عن "بُصي" وحكايات النوع الاجتماعي المسكوت عنها في مصر

ميس لبنى بتاعة الفرنساوي كانت عسل كده وقليلة في الجسم.. وبتتكلم عربي معووج، وبتتكلم فرنساوي حلو فشخ، وكانت مدرسة فرنساوي كويسة فشخ، زنقوها في العربية الـ 128 بتاعتها برا المدرسة
2016-11-17

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
من عروض مسرح "بُصي"
تأسس مشروع "بُصي" عام 2006 على يد مجموعة طالبات في الجامعة الأميركية بالقاهرة. كان عبارة عن نشاط طلابي داخل الجامعة لتجميع قصص فتيات عن تجاربهنّ في المجتمع المصري، وخاصة الأمور المسكوت عنها كالتحرّش على سبيل المثال. وتحكي مجموعة منهن وطالبات أخريات هذه القصص.
منذ تأسيس المشروع، قامت "بُصي" بعمل 40 ورشة حكي، بعضها كان خارج مصر، وعروض في القاهرة والإسكندرية والمنيا وأسيوط وبور سعيد، بينها أكثر من 20 عرضاً للنساء فقط، كما قامت بتجميع أكثر من 500 حكاية يجري عرضها دون رقابة.
 
***
 

"ميس لبنى بتاعة الفرنساوي كانت عسل كده وقليلة في الجسم.. وبتتكلم عربي معووج، وبتتكلم فرنساوي حلو فشخ، وكانت مدرسة فرنساوي كويسة فشخ، زنقوها في العربية الـ 128 بتاعتها برا المدرسة.. وقعدوا يبوسوا فيها ويقفشوا وبتاع وصوتت، وعقبال ما حد سمعها وجريو ناحية العربية، كانوا العيال نزلوا من العربية وسابوها ومشيو، وما حصلش برضه أي حاجة.. وميس لبنى دي بعدها اتحجبت وبقت قافشة فشخ على كل الناس وما بتهزرش مع حد وما بتتكلمش مع حد".

 
***
 
"بُصي" هو مشروع لخلق قناة لتوثيق الحكايات المسكوت عنها التي تخصّ النوع الاجتماعي من الجنسين، ربما يكون ذلك لمواجهتها أو للتوعية بشأنها. تقول "سندس شبايك" مديرة المشروع الآن ومخرجة العروض، "حين تتعرض فتاة صغيرة للتحرش على يد أحد الأقارب، فستخبرها أمها لو حكت لها أنّها بالتأكيد مخطئة". حكايات "بصي" مختلفة تعبّر عن واقع مرير، مثل تعذيب السيدات على أيدي أزواجهن، وقصص العنف الأسري بصفة عامة، والإجهاض، وزنى المحارم، والتحرش والاغتصاب، والتمييز، وجرائم الشرف، والزواج القهري، والختان، والأمومة، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والاعتداء الجنسي الجماعي.. وغيرها من الموضوعات التي يصنفها المجتمع كتابوهات ممنوع الكلام عنها.
 
***
 

"ما بحبكوش لما بتقولولي نعيما بعد ما أعمل وشي..عارفة إن كان عندي دقن زي الرجاله..وعارفة إنكم بتقولوها كهزار وفاهمين إن دي حاجة لطيفة علشان بضحك عليها لما تقولوها.. بس اللي مش عارفينه إنها بتوجع.. واللي مش عارفينه إن أنتو السبب إني أقرر ما أروحش لكوافيرات أبداً.. إنتو السبب في إني ما بدأتش أخد خطوة للعلاج غير بعد ما كملت 25 سنة.. إنتو لسه السبب في إني بفكر ألف مرة قبل ما أقولكم إني رايحة جلسة الليزر.. إنتو بتوجعوا".

 
***

قررت سندس شبايك في عام 2003 السفر من الإسكندرية، محل ميلادها، للإقامة في القاهرة لدخول كلية الإعلام طامحة في أن تصبح صحافية. وبدأت العمل قبل التخرج في إعداد أحد البرامج الشبابية في قناة مصرية خاصة، وكانت تجربة سيئة جداً بالنسبة لها، لجهل المذيعين، ولوجود أشخاص في أماكن لا بكفاءتهم بل بسبب صلاتهم. قررت ترك القناة، وعملت في إحدى المجلات الشبابية المنتشرة في أوساط طلبة الجامعات لمدة خمس سنوات، وترقّت، حتى ذهبت إلى إحدى الجرائد الخاصة الكبيرة. واجهت مشكلات في تغيير عناوين الموضوعات واقتطاع أحاديث الأشخاص من سياقها، ما وضعها في مشكلات مع مصادرها. كان هذا نهاية عام 2010، وفي 25 كانون الثاني/ يناير 2011، حين اتصلت بها الجريدة لم تردّ، وانغمست شبايك في أحداث الشارع، مقررة أنّها لن تغطي الأحداث خبرياً.
علاقة شبايك مع "بُصي" بدأت في 2007، عرفت عن المشروع وكتبت عنه تقريراً صحافياً بعد عرض أوّل. وفي العام التالي قررت المشاركة في العرض السنوي، حين اتصلت بها مؤسسة المشروع وسألتها إن كان لديها قصص تحكيها، فبدأت شبايك في الكتابة والحكي في "بُصي" حتى عام 2009، حين بدأت في المساعدة أيضاً في إخراج عروض الحكي، ثم أدارت المشروع كلّه خاصة بعد سفر مؤسسته الأولى، وكان ذلك بالتوازي مع عملها كصحافية.

مخرجة عرض "بُصي" سندس شبايك

كانت التجربة جديدة بالنسبة لها، وحين شاهدت حكايات العرض الأول، علمت كيف أن تجاربها الشخصية مع التحرش مثلاً، مكررة مع فتيات أخريات، واسترجعت تجربة تحرش حدثت لها وهي طفلة على يد مدرّس، ولم تعي وقتها أنّه تحرش، ولم تستطع أن تحكي عن الأمر لأسرتها، وكتبت قصة التحرش تلك وشاركت بها لاحقاً. كان التحرش هو الموضوع الأبرز في حكايات الفتيات المشاركات. لاحقاً خرجت "بُصي" عن تجارب التحرّش لتعرض قصصاً أخرى لفتيات ولشباب. فعلى سبيل المثال كانت هناك قصصٌ عن حوادث اغتصاب رجال لرجال.
خلال إشراف الجامعة الأميركية على المشروع، كان الدعم المقدم منها له بسيطاً للغاية، وكان الاعتماد الأكبر على مساهمات المتطوعين المشاركين فيه. في 2010 كانت الجامعة في رأي شبايك قد بدأت في التضييق على المشروع، كنقله من مبنى الجامعة بوسط المدينة الى المقر الجديد في أطراف القاهرة، كما طلبوا من القيمين عليه تقديم نصوصهم للرقابة قبل العرض، فكان القرار الحاسم لشبايك، وهو الخروج بالمشروع من الجامعة.

 
***
 

"أنا بحب أتعامل بطبيعتي، ما بــعرفش أبقى مصطنع.. بحاول أتكلم بالطريقة اللي تريحني، وبحاول أقعد بالطريقة اللي تريحني. أنا من الناس اللي ساعات بتعبر عن كلامها بحركات بالإيد، ودايما بسمع التعليق ده: مفيش راجل بيتكلم بإيده.. وساعات كمان بسمع "مفيش راجل بيقعد القعدة دي".. الموضوع بقى بيتطور وبسمع كلام زي "استرجل"، و "خليك راجل"، و "أنت مش امرأة"، وبقت بتوصل بناس البجاحة إنهم يقولولي "أنت مْنسوَن" أو "دلوع" أو "خول"! الكلام ده ساعات بـيـتقالي من أقرب الناس ليا وبـيوجعني بس بحاول أعمل مش فارق معايا".

 
***
 
كان عرض "بُصي" الأول خارج الجامعة في الأوبرا، بعد رفض عدة جهات "مستقلة" العرض بسبب النص والمحتوى الذي تضمن قصة لزنى المحارم عن فتاة حملت من عمها نتيجة اغتصابه لها، ولقصة عن شاب وفتاة يبحثان عن مكان يقبلان أحدهما الآخر فيه بالشارع، وقصة فتاة خلعت الحجاب وكيف واجهت المجتمع وكيف واجهها. في اليوم الثاني للعرض، حضر ضباط من شرطة السياحة والآداب وأمن الدولة وموظف من المصنفات لمقابلة شبايك، بسبب عدة شكاوى، وقيل لها إنّهم سيحضرون العرض ليتحققوا من الشكاوى التي وردتهم، فقررت شبايك أن تجعل العرض صامتاً. حرك الحاكون شفاههم دون أي حديث، وبعد انتهاء العرض قالت للجمهور "انتو شفتوا نُص العرض بس، عشان النص التاني حذفته الرقابة".
 
من عروض مسرح "بُصي"

حين اندلعت الثورة في 2011، كانت شبايك بلا وظيفة، ولكنها حملت كاميرا صغيرة تجولت بها في الميدان، وسجلت شهادات كثيرة للمتظاهرين. وبعد تنحّي مبارك شعرت بأنّ هناك ضرورة لعرض هذه الحكايات، فكان "حكاوي التحرير"، الذي اختلف عن العروض السابقة في فكرة العرض وطريقة تجميع قصصه، حيث كان في السابق يعتمد أكثر على ما تستقبله الجمعية من قصص سواء من داخل الجامعة أو خارجها. تطوع مشاركون من الجنسين، ولقي العرض انتشاراً واسعاً، وقُدمت عروض في مدن كثيرة داخل مصر وخارجها، وقام أشخاص بتصويره وعرضه في دول عديدة. كان حظ هذا العرض جيداً، لأنه كان مرحباً به من كل الجهات، حكومية ومستقلة. تعتقد سندس أن ذلك كان ربما لتزامنه مع مرحلة "يوفوريا" الثورة (حماس). كان العرض الأول في أيار/ مايو 2011، واستمرت العروض حتى بداية 2012 بإضافة بعض القصص من أحداث لاحقة، كأحداث محمد محمود في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، ومذبحة بورسعيد في شباط/ فبراير 2012. ولكن مع الأحداث الدموية المتتالية، أصيبت شبايك باكتئاب، فقررت وقف العرض.
استمرت سندس ومتطوعو المشروع في مواجهة أزمة مالية، بسبب انخفاض قيمة التذاكر، وعدم وجود أي تمويل. وبالاعتماد على تبرعات ومساهمات المتطوعين، انتهى الأمر في 2011 بها وبمشروعها إلى مراكمة الديون.. وفي 2012، ومع استمرار اكتئابها، قررت العودة لمشروع "بُصي" الأصلي بتوثيق قصص النوع الاجتماعي. وعلى المستوى الشخصي بدأت شبايك باللجوء لبعض الأعمال الحرّة كالترجمة والإعداد وتنسيق المشاريع لتأمين بعض الدخل.. وفي تلك الأثناء، حاولت التقديم لأكثر من منحة، حتى بدأت بالحصول على بعض المنح البسيطة لاستمرار المشروع. نظمت "بُصي" في 2012 عرضاً عن العنف الجنسي ضد متظاهرات ميدان التحرير، وتوسع المشروع لأكثر من عرض في السنة، وعروض حكي مصغرة عن التحرش في عربات السيدات في المترو. ولاحقتهن بعض السيدات، مثلما تأثرت سيدات أخرى، ونُظمت عروض أخرى عن علاقة الفتيات والشباب بأجسادهم.

 
***
 

"جوزي ضربني بس أنا بحبه أنا قرفانة أوي.. ملانة والنعمة ملانة… أنا جوزي زعلان مني أوي! ضربني امبارح بس انا اللي غلطانة.. صالحته عشان بحبه.. والنعمة بحبه.. اقسم بالله بحبه.. اه والله ضربني حتة قلم، ده سفخني حتة قلم.. بس انا بحبه وبحب العيال.. انا نفسي اخس.. انا هصوم النهارده مش هفطر.. بلا نيلة، هي الدنيا فيها حاجة عدلة".

 
***
 
تغيرت طريقة تجميع الشهادات لتصبح القصص المعروضة هي نتاج ورش للحكي مع أصحاب التجارب أنفسهم. وعلى الرغم من الصعوبات المالية، والإحباطات العامة، شعرت شبايك بأن "بُصي" هو ما يربطها بمصر، وهو المشروع الذي تريد فعله والاستمرار به. وكانت المرة التي فكرت فيها في الرحيل عن البلاد حين اقتربت من وقف المشروع بسبب غياب التمويل، خاصة مع التهديدات بمنع العروض. وعلى الرغم من كل تلك المشكلات، تشعر سندس بأن الأمر مجزٍ، حين تجد شاباً أو فتاة قد تجاوزا كل مخاوفهما لرواية تجربة صعبة مرّا بها، ثم قررا أن يحكيا القصة لأسرتيهما، أو أكثر من ذلك، قررا أن يحكيا القصة على المسرح.

فعلى الرغم من كآبة القصص التي تتعامل معها شبايك طوال الوقت، وصدمتها من انتشارها وتكرارها، حيث اكتشفت على سبيل المثال أنّ كلّ من قابلتهن من زوجات تعرّضن للاعتداء على أيدي أزواجهن، في النهاية البوح بهذه التجارب يعبر عن انتصار لصاحباتها، عن قوّة، وعن تجاوز للألم، خاصة وهن يعلمن أنّ قصصهن ستعرض على جمهور واسع. عدد من يرغب في حكي قصصه يزيد، وعدد من تتغير حياتهم مع تجربة "بُصي" يزيد، فهناك تفاعل واسع من الجمهور مع العروض. البعض قد يشارك بقصصه المشابهة بعد العروض، والبعض قد يبكي تأثراً بتجارب مماثلة.
هذا العام كان أسعد حظاً نسبياً على "بُصي"، حيث تمكن الأعضاء من استئجار مقرّ صغير للإدارة والتدريب، كما بدأوا هذا العام في تنظيم ورش حكي وعروض في محافظات مثل طنطا، وبورسعيد، وأسيوط، والإسكندرية، وقريبا أسوان، كما قرروا تنظيم ورش لمجموعة سيدات من منطقة بولاق الدكرور الفقيرة، ويهدفون لتكرار التجربة في أكثر من منطقة شعبية، للوصول للأشخاص الذين لا يملكون الإنترنت، ولن يستطيعوا إرسال قصصهم عبر الإيميل. ولكنّهم لا يزالون يواجهون مشكلات في إيجاد أماكن للعرض، ولا توجد خطة مالية تزيد عن ثلاثة أشهر.
تتمنى شبايك لـ "بُصي" أن يكون موجوداً في كل أنحاء مصر، أن يخلَق "بُصي" بذرة في كل محافظة، يتولاها آخرون ويديرونها، لذلك تقوم بتدريب الراغبين الآن، وتسعى لأن يكون هناك موقع الكتروني به كل شهادات "بُصي" على مر السنين. لكنّها في النهاية خائفة من التوسع. تقول: "خايفة من البيروقراطية، خايفة من الناس، خايفة أمنياً لو الموضوع اتسمع أكتر، لأني ما قدرش أحطّ الناس في خطر، وكل عرض ببقى قلقانة يحصل مشكلة، وبحس بالتضييق.. لأني لما هاشتغل على مساحة صغيرة هيكون أكثر آمِن".

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!