هذه محاولة لتأمّل "خراب مصر" على ضوء تدهور أحد مكوّنات الثروة المعدنية: المحاجر. فبينما كان النظام المصري يهدر ما يقارب 4 مليارات دولار لتوسعة القناة، نشرت الجريدة الرسمية في 14 كانون الثاني/ ديسمبر 2014 قرار السيسي بقانون الثروة المعدنية. ومنذ البداية، صرّح أكثر من مسؤول لوسائل الإعلام بأن هدف القانون تعظيم موارد الدولة من خلال زيادة رسوم الإيجارات والإتاوات للخامات التعدينية (الإتاوة هي ما يدفعه مؤجّر المنجم للهيئة أو مؤجر المحجر للمحافظة من الخامات، على ألا تقل نسبتها عن 5 في المئة من الإنتاج).
وزّع القانون سلطة إدارة المناجم والمحاجر والملاحات في الدولة، فالمناجم تشرف عليها هيئة الثروة المعدنية، بينما تقع المحاجر والملاحات تحت سلطة المحافظة، على الرغم من أن استخراج المعادن من المحجر يتم بالشروط التي تحددها الهيئة وبإشرافها. ثم ألزم القانون الهيئة والمحافظة معاً بالتنسيق مع وزارة الدفاع بشأن شروط ومتطلبات الأمن القومي، غير أننا سنكتشف لاحقاً أن تدخّل وزارة الدفاع شمل جوانب إنتاجية أخرى.
أما قيمة الإيجار السنوي والإتاوة السابقة على القانون، فهي مستمرة حتى موعد تجديدها، ثم تُطبق عليها الرسوم الجديدة، مع استثناء عجيب يضع تلك الإيجارات القديمة تحت طائلة القانون: "ويجوز للهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وللمحافظات دعوة المرخص لهم للتفاوض والاتفاق على تطبيق مقدار القيمة الإيجارية والإتاوة ورسوم تراخيص البحث والاستغلال".
ثم في أيّار/ مايو 2015 نشرت صحيفة "المصري اليوم" تقريراً مفصلًا عن الآثار المدمرة للقانون، رصدت فيه آراء مؤجّري المحاجر الذين اشتكوا من صدور القانون دون أي حوار مع المستثمرين والعاملين في مجال التعدين كلّه، مؤكّدين أنّ مجموع الإيجار والضريبة ورسوم الطريق والرخصة لبعض المحاجر قفزت من 45 ألف جنيه إلى 120 ألف شهرياً.
ولأنّ أكثر المحاجر في جنوب مصر، فقد ضجّت أسوان والمنيا بالشكاوى من القانون الجديد، حيث أُغلقت محاجرهم في أسوان، مرسلين استغاثاتهم إلى رئيس الوزراء لإيقاف العمل بالقانون حتى تعديله، خاصة أنّ المحافظة طالبتهم بنسبة 25 في المئة من مجمل إنتاجهم كإتاوة، مستغلةً أنّ القانون نصّ على ألا تقل عن 5 في المئة دون تحديد سقف لهذه النسبة! مع أن الحكومة والمحافظة لا تقدّمان أي خدمة من أي نوع للمعدّنين.
50 ألف عامل تشرّد بسبب توقف محاجر المنيا في الصعيد. و70 في المئة من محاجر الرخام في مصر أغلقت أبوابها
في كانون الأول/ ديسمبر 2015، وبعد ترقية وزير البترول والثروة المعدنية نفسه رئيساً للوزراء، صرح رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، بأنّ قانون الثروة المعدنية أطاح بصادرات مصر من الرخام بنحو 85 في المئة بسبب ارتفاع التكلفة الإنتاجية التي أعجزت المنتج عن المنافسة بالسوق العالمية. ومع انعقاد البرلمان، ناقش القانون، ورفض إقراره في 17 كانون الثاني/ يناير 2016، باعتراض 180 صوتاً وموافقة 164 صوتاً، لكن في الجلسة ذاتها وافق البرلمان على طلب الحكومة بإعادة المداولة على القانون ذاته بلا تعديل، ثم بعد ثلاثة أيام أقرّه البرلمان بأغلبية 387 عضواً.
يحكي لنا موقع "البرلماني" كواليس ما بعد رفض القانون: "يوم 17 خرج النائب سامح سيف اليزل، وأجرى المستشار مجدي العجاتي، وزير شؤون مجلس النواب، مكالمة هاتفية طويلة، ليعود سيف اليزل بعد دقائق، ويطلب العجاتي من المجلس إعادة التصويت على قانون الثروة المعدنية".
الأغرب من ذلك هو التفاؤل الدائم لرئيس هيئة الثروة المعدنية، وهو جيولوجي، فقد صرّح للمصري اليوم بأنه تم إقرار 10 مليارات جنيه في موازنة العام المالي الحالي من عوائد استغلال الثروات التعدينية، وفقاً لقانون الثروة المعدنية الجديد، ورفض البرلمان للقانون سيحرم الموازنة منها! وخلال كلمته في جلسة البرلمان يوم 20 كانون الثاني/ يناير ذاك، ممثلًا عن الحكومة، ذكر رئيس الهيئة أنّ إيرادات المحاجر كانت حوالي 127 مليون جنيه، ومع تطبيق القانون الجديد سيتم توريد ما يقرب من 9 مليار جنيه للخزانة العامة للدولة، على الرغم من تصريحات رئيس المجلس التصديري لمواد البناء قبل شهر واحد بالقضاء على 85 في المئة من صادرات الرخام المصري، واستغاثات القيادات النقابية ومؤجري المحاجر من تدمير القانون لصناعة التعدين.
قانون الثروة المعدنية أطاح صادرات مصر من الرخام بنحو 85 في المئة، بسبب ارتفاع التكلفة الإنتاجية التي أعجزت المنتج عن المنافسة بالسوق العالمية
وفي تموز/ يوليو 2016 أكّد وزير التنمية المحلية أن اللائحة التنفيذية ستضاعف موارد الدولة من المحاجر بنحو خمسة أضعاف عن الوضع الحالي. لكن في 3 أيلول/ سبتمبر 2016، أعلنت شعبة المحاجر باتحاد الصناعات في وسائل إعلام مختلفة عن توقف 70 في المئة من محاجر الرخام في مصر، وبناء على ذلك، قدمت نائبة طلب إحاطة لرئيس الوزراء حول تلك الأزمة، من دون نتيجة.. على الرغم من أنّ مصر كانت الخامسة عالمياً في إنتاج الرخام، بحسب تصريحات المجلس التصديري لمواد البناء لصحيفة الأهرام في 2012، مما كان يوفر الكثير من العملة الصعبة لمصر.
أخيراً هناك التماس قدّمته نقابة عمال محاجر المنيا للسيسي، بدأته بقولها: "إلى متى سنظل نحن فئران تجارب حكومتك؟ إلى متى ستظل الحكومة تفرض علينا الجباية والإتاوة والجزية، وكأننا نحيا في وطن ليس لنا. تمّ رفض القانون وتقدّمت حكومتكم الموقرة بالخداع بطريقة عبقرية ليظهر للناس أنّه تم تعديل لائحة القانون، مما نتج عنه توقف العمل.. ظل العمال وأصحاب المحاجر يصرخون من دون أدنى رد من الحكومة..".