معركة الحريات الشخصية

اتخذت السلطات القمعية والأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الدينية التسلطية هذه الحجّة كعصا سحرية تضرب بها كل من أخرج رأسه من زنزانة الحياة التي رسموها بإتقان، ليصرخ مطالباَ بمساحة أكبر في حرية الرأي والتعبير أو حرية المعتقد أو حرية المعرفة
سندس عبد الهادي - العراق

يزداد الحديث مؤخراً عن الحقوق والحريات، وعلى رأسها الحريات الشخصية ما بين مؤيد يرفع من نبرة المطالَبة بها يوماً بعد يوم، ومعارض يحتجّ على الخوض في هذا الشأن لأسباب دينية واجتماعية وسياسية.
فعند الحديث عن الحريات الشخصية يكاد يتكرر السيناريو ذاته بشكل شبه دائم، وهو المرتكز على حقيقة أننا كأمة نمرّ بما هو أشد وأنكى، وليس هذا هو الوقت المناسب للمطالبات الفارغة حسب توصيفهم. فنحن أمة غارقة في التعاسة والفقر والإرهاب والتخلّف، نعاني من التدني في الرعاية الصحية والتعليم ونتخذ من ذيل القائمة لنا مقراً ومستقراً عندما يتعلق الأمر بالتطور والبحث العلمي والإنجاز ومؤشرات التنمية، فكيف لموضوع كالحريات الشخصية له أن يأخذ حيزاً من وقتنا وجهدنا المهدَر أصلاً.
اتخذت السلطات القمعية والأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الدينية التسلطية هذه الحجّة كعصا سحرية تضرب بها كل من أخرج رأسه من زنزانة الحياة التي رسموها بإتقان، ليصرخ مطالباَ بمساحة أكبر في حرية الرأي والتعبير أو حرية المعتقد أو حرية المعرفة، فيمتد الأمر إلى غيرها من الحريات المدنية والسياسية وتمتد الخشية إلى نفوس الساسة ورجال الدين أكثر. وهنا تتجلى العلاقة التكاملية ما بينهما كطرفين يستفيدان بشكل كبير من التضييق على الحريات، تواطؤ في عملية تقنين وتقليل مستمرة في ما يضرهم من المساحات المكفولة للمواطنين، فتكون النتيجة إنتاج كماشة "سياسية / دينية" تغطّي قصور بعضها البعض وتسد ثغرات الحرية بالتناوب، بدءاً من التشريعات والقوانين وانتهاءاً بالقرارات والفتاوى والأحكام التعسفية في قضايا معيّنة يتمّ اختيارها بعناية لتؤخذ في حقّ بعض المتجرأين من المطالبين بهذه الحريات أو من المجاهرين بما يخالف السائد، وذلك بغرض زجر الآخرين.
وعادةً ما يتم الاستعانة بكماشة إضافية موازية وهي الكماشة الاجتماعية والتي غالباً ما تتمّ إدارتها دينياً وسياسياً أيضاً بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال وسائل متعددة، كدور العبادة ووسائل الإعلام والتجمعات الاجتماعية، وغيرها.. وكله بغرض تطويع هذه "الفئة المخالِفة" من خلال تأجيج المجتمع تجاهها عن طريق إخضاع أفرادها إلى معايير أخلاقية معينة يتم نصبها كنوع من محاكم التفتيش الذاتية التي يمتلك فيها كل فرد في المجتمع الحق المطلق في إطلاق حكمه تجاه المخالفين للمألوف، بغرض إحراجهم والضغط عليهم وعلى ذويهم لحصر تأثيرهم ومنعهم من الاستمرار بالمجاهرة بأفكارهم ورؤاهم وقناعاتهم المختلفة.
وحيث أنه لا توجد معركة في الحياة "ليس وقتها الآن"، فإن السعي وراء هذه الحريات هو حق. فالحياة التي نحن على قيدها وفي ظلّ فهمنا لمعناها تظل واحدة، والحقيقة التي تكاد تكون الوحيدة والمطلقة وغير القابلة للشك هي حقيقة وجودنا في هذه الحياة، وأن ما نملكه يقيناً في نفوسنا هو قيمتها كأمر ملموس لا غبار عليه، ولا شكّ يحوم حوله. ولأجل كل هذا فإن مسيرة المطالبات هي السبيل الأوحد لنيل هذه الحريات والمجاهرة بالأفكار على تنوعها، وهو الطريق الأمثل الذي يكفل حمايتها من الاندثار. وعلى الرغم من كل المخاطر والمعوقات، إلا أن النور لا ينفد إلا بفتح ثقوب في الجدار الممتدّ على طول امتداد الحياة أياً كان سمكه أو ارتفاعه.

مقالات من العالم العربي

لهيب غزّة الذي يلسع العالم..

2025-05-29

هنا يتوقف الكلام. كلّ إضافةٍ تبدو فائضة، وربما وقحة.. لا شيءَ يُضاف إلى الأهوال التي تقولها صورة الطفلة ورد وهي تعبر خلال ألسنة اللهب – تلكَ الكافية لإحراق عيون الكوكب.

الرحلة السلافية إلى الديار النابلسية: في الطريق إلى الناصرة

فُرِضتْ الانجليزية والفرنسية على أهل بلدان المشرق بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب الكونية (1914-1918)، وقد اتخذ الاحتلال الإنكليزي–الفرنسي للبلاد طابع "الانتداب"، وكان ممهِّداً لاحتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية....

التغيُّر الديموغرافي القسري في فلسطين من النظرية الى التطبيق

الهندسة الاستعماريّة بتجليّاتها المختلفة، الشوارع، والحدود، والبنية التحتية، والطرق الالتفافية... هدفها إزالة الفلسطيني بشكل تدريجي. فبينما تتوسع البؤر الاستيطانية (enclaves) لتصبح مدناً تحيط بالمناطق الفلسطينية المجاورة (exclaves) وتحاصرها، يُصبح الشعب...

للكاتب نفسه

أن تخرج في نزهة ولا تعود

أن تكون يمنياً، عالقاً، موجوعاً، أن تكون والداً مسؤولاً تائهاً. أن تكون تلك الأم التي في لحظة لم تعد تملك سوى الحب لتدافع به عما تبقى لها من خيارات الحياة...