المناطق المُحرّرة في العراق.. خرائط وحقولٌ من الدّم

حَجم الكتل السكانية النازحة من مناطق داعش والحرب معها، التي بدأت تباشر عودتها إلى أماكنها المحرّرة، هو المعيار أو المقياس الذي تشترطه "مجموعة دعم إعادة استقرار المناطق المُحرّرة" لكي توفّر التمويل المالي الخاص بالإنعاش السريع للبنى التحتية المدمّرة في تلك المناطق
 
2016-10-19

ميثم الحربي

كاتب من العراق


شارك
أحمد السوداني - العراق

المناطق المحرّرة في العراق هي التي خلَت فعلياً من الرايات السود لتنظيم داعش. وهذا هو اسمها الجديد بعد أن كان يتحرّك سابقاً في الإعلام بمُسمّى "اعتصامات المحافظات الغربية الست".
تعيش هذه المناطق اليوم ظروفاً سيئة نتيجة جرائم داعش من جهة، ووقوعها فاصلة شرسة في عين المعارك الحمراء من جهة أخرى. رسميّاً اعتُبرت كلٌّ من يثرب، وبيجي، وقضاء سنجار مناطق منكوبة. ووجدانياً الكل يعلم بما هي عليه البلاد من نكبة بسبب ارتباك البوصلة السياسية وابتلاء بغداد بـ"عراقيّي دول الجوار" من الزّعامات التي تُلوّن عراق ما بعد 2003.

 حَجم الكتل السكانية النازحة من مناطق داعش والحرب معها، التي بدأت تباشر عودتها إلى أماكنها المحرّرة، هو المعيار أو المقياس الذي تشترطه "مجموعة دعم إعادة استقرار المناطق المُحرّرة" لكي توفّر التمويل المالي الخاص بالإنعاش السريع للبنى التحتية المدمّرة في تلك المناطق. ومن خلال الاجتماعات المستمرة بين الفريق الحكومي العراقي وفرق الأمم المتحدة، بين بغداد وواشنطن وبرلين، تجد تلك المناطق نفسَها مُعمّرة وجاهزة على الورق وفاتنة في أروقة المستنقع البيروقراطي للمنظمات الدولية.

الأنبار

عدد الأسر النازحة التي عادت إلى الأنبار بلغ (62) ألف أسرة. جزءٌ من هذا العدد يقيم في الرمادي والمتبقي يتوزّع في الضواحي الشرقية منها.. تتفاءل الحكومة بأنّ تحرير الموصل وجوارها الشاسع بات قريباً. ويرتبط وضع بعض الأقضية مع أفق بادية الجزيرة.

 تعاني الرمادي من مشكلة خدمية كبيرة تتعلق بالدمار الكامل لشبكات المجاري. والمسؤولون في المحافظة ذهبوا بهذه المشكلة للفريق الدولي بغية مساعدتهم في تمويل إعادة البنية التحتية إلى سابق عهدها. بالمقابل ليس بوسع فرق الأمم المتحدة سوى أن تموّلهم بمشاعر المواساة والتربيت على الأكتاف وإعطاء الخيم لتغطية عراء المحافظة من حرّ الصيف وقرّ الشتاء.

ديالى

ديالى، مدينة البرتقال، تعاني اليوم من مشكلة خطيرة وهي انتشار "بساتين المتفجّرات" في منطقة ناحية العظيم. وناحية العظيم مكان شاسع تكوِّن أمشاجه أشرطة طويلة من القُرى والقصبات المتناثرة حواليه.
ولغرض تنظيف المحافظة من هذه الثمار الحديدية القاتلة، نفذّت الفرقة الخامسة في الجيش العراقي عمليات متتالية لرفع الألغام. وقد أعطت الفرقة الخامسة ضحايا عديدين وهي تمارس عمليات تفكيك سلاسل المتفجّرات الذي جعلها تنظيم داعش خرائط متناسجة في تراب تلك الناحية. ونتيجة لدوران رحى الحرب مع داعش لم تتمكن الفرقة الخامسة من مواصلة عملية التفكيك لكونها مرتبطة بمهمات مواجهة خارج مُحافظة ديالى. ويمكن الحديث عن بنى تحتية مدمرة في قضاء بعقوبة وناحية السعدية، وحاجة أربع وحدات إدارية إلى محوّلات كهرباء ضخمة. ونتيجة جلوس ديالى على هذا الصفيح الساخن، تعاني من إشكالية استقبال الأسر العائدة من النزوح، وتتحرّج من ضغط محافظة كركوك القريبة التي تُعدّ نقطة أزمة بين بغداد وأربيل. حيث يقوم مسؤولو محافظة كركوك بين مدة وأخرى بترحيل قسري للأسر (العربية) القادمة من محافظة ديالى مخافة اندلاع أزمة ديموغرافية في كركوك بين العرب والأكراد. ومعروف أن للمحافظة تسمية تدليل بين "قوّاد العراق الجديد" وهو "مناطق مُتنازَع عليها". وعليه رحّلت كركوك مؤخراً (50) أسرة قادمة من ديالى. وملف العودة في ديالى له شأنٌ صعب، لأن هذه الموجات العائدة توضع في مُعسكرات الجيش لغرض التثبت من كل أسرة عائدة وتدقيق الأسماء فرداً فرداً مخافة اختراقهم من قبل عناصر داعش. وهذا كله لضرورات الاحتياط. لكنه احتياط أخٌ للموت.
كما أن محافظة ديالى استقبلت العام الدراسي الجديد بـ127 مدرسة ابتدائية مُسوّاةً بالأرض. أما المدارس التي بقيت على قيد الحياة فإن كل واحدة منها تكون بأربع وجبات دوام.

صلاح الدين

في صلاح الدين عاد – بحسب الحكومة العراقية - 7 آلاف نازح موزعين على قافلتين إلى ناحية يثرب التي أُعلِنت أنها منكوبة مع قضاء بيجي، ففيها 12 ألف دار منسوفة بالصواريخ والقذائف.

 ومثل محافظة ديالى، حاجة صلاح الدين ماسة لرفع الألغام والمتفجّرات من خطوطها الحدودية مع المحافظات القريبة، ونتيجة وضعها الأمني المهتزّ يطالب مسؤولوها بتزويد الأجهزة الأمنية بالآليات والمعدات والأسلحة من أجل مهمة "مسك الأرض" بعد فصل التحرير. خدمياً يوجد حالياً مستشفى واحد في كلّ المحافظة. وحسب الأولويات التي يريدها المسؤولون لمواطني صلاح الدين، تتقدم الحاجة إلى الأمن (بعد التحرير)، والغذاء، والدواء. وفيما يتعلّق بإعمار البنية التحتية، أعلن برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) إحالة 44 مشروعاً خدمياً للتنفيذ.

جبل سنجار

جبل سنجار هو بحق جبلٌ من الحزن.. في قضاء سنجار الذي يسكنه المكوّن الإيزيدي غيمة كثيفة من الظروف السيئة تحيط بـ10 آلاف أسرة. ونتيجة الحملة الشرسة التي نفذها تنظيم داعش على سكان هذا الجبل أصبح الإيزيديون في مهبّ الريح.
 

فمنذ 17/12/2014، وقت إعلان تحرير ناحية السنونو، ومنذ 13/11/2015 حيث الإعلان النهائي عن تحرير قضاء سنجار، لم تُمدّ يد العون للأهالي هناك، لا من الحكومة العراقية ولا من المجتمع الدولي ما عدا 12 مولد كهرباء، و3 أحواض ماء كبيرة، وجرافة عدد 2 كصدقة ألمانية. وما زال يدافع رجال الطائفة الإيزيدية في معبد لالش من أجل درء خطر محو الإزيديين من الوجود. فهم يبحثون ليل نهار عن مصير 3734 مختطفاً ومختطفة من الإيزيديين، ويُفاوضون من أجل إعمار قضائهم لتأمين عودة 350 ألف نازح إيزيدي في كردستان.

 وإن كانت الفرق الحكومية مع الفريق الدولي استطاعت زيارة الفلوجة، وديالى، والشرقاط للاطلاع على واقع تلك المناطق الخدمي، فإنّ أي فريق لم يزر قضاء سنجار المُحاط بـ27 مقبرة جماعية صنعها تنظيم داعش لجثث الإيزيديين. وتلك المقابر سُوّرَ بها القضاء ومُلئت بالألغام والمتفجرات، وفخاخ الديناميت. ونتيجة لوقوع السنجاريين تحت هجمات تنظيم داعش الشرسة، ومعاناتهم من ضعف الاستجابة لنداءاتهم، تفكّر الأجيال الشابة بالهجرة الجماعية إلى دول أوروبا، فيما شيوخ الطائفة يقولون: الموت في أرض أجدادنا حُلو، والموت في الغربة مُر!

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

الموصل.. ثمن البداية من صفر جديد

هواجس ما بعد تحرير الموصل: أين المشروع الوطني القادر على تجاوز الكوارث المتلاحقة، وآخرها ما جرى للموصل وفيها، وتداعياته المستقبلية. وهل يتشابه زلزالا الاحتلال في 2003 وهذا الحدث الاخير؟