إعداد وتحرير: صباح جلّول
في الثامن من أيلول / سبتمبر 2023، عند الساعة 11:11 ليلاً، سمع أهل المغرب صيحة الأرض مدوّية عميقة، حتى ظنّ الناس أن الساعة قامت. وكان كلّ ما تلا ذلك الصوت الرهيب كابوساً متواصلاً في هيئة زلزال بلغ 6.8 درجات على مقياس ريختر وضرب بشكل أساسي إقليم الحوز الذي يبعد عن مراكش بنحو 40 كيلومتراً. هو جزء من ذلك "المغرب غير النافع" التي اطلقها المستعمِر "ليوتي"، وعنت الاهمال التام له أرضاً وبشراً، وما زال "المبدأ" معمولاً به حتى الآن في المغرب وفي سواه.
وصل عدد القتلى إلى 2900 شخص حسب ما صرّحت وزارة الداخلية المغربية يوم الثلاثاء في 12 أيلول / سبتمبر 2023، ووصل عدد الجرحي إلى أكثر من 55 ألفاً، كما تضررت بعض أفقر المناطق في المغرب بشدة، حيث سوي عددٌ من القرى بالأرض، وبقي أكثر 300 ألف متضرر في جميع أنحاء البلاد يلملمون جراحهم ويسألون "ماذا حدث؟"...
لم يكد الواحد منا يستوعب مشاهد الموت العميم التي غمرتنا بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط / فبراير 2023، حتى جاء الحزن من المغرب. وفي عزّ المصيبة، خرجت صور ومقاطع فيديو تقول إن في منطقتنا هذه - التي نعرف جيّداً خرابها المتعدّد الكبير – ثمّة مَن يبحث عن "ما ليسَ خراباً" و"يتمسّك به" ولا يفلته. فخرجت في المغرب حملات شعبية أهلية لا تدعمها الحكومة ولا الجمعيات غير الحكومية، بل هي مدفوعة بعاطفة شعبية صادقة فُسّرت على شكل تكافل اجتماعي تلقائي جميل. يتبرع الناس من جيوبهم الخاصة للمتضررين ويهرعون إلى المتاجر والدكاكين لشراء مواد غذائية وحاجيات للذين باتوا ليلهم في العراء. مَن لم يقدر على بذل المال، سخّر الجهد لإيصال الطعام والدواء والفراش، وانتظم الناس طوابير للتبرع بالدم للمصابين.
بسلاسة ملفتة، انطلقت هبّة شعبية باتت حالة عامّة في البلاد، في ظلّ تباطؤ الجهات الحكومية عن تنظيم عمليات إغاثة منسّقة وموسّعة (حتى ساعة كتابة هذه السطور)، فاحتل الناس المشهد: من المرأة التي قدّمت خاتمها الذهب الوحيد تبرعاً لضحايا الزلزال إلى الشبان الذين ابتكروا طريقة لصنع مخبز متنقل ونفّذوه بسرعة هائلة لكي يكون قائماً لتقديم الخبز في المناطق المتضررة والدواوير القصيّة... ما للناس سِوى الناس.
****
ثمّ مضى يوم فاثنان، وكانت ليبيا بدورها على موعد مع رعب خالص حملته لها عاصفة لئيمة باسم "دانيال" يومي الأحد والاثنين. فطلع فجر يوم الثلاثاء على منظر وصفته وسائل إعلامية متعددة ب"الآخروي"، كأنه طالع من فيلم يصوّر نهاية العالم، بعد أن غرقت المدينة تماماً بفعل انهيار سدّين مائيين وتفجر الماء بلا رادع، جارفاً الحجر والبشر والمركبات والمنشآت.
وفيما تجاوز التقدير الأولي لعدد القتلى 5200 شخصاً، صرّح رئيس بعثة الصليب الأحمر والهلال الأحمر في ليبيا تامر رمضان بأن نحو 10 آلاف شخص هم في عداد المفقودين! واليوم يقولون بل 20 ألفاً! حصيلة القتلى "هائلة". وقد انتشرت مقاطع مؤلمة على وسائل التواصل الاجتماعي لعشرات الجثث تطفو على صفحة ماء البحر دون أن يصل إليها أحد.
لا تأتي المصائب فرادى... فهذا موتٌ مُذهِل في بلد يعاني الأمرين في الأساس، سياسياً وأمنياً، كما أُمعِن فيه طعناً وإهمالاً في بناه التحتية ومعيشة أهله اليومية. حتّى أنّ مصيبته المرعبة تغيب عن تركيز الإعلام كأنها لم تكن! وقد عبّر وزير الصحة في شرق ليبيا عن عجز السلطات أمام هول الكارثة بالقول "لقد أذهلنا حجم الدمار. المأساة كبيرة للغاية وتفوق قدرة درنة والحكومة على التصدي لها".
ما نعرفه هو أننا جميعاً "لا نملك التصدي"، وأننا أُحِلْنا ضعفاء، فرادى وجماعات، بلدانا وشعوباً... وسط استفراد بضعة افراد أو مجموعات – متنافرة أحياناً بل متقاتلة، ومتواطئة فيما بينها في أحيان أخرى – بموارد البلاد وتوظيفها وفق أولويات مجهولة لا يدخل فيها شق الطرقات وصيانة السدود وتوفير المشافي للناس بل والاكتراث لأحوالهم. ما نعرفه هو أننا رغم انعدام الضمانات لا نملك سوى أن نبذل الاهتمام، ثمّ أن نبذل الاهتمام...
كل العافية لأهلنا في المغرب وليبيا.
_______________________
للتبرع:
• من أجل ليبيا
عبر الصليب الأحمر الدولي
https://donate.redcross.org.uk/appeal/libya-floods-appeal
• من أجل المغرب
عبر الحساب المصرفي الدولي الذي أنشأه المصرف المركزي للمتضررين من الزلزال
رقم الحساب MA64001810007800020110620318
سويفت BKAMMAMR