دخلت ليبيا في مرحلة البحث عن معالم نظام دستوري جديد، تسعى فيه إلى إصدار قانون «اجتثاث» يمنع المقربين من النظام السابق من تولي مناصب عامة. ويدرس «المؤتمر الوطني العام» في ليبيا (بمثابة البرلمان) منذ فترة، احتمال إصدار مثل هكذا قانون تحت اسم «قانون العزل السياسي». فما مدى دستورية قانون مماثل، وإلى اي درجة يتوافق مع مبادئ القانونَين الليبي والدولي؟
يستهلّ الخبير القانوني الليبي، عادل عبد الحفيظ كندير، دراسته عن هذا الموضوع بالتحذير من عقبة رئيسية تواجه مشروع القانون المذكور في حال تم إقراره: فقد قضت أحكام الإعلان الدستوري الليبي الموقت لعام 2011 (الذي وُضع بعد سقوط القذافي)، بتمتع الليبيين بحقوقهم السياسية على قدم المساواة «من دون أي استثناء». من هذا المنطلق، يشير كندير إلى النتيجة القانونية المترتبة على هذا البند. فالحديث عن العزل السياسي في المرحلة الموقتة هو «نوع من هدر الوقت والجهد»، كون «المؤتمر الوطني العام» سيطعن بعدم دستورية قانون العزل السياسي حال صدوره أمام المحكمة العليا. وبحسب صاحب هذه الدراسة، ستجد المحكمة نفسها ملزمة بقبول الطعن في الشكل والموضوع بسبب مخالفة أحكامه للمبادئ المنصوص عليها في الإعلان الدستوري. وهذه عقدة قانونية لا يرى كندير حلاً لها إلا في الإسراع بوضع دستور جديد للبلاد، وهو يحتاج لإجراءات تبقى محصورة بيد «المؤتمر الوطني العام» وحده، الذي يجدر به العمل على إجراء انتخابات الهيئة التأسيسية لوضع دستور «ينص صراحةًً على العزل السياسي كاستثناء يقع على حق ممارسة الحقوق السياسية». ويستند كندير في اقتراحه على السابقة الدستورية التي عرفتها مصر حول الموضوع نفسه، المتجسدة بالمادة 242 من الدستور الجديد التي تمنع قيادات «الحـزب الوطني» المنحلّ من ممارسة العمل السياسي، والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور.
وعلى أهمية الإجراءات القانونية المطلوبة لتمرير مشروع قانون العزل السياسي، تبقى مسألة معايير وضوابط «العزل» أهم من الإجراءات الشكلية. لذلك يخصّص كندير جزءاً من مطالعته للتحذير من الوقوع في خطأ شمول جزء كبير من الشعب الليبي، ممن ارتبطوا بالنظام القديم بروابط وظيفية من دون أي رابط أيديولوجي. ومبرّر كندير هو أن «ليس كل من ارتبط بالنظام السابق برابط وظيفي أسهم أو أعان على الفساد في تلك الفترة». وفي السياق، يذكّر الاستاذ الجامعي بأن النظام السابق أوكل بعض المهمات «لعدد من المخلصين للوطن» بسبب حاجته لمثل هؤلاء، وكان دافع هؤلاء لقبول مثل هذه المهمات الرغبة في إصلاح ما يمكن إصلاحه، وعدم ترك المجال مفتوحاً لزبائنية النظام الفاسد. تذكير يختمه كاتب الدراسة بتحذير من أن يتم شمول هؤلاء في أي قانون «اجتثاثي» محتمل، بما أن الفئة الوحيدة التي يجدر عزلها وفق كاتبنا، هي مجموعة الأشخاص الذين ارتبطوا بنظام القذافي «ارتباطاً أيديولوجيا».
لكن هنا أيضاً، يتوقف كندير عند صعوبة تحديد المستهدفين بـ«قانون العزل»، من دون أن يسمح ذلك بتهرُّب مَن يجب إقصاؤهم بالفعل. أمام هذا الاستعصاء، يعترف الكاتب بعجزه عن تقديم إجابة قانونية شافية، ناصحاً بمراجعة تجارب بعض دول أوروبا الشرقية عقب انهيار المعسكر السوفياتي، حيث عملت هذه الدول على وضع قوائم بأسماء محددة يطالها العزل السياسي لفترة زمنية معينة، عوضاً عن إدراج قانون العزل السياسي في قواعد قانونية عامة ومجردة، أو من خلال وضع معايير وضوابط عامة التطبيق.
أما فيما يتعلق بمدى ملاءمة قانون محتمل للعزل السياسي مع القوانين الدولية، فيخلص كندير إلى أنه يوجد بالفعل في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ما يمكن الركون إليه لإقرار العزل السياسي بهدف تقييـد التمــتع بالحقوق السياسية «لفئة معينة ولفترة محددة»، نتيجة لوجود ظروف طارئة في الدولة الليبية تقتضي إقرار مثل هذا التقييد.
عن «المفكرة القانونية»
www.legal-agenda.com
25 شباط/ فبراير 2013