ظهرت في أواخر آب الماضي صفحة على موقع "فيسبوك" تسمّي نفسها "حركة غلابة"، تدعو المصريين إلى الاحتجاج على الأوضاع السيئة وتحفزهم للنزول إلى الشارع في يوم 11/11 المقبل، وذلك من أجل تغيير النظام السياسي القائم! وهو ما يطرح تساؤلاً عن جدوى وفاعلية مثل تلك الحملات وما يمكن أن يكون لها من تداعيات..
محاولة استقطاب مؤيدين
تُعرّف الحركة نفسها بأنها "مجموعة من المصريين لا ينتمون إلى حزب أو جماعة أو كيان سياسي بل إن انتماءهم الوحيد لبلدهم"، وأنه انطلاقًا من معطيات ما وصفوه بأنه "طغيان وفساد"، فقد جاء تدشين تلك الحركة من أجل الدعوة لعصيان شعبي في يوم 11/11 من أجل عودة الجيش لثكناته وإزاحة النظام السياسي القائم. وأنّه من أجل ذلك تدعو الحركة كافة المصريين من كل الطوائف المختلفة الاشتراك في الحركة والنزول من أجل مقاومة الفساد والفاسدين. ودعت الحركة النقابات العمالية والمهنية للنزول، وأعلنت عن إضراب تدريجي ابتداء من 22 تشرين الأول / أكتوبر الجاري وصولًا إلى الإضراب الشامل. كذلك دعت إلى ضرورة التواصل مع كافة وكالات الأنباء العالمية والمنظمات الحقوقية الدولية وخاصة الأمم المتحدة، وذلك من أجل تأمين وجود إعلامي مكثف. وبدأ البعض بالكتابة على الجدران في محافظات مختلفة من مصر عبارات تدعم "ثورة الغلابة"..
إشكاليات منهجية وواقعية
ترتبط بتلك الحركة إشكاليات عدة. من أهمها أن الثورة بالأساس لا يتم تحديد موعد سابق لها وباليوم، وأن "ثورة 25 يناير" وإن كانت شرارتها قد بدأت من موقع "فيسبوك" من خلال صفحة "كلنا خالد سعيد"، إلّا أنها لم تكن تدعو إلى الثورة، ولكن بالأساس إلى تغيير وزير الداخلية اعتراضاً على التعذيب في السجون المصرية وتضامناً مع مَن يموتون على أيدي الشرطة المصرية ومنهم الشاب الاسكندري خالد سعيد.
كذلك فإن الثورة التي تدعو إليها حركة غلابة هي "ثورة تأسيسية" تحاول أن تقضي على نظام سياسي لتؤسس غيره، ولكن هذه الحركة وإن امتلكت من الأسباب ما يكفي، إلا أنها لا تملك من التأييد ما يكفي! فالحركة التي بدأت منذ شهرين لم تتجاوز الصفحة الرسمية لها 40 ألف متابع. ثم إنّ الطّرح الذي تقدمه الحركة هو طرح تقليدي ومكرّر، ولا يملك أي رؤية أو آليات يمكن من خلالها "إسقاط النظام" المدعوم بقوة من الجيش والشرطة، وتكتفي بفكرة الإضراب التي طرحت سابقاً ولم تنجح وكذلك لم تطرح رؤية لما بعد إسقاط النظام، لأن التساؤل المتعلق بمَن أحق بالسلطة أو بإدارة مرحلة ما بعد الثورة هو التساؤل الذي لم تجب عنه ثورة 2011، وكان أحد نقاط ضعفها في مواجهة الارتدادات الثورية المضادة.
الإشكالية الأخرى المرتبطة بتلك الحركة هي أنّها لا تجد صدىً واسعاً لها إلا في بعض القنوات المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، حيث ظهر المتحدّث الرسمي للحركة أكثر من مرة في تلك القنوات، وهو ما يجعل تيارات كثيرة وإن كانت معترضة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية تتوجّس من مجرد المشاركة مع حركة من الممكن أن تكون محسوبة على جماعة الإخوان. وهي تمثل إعادة إنتاج لمحاولات سابقة، كان أبرزها حركة "ضنك" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين والتي دعت للتظاهر في عام 2014، وعلى الرغم من نفي تلك الحركة لعلاقتها بأي تيار سياسي، إلا أن صفحات جماعة الإخوان كانت تؤيدها بشكل كبير..
ثورة جديدة؟
تعيش مصر فترة حرجة للغاية في ظل ارتفاع أسعار الحاجيات الأساسية وشعور المواطن بأزمة ثقة مع الحكومة، وهو ما ينعكس على الرضا الشعبي بشكل عام، ويجعل البعض يُقدّم أطروحات عن ثورة جياع قادمة في مصر، خاصةً في ظل وجود مشاهد شبه يومية عن طوابير وزحام على أماكن تقديم السلع والخدمات، وبروز أزمة نقص السكر وارتفاع أسعاره بشكل كبير مؤخراً.. ولكن إذا كانت هناك معطيات موضوعية تبرّر أن ينفجر الناس، فهذا لا يكفي لتوقع ثورة ناهيك بتعيين يومها أو توقيتها. حركة غلابة لا تتجاوز مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا له معناه، اللافت.. ليس إلا.
وقد يبدو الهجوم الإعلامي الشرس من المحسوبين على الرئيس السيسي على "حركة غلابة" واتهامها بأنها حركة إخوانية وتخريبية وصنيعة مخابراتية، هو هجوم كاشف لحقيقة أكبر تتمثل في القلق من احتمالية أن يكون هناك ثورة أو تظاهرات، وكذلك كاشف لحقيقة أن ثمة تدهوراً كبيراً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية..