جاء القرار الرئاسي بتشكيل لجنة لفحص حالات الشباب المحبوسين على ذمة قضايا غير جنائية وممن لم ينخرطوا في أيّ عنف خلال السنوات الماضية، كأحد القرارات التي تضمّنتها توصيات "المؤتمر الوطني الأول للشباب" بمدينة شرم الشيخ في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو المؤتمر الذي جاء متزامناً مع ظروف اقتصادية واجتماعية طاحنة.
مهام اللجنة وتشكيلها ودلالاتها
فكرة تشكيل اللجنة لم تأتِ بالأساس كمبادرة من رئيس الجمهورية أو حتى من مؤسسة الرئاسة، ولكنها جاءت كردّ فعل على الطرح الذي قدّمه دكتور أسامة الغزالي حرب خلال مؤتمر الشباب، حيث طالب، بحضور الرئيس، بضرورة الإفراج عن الشباب المعتقلين الذين لم تصدر ضدّهم أحكام نهائية، فما كان من الرئيس إلا أن ردّ عليه بأنه يطالب بتشكيل لجنة للبتّ في هذا الأمر، وأكمل "مين عاوز ياخد ولاده ويحطّهم في احتجاز"، وأنها "رابع مرة" يطلب تشكيل لجنة لهذا الأمر، وأنه سيوقّع على ما تطرحه اللجنة من أسماء وفقاً للقانون والدستور.
مهام لجنة فحص أوضاع الشباب المحبوسين تقوم على تجميع الموقف العام وبيانات الشباب المحبوسين دون تهم جنائية أو أحكام نهائية وممن لم ينخرطوا في أحداث عنف أو إرهاب خلال السنوات الماضية، وذلك من أجل عرضها على رئاسة الجمهورية للبتّ فيها، على أن يكون ذلك بالتنسيق مع لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب. وقد تشكّلت اللجنة من الدكتور أسامة الغزالي حرب صاحب الفكرة، ونائبان من البرلمان، وأحد الأعضاء الذين كانوا ضمن لجنة الشباب بالحملة الرئاسية للرئيس السيسي، بالإضافة إلى الصحافية نشوى الحوفي.
ومن المفارقات أن "الحوفي" كانت من ضمن الرافضين لقرارات العفو عن النشطاء، ووصفتهم بالـ"خائنين" على حد تعبيرها، وذكرت في مقال لها أنه "لن ينصلح حال بلد يطبق القانون بمنطق العفو"، وكذلك فقد أثنت على قانون التظاهر واعتبرته هاماً للغاية، وبالتالي فإن مواقفها المسبقة المعلنة سواء كتابياً أو تلفزيونياً المعادية تماماً لفكرة العفو عن الشباب المحبوسين في قضايا رأي أو تظاهر تثير التساؤل حول حيادية تلك اللجنة وعمَّا يمكن أن تنجزه.
ليست اللجنة الأولى
في عام 2012، وأثناء حكم الإخوان، تمَّ تشكيل لجنة لبحث أوضاع المساجين منذ ثورة 2011، كانت تقوم بالتدقيق في أوضاع المسجونين الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية من أجل أن ينالوا عفواً رئاسياً، في حين أن اللجنة الجديدة تبحث أوضاع مَن لم يصدر بحقهم حكم نهائي. وقد واجهت لجنة الإخوان العديد من الاتّهامات باعتبار أن بعض المُفرَج عنهم كانوا متورطين بالفعل ومحاكمين في قضايا إرهاب، وهو ما ترتَّب عليه موافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية لعام 2014 بشأن إلغاء بعض القرارات التي كانت قد صدرت بالعفو أو تخفيف العقوبة خلال عامي 2012 و2013، وذلك بعد دراسة مستفيضة كشفت عن أن العفو كان لصالح بعض الأشخاص الذين ارتكبوا "جرائم تمسّ مصالح الوطن" ومنهم بعض أعضاء "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد".
عقد الرئيس السيسي بعد انتخابه وفي كانون الأول/ ديسمبر 2014 لقاء مع شباب الإعلاميين ووعدهم بالإفراج عن الشباب المعتقلين وطالبهم بتشكيل لجنة لإعداد قائمة بأسمائهم، وقاموا بالفعل بإعداد قائمة. وجاءت المرة التالية في كانون الثاني / يناير 2015 حيث صرّح السيسي بأنه يتم إعداد قائمة بعدد من المعتقلين الذين "لم يتورطوا في أحداث تضر بالبلاد" للإفراج عنهم، وذكر خلال الشهر التالي بأن هناك إمكانية لوجود شباب أبرياء محبوسين، سيتمّ الإفراج عنهم وفقاً لمبادرة شباب الإعلاميين.
وفي أيلول / سبتمبر 2015، أصدر الرئيس قراراً جمهورياً بالعفو عن مئة شاب صادرة بحقهم أحكام نهائية بالحبس في قضايا تتعلق بخرق قانون التظاهر أو التعدّي على قوات الشرطة، فضلًا عن بعض الحالات المرضية أو الإنسانية. وكان من أبرز المُفرَج عنهم سناء سيف ويارا سلام والصحافي محمد فهمي.
ضبابية الواقع وفاعلية اللجنة
ينعقد مؤتمر الشباب في ظلّ حالة عامة من السخط، وهو ما جعله يتّجه إلى تلك التوصيات وأبرزها إعداد اللجنة ومراجعة قانون التظاهر الذي أدّى لحبس العديد من الشباب إثر رفضهم له. تراجعت شعبية الرئيس وفق استطلاعات رأي مركز "بصيرة"، حيث كان 82 في المئة من المستطلَعين موافقون على أداء الرئيس في آب / أغسطس الماضي فأصبح 68 في المئة، بينما ثلث المصريين فقط يوافقون على أداء البرلمان وفق الاستطلاع نفسه.
وفي ظلّ إشارة التقارير الدولية والمحلية لوجود آلاف المعتقلين من الشباب ومئات المختفين قسرياً، فالتساؤل يتعلق بفاعلية تلك اللجنة وصلاحيتها إذ عليها أن تطرح عدداً كبيراً من الأسماء، خاصة أن التجارب السابقة على مدار أكثر من عامين لم تؤدّ إلا للعفو عن مئة شاب فقط. كما أن أعداد الشباب المُفرَج عنهم لو كان كبيراً فذلك قد يُدين النظام القائم أكثر مما ينصفه، خاصةً في ظل تأكيده مراراً وتكراراً على عدم ممارسته التعسّف في القبض على أحد أو اعتقاله وزعمه بأن كل ما يفعله إنما يتمّ وفق القانون!