هاجرت نساء من قراهن ومدنهن إلى مدينة سياحية لامتهان مهنة عاملات الجنس التي تعد أفضل نشاط اقتصادي يُمارس هناك. أرغمن على الرحيل بحثاً عن لقمة العيش. استأجرن شققاً في الشارع المؤدي إلى المنتجع السياحي العالمي الذي يحج إليه طالبو المتعة الجنسية من مختلف بقاع العالم. يخرجن بعد غروب الشمس من منازلهن ويقفلن راجعات بعد طلوع الشمس ظافرات بأموال وهدايا وعطايا.
شريفة معيلة أسرتها البائسة
حظيت شريفة برضى والديها اللذين بلغا من الكبر عتياً، تبعث لهما مبلغاً معتبراً نهاية كل أسبوع، وتجزل لهما العطاء عندما تحصل على إكرامية. تعمل في أرقى أندية المدينة. تبعث لأسرتها خمسين ألف دولار نهاية كل شهر، وتستأجر شقة واسعة بأجر موظف متوسط الدخل. سحرت أحد كبار شيوخ الخليج، اعترف بإعجابه الشديد بها وأضحى متيماً مولعاً بها. اقتنى لها شقة فاخرة فاستقدمت للعيش فيها والدتها المصابة بارتفاع الضغط الدموي ووالدها المصاب بداء السكري، وابتاع لها سيارة فخمة ولوحتين إلكترونيتين وأربعة هواتف محمولة عالية الجودة وباهظة الثمن. تزور باستمرار أخاها السجين بائع القنّب الهندي الشهير، محملة بقفة كبيرة تحوي ما لذّ وطاب من طعام وفواكه. تزور "المول" العملاق يومياً لاقتناء آخر صيحات الموضة، استعداداً للسهرة، وتدفع ثلاثمئة دولار بقشيش. لكنها بالأصل امتهنت البغاء بسبب العوز.. وكان حظّها جيداً وهو ليس حال كل رفيقاتها.
المهنة: قوّاد
فرّت ليلى من بيت عائلتها بعد اكتشاف قصة حبها وولعها الشديد بالمعلّم الذي عيّن في القرية مطلع الموسم الدراسي الجديد. استقلّت الحافلة فجراً كي لا يكتشف أمرها، بلغت المحطة الطرقية بعاصمة الدعارة بالبلد، خرجت منها قاصدة مقاهي ومطاعم بحثا عن عمل. خاب سعيها وفشلت في تحقيق مبتغاها، استقلت سيارة أجرة صغيرة، طلبت من السائق ذي اللحية الطويلة الكثة أن يقلها إلى المنتجع السياحي الذي نصحتها نادلة خبيرة بالتوجه إليه علها تجد عملاً هناك. في الطريق، حكت قصتها لصاحب اللحية الذي يوهم الناس بأنه وليّ صالح ورباني زاهد، سألته:
- هل تعرف فندقا أو مطعماً في حاجة إلى خادمة يا سيدي الشيخ؟
ردّ بالإيجاب.
- أعرف ملهى في حاجة إلى فتاة، إن قبلت بشروط مديره، فستصبحين غنية ذات شأن عظيم، وسيتحسّن مستواك الاقتصادي والاجتماعي وستملكين شقة واسعة وسيارة فاخرة ورصيداً بنكياً معتبراً.
انبهرت المسكينة وقالت أقبل بشروط المدير ولو لم أسمعها يا سيدي، فخذني إليه حالاً. استغلّ القواد المحترف المتستر بحرفة سائق تاكسي صغير الموقف، وقرر أن يقودها إلى عالم الدعارة الفخمة، وتلقى رضا مدير الملهى بفضل الصفقة، وجعله سائقاً خاصاً لها بعد أن قبلت شروط ربّ عملها الجديد، وأمره أن يحجز لها شقة في العمارة التي يسكن فيها من يشتغلن لحسابه. تلقت دروساً في الرقص وشاهدت مئات الأشرطة البورنوغرافية لتثقيفها جنسياً، وخضعت لدورات "تدريبية" في هذا "العلم". ونظمت لها زيارات لأفخم المراكز التجارية لتمكينها من ثقافة اختيار الملابس الداخلية والخارجية المثيرة.
التقطت لها فيديوهات و صور من مختلف الزوايا بغية إعداد كاتالوغ عنها ليقدَّم إلى الزبائن الأسخياء فهم من يختارون أية حسناء يرغبون. يقطع صاحب الملهى من أجرتها ثمن إيجار الشقة والتغذية والنقل والملابس والتجميل. ربّ عملها فوق القانون، لا يمكن لأي قاضٍ أن يحاكمه، له قانون خاص به، يحظى بمعاملة خاصة من قبل الشرطة والمسؤولين المحليين والمركزين، يمكنه رشوة أي موظف مهما علا شأنه ومنصبه.
خادمة صغيرة من المغرب العميق
دفع الفقر والحاجة بأسرة الصغيرة نعمة إلى بعثها إلى مدينة الدار البيضاء للعمل عند أسرة إحدى البرلمانيات المناضلات اليساريات المشهود لهنّ بالدفاع عن حقوق المرأة والطفولة وعدم تشغيل القاصرات، مقابل أجر شهري يصل إلى خمسمئة دولار.
تستيقظ نعمة فجر كل يوم لإعداد الفطور لعائلة البرلمانية، تغسل الأواني والملابس، وتطهر المراحيض، و تعدّ وجبة الغذاء. كانت نعمة آية في الجمال، وقع ابن المناضلة في حبها، طارحها الغرام، وعدها بالزواج، الذي يعدّ بمثابة رخصة وإذن بممارسة الجنس بالنسبة للفقيرات، عكس بنات الأغنياء. صدقته، بدت على البائسة علامات الحمل، صاحت البرلمانية: يا إلهي الخادمة حاملة، تُرى من فعلها؟ ردّت الخادمة: ابنك يا سيدتي. نفت البرلمانية ذلك، أمرتها بلمّ ملابسها، وطردتها من البيت بعد أن أعطتها مالاً درءاً لفضيحة ابنها المدلل. لجأت المسكينة إلى بيت زوجة غنية عقيم، استقبلتها في قصرها بعد أن علمت بقصتها، ووعدتها برعايتها إلى أن تضع حملها والتكفل بابنها وتربيته أحسن تربية، وتشغيلها عند زوجة وزير. وضعت ، أرضعت، فطمت، وتركت الصبي للمرأة الطيبة وانتقلت إلى بيت الوزير.. فتحرش بها، ضاجعها مراراً وتكراراً، اكتُشف أمرهما فطردتها الزوجة، لجأت إلى عاصمة الدعارة. أضيفت نعمة إلى جيش الأمهات العازبات العرمرم، في بلدٍ النفاق هو السائد فيه: يتحدّثون عن الأمهات العازبات، ويُحرِّمون الحديث عن الآباء العازبين، فلا يُطرح سؤال: من هم أباء هؤلاء الأطفال؟
أرقام عن الأمهات العازبات
أشارت دراسة عن الأمهات العازبات بالمغرب إلى أنه يولد في كل يوم 153 طفلاً خارج مؤسسة الزواج. وكشفت أن المؤشرات المتعلقة بتخلي الأمهات عن أطفالهن تشير إلى أن 8760 طفلاً قد تمّ التخلي عنهم سنة 2009، أي بمعدل 24 طفلاً في كل يوم، وأن 38 في المئة من هؤلاء تمَّ التخلي عنهم بطريقة غير قانونية، أي حوالي3329 طفل، بينما يعيش 82.5 في المئة من الأطفال مع أمهاتهم. وحسب الدراسة نفسها التي أنجزتها نادية الشرقاوي، وهي أخصائية في علم النفس، لفائدة جمعية "إنصاف" المهتمة بمساندة المرأة والطفل في وضعية صعبة، فإن هناك 27.199 أماً عازبة بالمغرب، وضعن 45.424 طفلاً في 2009، 21 بالمئة منهن لديهن ما بين 3 و6 أطفال وتتكلف الجمعية بطفل من أصل ثلاثة أطفال.
وأشارت إلى أن الفصل 490 من القانون الجنائي، يعاقب الأم العازبة بدعوى أن مولودها تمَ خارج مؤسسة الزواج، وبالتالي يحرمها من حقوقها، بدءاً من عدم ملاحقة "الأب البيولوجي" الذي يرفض الاعتراف بالابن مما يحرمه من النسب، في ظل انعدام وجود قانون يرغم الرجل الذي تعينه المرأة كأب لطفلها على إنجاز فحص الحمض النووي لإثبات الأبوة.
وسجّلت الدراسة ارتفاع ظاهرة الأمهات العازبات في المغرب سنة بعد أخرى، حيث ارتفعت من 25.980 سنة 2007 إلى 26.589 سنة 2008، لتصل إلى 27.199 سنة 2009 .
وأرجعت الشرقاوي الأمر إلى ما أسمته بـ"القيود التي يفرضها المجتمع على الرجل والمرأة، المتمثلة في رفضه إقامة علاقات جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج"، وعرجت على ذِكر "المعاناة التي تعيشها المرأة العازبة جراء نظرة المجتمع إليها المتسمة بعدم التسامح، مما يدفعها إلى الاستمرار في الانحراف والتخلي عن أطفالها في الشارع". وأبرزت الباحثة أن 210.343 امرأة، على الأقل، وضعن 340.903 طفلا خلال الفترة الممتدة بين 2003 و2009، و أن فئة العمر 15- 20 عاماً هي التي تحتل الصدارة (32 في المئة من المجموع).
ولكن، وتخلصاً من الجنين، تخضع النساء الحوامل خارج الزواج لعملية إجهاض سري، وقد بلغ العدد الإجمالي مليون جنين مجهض حسب تقرير لجمعية" إنصاف" حول الأمهات العازبات. وذكرت رئيسة "جمعية التضامن النسوي"، في لقاء إذاعي أنه "عثر على أغلب ال23 ألف طفل المجهض في مدينة الدار البيضاء وحدها، أمواتاً بين النفايات، أو مختنقين داخل أكياس بلاستيكية".
تخلص الباحثة فاطمة الزهراء ازرويل إلى أن "الزجر القانوني وحده لن يحد من الظاهرة التي تهدد فتيات لم يكدن يغادرن عالم الطفولة، كما أن الموعظة الأخلاقية لن تحد منها. ما يحد منها فعلاً هو التفكير الجدي الذي يعبر عن نفسه في إجراءات عملية وملموسة، لتخليص الفئات الغالبة من النساء من الأوضاع المزرية التي يعانين منها بفعل انتمائهن إلى الطبقات الفقيرة، وحرمانهن من كل المكتسبات التي تمكنهن من كسب الرزق بالطرق المشروعة التي لا تحط من شأنهن".
المغربيات المرغمات على امتهان الجنس كعمل، ينتظرن من السلطات حماية اجتماعية واقتصادية وقانونية لصيانة كرامتهن، ولا حاجة لهن بالموعظة وتصديع رؤوسهن بإستشهادات من كتب التراث العتيقة التي تحث على الصبر والتجلد والرضا بالقضاء والقدر.