العنقاء الجريحة

«... لم نعد نسأل ماذا يفعل الناس من حولنا، وما عادت هذه التفاصيل تشغلنا، فالكل يخدم الثورة هنا بشكل أو بآخر. ما لم أعرفه إلا متأخرة، هو أن الخدمة تختلف. منّا من يخدمها وهو في برجه العاجي، يحتسي كوب النسكافيه، ويتفضل بدقائق من وقته، يجمّلها باستمرار، ويضع كل دقيقة في إطار، لتزداد في عيون الناس وضوحاً... ومنّا من يخدمها وهو يكاد يقضي الليل على الرصيف، إن لم يجد من يؤويه بعد عناء نهار
2013-02-27

شارك

«... لم نعد نسأل ماذا يفعل الناس من حولنا، وما عادت هذه التفاصيل تشغلنا، فالكل يخدم الثورة هنا بشكل أو بآخر. ما لم أعرفه إلا متأخرة، هو أن الخدمة تختلف. منّا من يخدمها وهو في برجه العاجي، يحتسي كوب النسكافيه، ويتفضل بدقائق من وقته، يجمّلها باستمرار، ويضع كل دقيقة في إطار، لتزداد في عيون الناس وضوحاً... ومنّا من يخدمها وهو يكاد يقضي الليل على الرصيف، إن لم يجد من يؤويه بعد عناء نهار كامل وجهد صامت، لا يعرفه إلا الشخص المعني وشوارع المدينة وغرف مشفاها اليتيم ومراكز الإيواء فيها...
من بين الفتيات هنا في سوريا، فريق منسيّ كبر قبل أوانه، حمل هموم الدنيا فوق كاهله.
قلوبهنّ الرقيقة أثخنتها الجراح. شبعن من الإصغاء إلى قصص المآسي. كما انهن أرهقن من إيجاد الحلول ومن التجوال في الشوارع بحثاً عن مخرج، ومفاصلة الباعة للحصول على سعر أرخص لغطاء أو دواء لشخص يكاد يفارق الحياة. القهر هو السائد في حياة هؤلاء الفتيات، وثورة من مستوى الخمس نجوم لا تليق بإنسانيتهن. فمن العار في مفاهيمهن أن يخلدن إلى الراحة فيما تقاسي العناء أسرة منسيّة. إنها الروح التي ستبقى تبث في المدينة الحياة، في حين يجرّح فيها آخرون، يفرّقون ويتفرقون، يغرقون في الشتات، وفي تفاصيل تضر ولا تنفع...»

من المدونة السورية «حديث النور»

http://nourtalk.net/