نقابات جزائرية: لا لإلغاء التقاعد النسبي

تعيش هذه الأيام العشرات من النقابات المستقلّة في الجزائر حالة من الغضب والغليان بسبب شروع الحكومة في تطبيق قرار إلغاء التقاعد النسبي (التقاعد المبكر قبل بلوغ السنّ) الذي كان معمولاً به منذ استقلال البلد ولغاية عام 2015.
2016-11-28

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
جوني سمعان - سوريا

تعيش هذه الأيام العشرات من النقابات المستقلّة في الجزائر حالة من الغضب والغليان بسبب شروع الحكومة في تطبيق قرار إلغاء التقاعد النسبي (التقاعد المبكر قبل بلوغ السنّ) الذي كان معمولاً به منذ استقلال البلد ولغاية عام 2015. ويستفيد العمال والموظفون، سواء في قطاع التوظيف العمومي أو الخاص من تقاعد مسبَق بموجب قانون التقاعد الذي سيعدّل في ما يبدو مستقبلاً ليتكيف مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة للبلاد (وقد منح البنك الأفريقي قرضاً للجزائر بقيمة مليار دولار) وبالتبعية الظروف التقشفية التي يمر بها الصندوق الوطني للتقاعد المعني بتسديد معاشات العمال المتقاعدين.

حالة الصندوق الوطني للتقاعد

ويواجه هذا الصندوق حالياً انخفاضاً متواصلاً في مداخيله المالية، ولا يبدو قادراً على تحمّل التكاليف الناجمة عن تسديد أجور المتقاعدين، خاصة بعد الزيادات التي كانت الحكومة الجزائرية أقرّتها قبل انخفاض سعر البترول وتخص أجور الكثير من موظفي الدولة في مختلف القطاعات. وقد وجد الجهاز الحكومي بعد الصدمة النفطية الأخيرة نفسه مجبراً على التراجع عن جملة من الإجراءات الاجتماعية، ومنها زيادات في أجور بعض المستخدمين، والمواصلة في إنجاز المشاريع التنموية بالولايات بالوتيرة التي كانت قائمة خلال سنوات 'البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر. وقد ألمح الوزير الأول للحكومة مطلع عام 2015 في "اجتماع الثلاثية" (بين الحكومة، وأرباب الأعمال والمؤسسات، والاتحاد العام للعمال الجزائريين) إلى إمكانية إلغاء التقاعد النسبي وقال إن الظرف الحالي يتطلب تضامناً مع الدولة من قبل عمال وموظفي كل القطاعات.
وبعد الزيادات التي أقرتها الحكومة هذا العام في أسعار البنزين وبعض الموادّ الاستهلاكية، حمّلت نقابات مستقلة تابعة لقطاعات التربية الوطنية والأسلاك المشتركة والصحة والبلديات، الحكومة مسؤولية استهداف القدرة الشرائية للمواطنين الذين تضرروا ماديا واجتماعيا بفعل إلغاء التقاعد النسبي الذي تقول بعض النقابات التي خرجت عن مظلة النقابة التاريخية للعمال الجزائريين (الاتحاد العام للعمال الجزائريين) إنه مكسب اجتماعي هامّ لا يمكن التنازل عنه مهما كانت مبررات الحكومة.

الإضراب

عشرات من النقابات المستقلة تهدد الحكومة بشنّ إضرابات واسعة لدفعها لإعادة النظر في القرار. وقد شرعت بالفعل تكتلات نقابية في تنظيم احتجاجات كتلك التي نظّمها الموظفون في السلك شبه الطبّي والأساتذة في قطاع التربية. وقابلت إحدى الوزارات إضرابات العمال والموظفين بالحسم من رواتبهم الشهرية، وهو الإجراء الذي ستنفذه وزيرة التربية الوطنية التي توعّدت المضربين في قطاعها بالمزيد من الإجراءات العقابية، وقالت بخصوص عدم إدراج منحة المردودية في حساب التقاعد، إنها مجرد إشاعة. واتهم وزير في الحكومة قطاعاً من النقابات بمحاولة تسييس قضية إلغاء التقاعد النسبي، خاصة أن الجزائر تنظم قريباً انتخابات تشريعية ومحلية..
من جهة أُخرى، سارعت الحكومة مؤخراً وهي ترى حالة الاستياء الذي تبديه النقابات العمالية المستقلة بالجزائر إلى تهدئة الأوضاع. وقال الوزير الأوّل "نحن حكومة حوار ونرحّب بالحوار بين الحكومة والنقابات''. ويبدو أنّ الحكومة أعطت إشارة بالتمهّل للجنة الوطنية الموسّعة المكلّفة تحديد قائمة المهن الشاقة التي يمكن لأصحابها أن يستفيدوا من التقاعد المسبق، وهو ما اعتُبر بمثابة ورقة تحتفظ بها الحكومة لربح وقت ثمين قبل انعقاد الثلاثية القادمة التي ستكون ساخنة نظراً للملفات التي سيتمّ التطرق إليها على طاولة النقاش بين الحكومة والنقابات العمالية.

معركة تحديد المهن الشاقة

وتقود النقابات المستقلة حالياً معركة أخرى للضغط على الحكومة ومطالبتها بتوسيع قائمة المهن الشاقّة خاصة في قطاع الوظيفة العمومية لأن عدم إدراج بعض المهن والوظائف في قائمة المهن الشاقة سيحرم الآلاف من الموظفين في الدولة من حق التقاعد المسبق، وتطالب النقابات المستقلة التي استنفرت منذ شهر قواعدها المحلية لمواصلة الاحتجاجات بإدراج وظائف التعليم وبعض المهن المتصلة بالتسيير الإداري في قطاعات الصحة والتربية والتعليم والجماعات المحلية.
النقابات تقول إن قانون المالية لعام 2017 يؤزّم الأوضاع الاجتماعية أكثر بعد ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية والكهرباء .
وخرج عدد من سكان الجنوب الجزائري في تظاهرة مؤخراً رافعين فواتير الكهرباء المرتفعة مطالبين بإلغائها والتحقيق في أرقامها، وهو ما قابلته وزارة الداخلية والجماعات المحلية بالقبول وتمّ تنصيب لجنة تحقيق ومتابعة في أسعار الكهرباء، كمحاولة لامتصاص حالة الغضب والطمأنة إلى أن الطابع الاجتماعي لنفقات الدولة لن يتوقف وإن قلّ مقارنة بالسنوات الماضية.

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه