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية عن تكَوُّنِ إعصار جديد في بحر العرب، يحمل اسم "ميغ"، يتجه إلى اليمن. وقد تسبب هذا الإعصار، في هطول أمطارٍ غزيرة، راكمت من أضرار إعصار "تشابالا".

"ساجار"/ "ماكونو"/ "لبان"

في العام 2018 اشتركت ثلاثة أعاصير في صياغة التغير المناخي في اليمن، حيث وصل إعصار "ساجار" إلى ثلاث محافظات: حضرموت، المهرة، أرخبيل جزيرة سقطرى، وأسفرت غزارة أمطاره، عن تدفق سيول كبيرة، غمرت مدناً رئيسة، منها مدينة "المكلا"، التي شُلّتْ حركة المرور في كثير من شوارعها.

ثم كانت محافظتا "المهرة"، و"أرخبيل جزيرة سقطرى" على موعد مع الإعصار الاستوائي "ماكونو"، الذي ضرب المهرة، فأغرق عدداً من القوارب في مدينة "الغيضة"، ومنطقة "العبري"، ودمّر أبراج الاتصالات والمعدات الزراعية، وألحق أضراراً بالمنازل السكنية والمباني العامة، منها مكتب منفذ "صرفيت" الحدودي، ومدارس في "حصوين"، و"خولة" (3).

كما تسبب هذا الإعصار في هطول أمطار غزيرة ورياح قوية على محافظة "أرخبيل جزيرة سقطرى"، ولأن آثاره فيها كانت كارثية، فقد أعلنت السلطات اليمنية الجزيرة منطقة منكوبة، بعدما حاصرت الفيضانات المنازل، وغمرت الأحياء والقرى، وجرفت عدداً من السيارات، وأغرقت سفناً تحمل على متنها بضائع، وفقدت الجزيرة العشرات من أبنائها، وشُرّد المئات.

واختتم العام 2018 تراجيديا التغير المناخي الكارثي في اليمن بالإعصار الاستوائي "لبان"، الذي وصل في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر إلى محافظتي "حضرموت"، و"المهرة"، فتسببت غزارة أمطاره في موجة من الفيضانات، وكان القدْر الأكبر من تداعياته الكارثية في محافظة "المهرة"، إذ كانت حصيلته فيها: وفاة 8 اشخاص، وإصابة 33، وفقدان 9، ونزوح أكثر من 3 آلاف أسرة. كما خلّف أضراراً جسيمة بالممتلكات والأراضي الزراعية والماشية ومعدات الصيد والبنية التحتية: طرقاً وجسوراً وخطوطَ نقلِ الكهرباء إلى المناطق الساحلية.

وقبل إعصار "تيج" ـــ أحدث جولات الصراع مع التغير المناخي في اليمن ـــ كان العام 2023 قد افتتح كارثية هذه المعركة بإعصار "بيبارجوي"، في حزيران/ يونيو الفائت، إذ ضرب محافظة "أرخبيل جزيرة سقطرى" بأمطار غزيرة جدّاً صاحبتها رياح عالية السرعة، فخلّف أضراراً كبيرة بشبكة الكهرباء، ومثلها أضراراً بمئات المنشآت الخاصة والعامة المحاذية للشريط الساحلي الجنوبي من الجزيرة.

فريسة للتغير المناخي

وفقاً للتصنيفات الجغرافية الخاصة بتداعيات التغيرات المناخية، يُعد اليمن واحداً من أكثر بلدان العالم عرضة للخطر، في ظل عجزه عن تعزيز قدراته الكفيلة بتمكينه من التصدي لآثار التغير المناخي (4)، منذ أن اندلعت فيه الحرب التي دخلت عامها التاسع، وأودت حتى آخر العام 2021 بحياة 377 ألف شخص، وألحقت بالاقتصاد الوطني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، وزادت من حدّة استشراء الفقر، إذ يعيش 43 في المئة من اليمنيين في حال فقر مدقع، و32 في المئة مهددين بانعدام الأمن الغذائي، كما أن 80 في المئة منهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية حسب ما أشارت إليه تقارير الأمم المتحدة.

تسبب هذا الإعصار في هطول أمطار غزيرة ورياح قوية على محافظة "أرخبيل جزيرة سقطرى"، ولأن آثاره فيها كانت كارثية، فقد أعلنت السلطات اليمنية الجزيرة منطقة منكوبة، بعدما حاصرت الفيضانات المنازل، وغمرت الأحياء والقرى، وجرفت عدداً من السيارات، وأغرقت سفناً تحمل على متنها بضائع، وفقدت الجزيرة العشرات من أبنائها، وشُرّد المئات.

وعلى ذلك، فإن بلداً تسود فيه مثل هذه الظروف والعوامل والمتغيرات السياسية والاقتصادية والإنسانية، هو بلدٌ مُلقىً في مرمى التغيرات المناخية، ولا سبيل لنجاته من معاناةِ ما تحمله إليه من التداعيات الكارثية والأضرار المادية والبشرية. 

______________________

1- أنور نعمان، "النشرة البيئية اليمنية: ضرورة التأهب لتغيّرات المناخ في المهرة"، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 6 آذار/ مارس 2021:
https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/13322
2- استراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث، ومنصة PreventionWeb: "تقرير حالة: الحد من مخاطر الكوارث الناجمة عن إعصار "تشابالا"، 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015:
https://www.preventionweb.net/files/46530_pwsitrep20154cyclonechapala.pdf
3- مساعد عقلان، "الظروف المناخية المتطرفة في اليمن ودور أنظمة الإنذار المبكر: المهرة كدراسة حالة"، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، آب/ اغسطس 2023، ص11.
4-مركز المدنيين في الصراع (سيفيك): "المخاطرة بالمستقبل: تغير المناخ وتدمير البيئة والنزاع في اليمن"، أكتوبر/ تشرين الأول 2022:
https://civiliansinconflict.org/wp-content/uploads/2022/10/CIVIC-Report_Yemen-Climate-Change-and-Protection-of-Civilians_Arabic.pdf  

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...